كاريزما كاذبة
حسين علي غالب بابان
في معرض الكتاب في إحدى الجامعات العربية العريقة ، يقول لي صديقي وهو مالك لاحدى دور النشر الغنية عن التعريف والتي طبعت كتب لنخبة من المثقفين والأدباء ، أنه تمكن أخيرا من حجز موعد مع «محلل» ممن يظهرون على القنوات الفضائية أكثر من الدعايات التجارية ، وذلك حتى يتفق معه على طباعة كتابه ، وأنا سوف أكون مع مجموعة وطبعا لست وحدي حتى نكون شاهدين على الاتفاق ، وأيضا هي فرصة حتى أتعرف على الـ «المحلل « وجها لوجه.حان الموعد وجاءت سيارتين لنقلي أنا والمجموعة من الشخصيات لمسكن «المحلل» ، وصدقا عند دخولنا له لقينا ترحيب جميل منه لعدة دقائق ،وكان شديد الأدب ولسانه حلو كأنه مغمس بالعسل ، لكن ما أن بدأ الحاضرين بطرح الأسئلة عليه ، حتى أصبح وجهه شديد الأحمر وكأنه تعرض لأزمة قلبية ..!!
سألناه عن فلسطين فأجاب عن العراق ،تحدثنا معه عن السياسية الأمريكية فصمت ،وبعدها قال لنا «هل تشربون عصير أم فنجان من القهوة»..؟؟غير صديقي الذي يملك دار النشر الحديث بالكامل ، حتى لا يشعر «المحلل» بالحرج وحتى لا يضيع منه عقد طبع الكتاب الذي يريد أن يحصل عليه بأي وسيلة ، فسأله سؤال بسيط جدا ،» ما هي أصعب الأيام التي مرت عليك بالجيش»..؟؟وإذ يلتفت على صديقي ويقول له ، « من قال لك أنني خدمة بالجيش ، أنا فقط كنت أعمل محاسب في وزارة الدفاع»..!!ساد الصمت المكان ، فـهذا الرجل أنا بنفسي سمعته أكثر من عشرين مرة ،وهو يقول عبر لقاءاته في القنوات الفضائية أنه قضى أغلب حياته في الجيش يقاتل هنا وهناك.طلب صديقي وكل من الحضور الاستئذان والخروج ،وهو بلا تردد تقدم وفتح لنا الباب و أبتسامة صفراء على وجهه و صافحناه ، و إذ يقوم صديقي ونحن متوجهين خارج مسكنه نحو السيارتان ، «ما هذا ، ما الذي يحدث»..؟؟أجابنا دكتور جامعي أكبرنا بالعمر ، «هذا ليس إلا ممثل ، ولقد صدقنا تمثيله وضحك علينا « ، وأنا هنا أزيد على دكتورنا الفاضل أن هؤلاء يملكون «كاريزما كاذبة» ، والقنوات الفضائية يجلبونهم حتى نسمع لكلامهم ونتفاعل معهم لأنهم يلعبون بمشاعرنا من أجل أجندات خاصة بهم و أخر همهم قضايانا المصيرية للأسف الشديد.