فاتح عبد السلام
حين كان المرشحون لعضوية مجلس النواب العراقي يتزاحمون بالمناكب واللافتات والصور والخطابات الرنانة ومد الموائد لقطعان الحاضرين في مهرجاناتهم الانتخابية، اذ نافس المرشحون بعضهم بعضا بكثرة عدد الخراف والمناسف والمقاصف، مر يوم استقلال دولة العراق وانضمامها الى عصبة الأمم المتحدة كأول دولة عربية تنال هذه العضوية الدولية المهمة في الثالث من تشرين اول من العام 1932.
لا أحد كان منتبها لهذه المناسبة التي لا تحظى في نظر اغلبية السياسيين في البلاد بأية أهمية او قدسية او احترام. بل اكاد اجزم انه لو جرى عمل اختبار بسيط ومفاجئ لعموم النواب والوزراء والسياسيين وواجهوا سؤالاً واحداً هو: في أي يوم نال العراق استقلاله؟ لرأينا العجائب المتوقعة، ونحن ليست بعيدة عنّا تلك «الذخائر المعرفية « التي تزخر بها العقليات السياسية، ومنها ذلك «المجهول المعلوم» الذي كان يمثل العراق في المحافل الدولية ويعلن انّ نهر دجلة ينبع من إيران.
في الدول الغربية، لا يمنحون الجنسية للاجئين والمهاجرين اليها الا اذا اجتازوا من بين الاختبارات، اختبارا معرفيا في التاريخ والجغرافيا والروزنامة الوطنية لتلك البلدان، فلن يكتسب الشخص الجنسية البريطانية اذا لم يكن يعرف انّ تشرتشل كان رئيس الوزراء في المملكة المتحدة في عهد الملك جورج السادس في خلال الحرب العالمية الثانية، وانّ الملك جورج الخامس كان على رأس البلاد في خلال الحرب العالمية الأولى. وانّ التاج البريطاني يظلل خمس عشرة دولة في العالم، هي أستراليا، وكندا، ونيوزيلندا، و12 دولة أخرى من الكاريبي والمحيط الهادئ.
لنسأل هؤلاء المرشحين للانتخابات في بلادنا اليوم في قوافل الأحزاب المستجدة وهم يفغرون أفواههم قبل عيونهم على الامتيازات، مَن كان رئيسا للوزراء في العراق في العهد الملكي، إلهام المدفعي أو جميل المدفعي (1890 – 1958) الذي شغل منصب رئيس الوزراء لست حكومات في الأعوام 1933، 1934، 1935،1938، 1941، 1953؟
تاريخ العراق صفحة مجهولة في عقول السياسيين العراقيين اليوم، رؤوس مقفلة لا تقرأ ولا تكتب، يلاحقون الهبرة الدسمة ويتبارون في سوق مزايدات بيع المناصب والحقائب، غير معنيين بأي تاريخ لذلك نراهم غير قادرين على حفظ الجغرافيا الترابية التي يقفون عليها، فقد وفدوا اليها بالصدف السعيدة، وليس لهم فوقها سوى قدم واحدة، والأخرى تكون عالقة دائماً في المطار.