فاتح عبد السلام
الخدمات الصحية في جميع البلدان المتقدمة تمول من موازنات الحكومات وتدخل فيها أموال دافعي الضرائب، ولا تزال الشكاوى كبيرة على المجال الصحي، كما اظهر اخر استطلاع في بريطانيا اذ عبرت نسبة أكبر من نسبة العام الماضي من البريطانيين عن عدم رضاها على أوضاع المستشفيات والمراكز الطبية في المناطق السكنية. والنظام الصحي البريطاني نقطة مفصلية في معادلة الانتخابات البرلمانية والتشريعية، لأنه منذ خمسة وسبعين عاما يمثل خط الأمان في حدوده المعقولة لصحة المواطنين لاسيما كبار السن وذوي الدخل المحدود، وهو في النتيجة عام للغني والفقير من دون استثناء، وانّ أي تدهور أو نقص فيه يقرع جرس القلق في نفوس البريطانيين.
وفي دول أوربية أخرى، يتناول المرشحون للانتخابات القطاع الصحي في حملاتهم الانتخابية ويقدمون برامج ومشاريع إصلاحات لذلك القطاع، وحين يفوزون ويشكلون الحكومات ينفذون الإصلاحات الموعودة مباشرة عبر استصدار تشريعات جديدة تدعم توجهاتهم. ونتذكر كيف كان النظام الصحي نقطة حاسمة في الانتخابات الامريكية لاسيما منذ فترة باراك أوباما وما فعلة ترامب ثم بايدن.
لا ادري ماذا أخذنا من الديمقراطية، كنظام غربي في أساسه، التي نتشدق بممارستها في العراق، فالحملات الانتخابية للمرشحين افراداً وأحزاباً لا تعنى بالخدمات الصحية والبلدية بشكل مدروس وواع ومبني على علم وإمكانات ورؤية للإصلاح ، فهي أمور تمر في شعارات بعضهم وحين يصلون الى البرلمان والحكومة، ينغمسون في المناكفات السياسية التي لا تقدم بل تؤخر سياقات خدمة البلد.
الأنكى من هذا انّ المستشفيات العامة في البلد، لم تخضع لاية مراجعة حقيقية من البرلمان في أي من دوراته، في حين لا أحد يعرف ماذا يفعل وزير الصحة إذا كان قد قضى سنتين او أربع سنوات أحيانا من دون ان يزور مستشفى خارج بغداد.
الواقع السياسي مشغول معظم الوقت بالبنوك الجديدة والقديمة واصحابها وبيع العملة والسوق السوداء وما الى ذلك من أمور تفوح منها رائحة «العمولات» المالية السياسية المشتركة، في حين انّ أهم مفصل يجب ان يجرى تقييم المسؤولين من خلاله ومعاقبتهم انتخابيا هو القطاع الذي يخص صحة الملايين والذي يجب أن يكون الأفضل بين دول المنطقة، كما كنّا قبل ثلاثة عقود.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية