الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
علي داخل كاريزما الأداء بعفوية جميلة

بواسطة azzaman

علي داخل كاريزما الأداء بعفوية جميلة

صوت الأزمنة المنتمية إلى قرى الطين والقصب

 

دوسدلورف - نعيم عبد مهلهل

لم اعرف الراحل  علي داخل  إلا من خلال بيت الطين ، عندما كان الثلج الاوربي يدفعنا الى الاشتياق للبلاد التي عرفنها هناك دافئة ومثيرة وتعلمنا الغرام على اصوله .وكان  علي داخل بتلك العفوية الريفية النابعة من فطرة تلك الذات التي عجنت خواطر الجنوب خبزا واحلاماً ، حين تشاهد اداءه فتشعر أنه يمثل ظاهرة عفوية وتثير فينا الضحك الهادف الذي كنا نحتاجه لنتغلب على مسافات الحنين .. لترى أن ( علي داخل )يؤدي نوعا من تلقائية الحركة والكلام ،ومنها تلك الفنية في تحريك الجسد مع الكلمات ،وتميزه ممثلا لايؤدي بتكلف بل هو يصوغ عفويته حتى دون الحاجة الى نص ومخرج . علي داخل المولود في البصرة عام 1960 والذي تعلم سنوات صباه وطفولته في مدارس ميسان ،ثم انتقل الى بغداد وقد عاش ذهول العاصمة وبهرجتها إلا أنها لم تغير من نمطه الروحي في التعامل مع الحياة كما عاشها في جنوب كان منذ صباه يؤدي على مسارحه براعة النطق اذ ينتمي الى بيئة عجنت في روحه وكونت شخصيته  و معها مشاعر موهبة مبكرة ،انتبه اليها المخرجون وصاروا لايتعبون في توجيه ( علي داخل )وهو يؤدي شخصياته ، وهي تمت الى الريف وقراه وحقوله بصلة روحية قبل ان تكون صلة لأداء شخصية ما .في بيت الطين كانت تلقائية ( علي داخل )شيئا من صدق العاطفة الانسانية وبرائتها حتى في لحظات انفعالها فهي تثير في مشاعرنا بهجة ان هذا الغضب يريد ان يصنع فينا ابتسامة ما .. تلك الابتسامة ، وفعل ذات الشيء في ( مسلسل ماضي يا ماضي ) وبقية الادوار كان يؤدها وهو يدرك ان التمثيل موهبة لصناعة السعادة ، وانه قد لايشبع بطنا ولكنه يشبع روحا.. لهذا عاش ( علي داخل )  في كفاف الحياة ومتى اراد أن يقدم نفسه في اي حوار تلفزيوني يتحدث بعفوية ويقول : انه  حَسن الإنصات للأساتذة وبتفكر وحفظ إرشاداتهم كوصايا الممثل الكبير الراحل سامي عبد الحميد وغيره من فناني المسرح العراقي الكبار.

في يوم الخميس 19 كانون الثاني 2023 وفي يوم بغدادي  بارد تدفأت روح ( علي داخل ) بنعش بسيط رحل معه واوصله الى مقبرة وادي السلام ثم افترق عنه . ولم تبقَ سوى ذكريات تابلوهات التمثيل ومدن خشبات المسرح والحب الذي سكن كل الذين عرفوا ( علي داخل).الممثل المتشح بفطرة القرى وبساطة الروح وهي تفرح وتنفعل وتخاف على بيتها من طمع الاقطاع واللصوص، مثل في التلفزيون أدوارا ارتدته قبل ان يرتديها فكان نمطا معروفا ومحبوبا ولايتعبُ المخرجون معه في توجيه ظلال المشهد ليتركوه على سجيته وهو يبتكر الايماءة والحركة والخروج عن النص في ضرورات يدرك وقعها هو .عاش يحب مهنته التمثيل ولم يحصل منها على الكثير ، ولكن الكثير الذي حصل عليه هو محبة الجمهور والذين عملوا معه .

بساطةوتلقائية

ولد ( علي داخل ) في البصرة وشعر بموهبته في ميسان ومات في بغداد . لتنتهي مسيرة رجل عرف دوما أن الحقيقة لاتظهر من خلال عقدتها وتشعباتها ، إنما من خلال بساطتها وتلقائتها وروحها التي عليها ان تبتعد عن التكلف والتمظهر وارتداء ماهو ليس لك . لهذا كانت ادواره هي وليدة امكنة ولادته ونبوغه المسرحي الاول منذ انشطة الشباب وحتى خشبة المسرح الوطني في العاصمة بغداد .

هكذا وجوه مبدعة من صناع التلقائية ينبغي ان نضع لهم تواريخ فيها يتم الاحتفاء بهم .فمرات الاشياء العفوية وبساطتها توقظ في اعماقك الحنين الى ذكرى كنت قد نسيتها ، هم نمط من اللمسة الخاطفة بعفوية الكلام الآتي من لهجات تنتمي الى جذورها السومرية والاكدية فتحسها كما يقال في الدارجة العراقية تنغمش بالقلب لتشعره أن التلقائية والفطرة هي اداء اجتماعي نحتاجه لنعرف جذور ما ننتمي اليه.

( علي داخل )هو صوت تلك الازمنة المنتمية الى قرى الطين والقصب وملاحم اصحاب مشاحيف الماء بين غابات القصب  قرى ميسان والبصرة والناصرية . يوقظ اداءه فينا بهجة ضاحكة ، ومن تضحك بهجته ينال من راحة الجسد شيئا يجعله يتابع اداء هذا الانسان الذي لم ينل من الشهرة ما يتمنى ان ييناله .لقد جعلته الفطرة والتلقائية مميزا لكن ادواره لم تكن كثيرة ولم يعطى له نصا يذهب به الى منطقة اخرى.

روح ( علي داخل )هي روح الاشياء المسكونة ببساطة الحياة وهامشها والظل التي تنتمي اليه كائناتنا الفقيرة ،الفلاحون والعمال والكسبة وعرفاء الجيش ، واخرون ينظرون الى مشاهد حياتهم من خلال اداءه.

فألى روحه الرحمة .فمثل هؤلاء ينبغي أن يجلسوا في متاحف ذكرياتنا مكرمين من قبلنا ومن قبل الهة الجنوب كلها .

 


مشاهدات 264
أضيف 2024/09/10 - 6:29 PM
آخر تحديث 2024/12/20 - 2:22 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 340 الشهر 9054 الكلي 10065149
الوقت الآن
السبت 2024/12/21 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير