دولة الفقراء
عمار طاهر
اكواخ من صفيح تتراقص حينما تداعبها الريح، يحسبها الرائي من بعيد وكأنها اطلال غابرة او قبور مبعثرة، تستظل بلهيبها أسر متعففة، تضج بالأرامل والعجائز واليتامى، تفترش الأرض، وتعتاش على ما يجود به الاخرون، بعد ان حرمتها قسوة الحياة وغدرها من المعين والناصر.
عشرات الصور الحزينة تتقافز الى خاطري لبيوت الطين المكدسة على تخوم المدن في اليوم العالمي للقضاء على الفقر.. بائسون ومحرمون ظلمتهم اللغة، وانحازت ضدهم بسياقات مضللة، فاستبدلت مفردة الفقراء بالحواسم، لتضفي شحنة هائلة من الكراهية، ومعنى متوحشاً يقترن بالاستحواذ القسري على مساحة جرداء نائية غير مؤهولة.. وكأنهم قد احتلوا الأرض بشكل غاشم، لا استوطنوها بسبب العوز والاملاق.
هؤلاء المساكين يعيشون فقرا مدقعا حتى في احلامهم، فلا نافذة للأمل، ولا بصيص ضوء خافت في نهاية نفق المعاناة، صامدون وراء قضبان الصبر، يرون ويسمعون كثيرا ولا يملكون شيئا.. عيونهم غنية، وايديهم فقيرة.. يواسون أنفسهم ان الجنة هي دولة الفقراء، لذا يحيون حياة الغرباء، فالفقر في الوطن غربة.. صائمون بانتظار الإفطار من بلد يغيثهم من الفاقة، وينقذهم من الحاجة للناس.
وللفقر اشكال وأنواع مختلفة، فهناك الفقر المعرفي الشائع المرتبط بانخفاض المنسوب العلمي، وازدياد مؤشر الجهل والامية.. وهناك الغنى الأكاديمي الكاذب لأصحاب الشهادات والالقاب العلمية المزيفة، ممن يعيشون وهم المعرفة.. يجمعون ويعددون، وهم لا يفهمون ولا يفقهون.. فارغون وسطحيون، لا يمتلكون من هذه الشهادات الا رسمها.. يتبجحون ويحتجون بوثائقهم الرسمية، لا برصيدهم المعرفي، وعمقهم المعلوماتي..
اما الفقر الإنساني فهو من أشدها قتامة، فالنفوس الخالية من الرحمة.. الخاوية من الأنسانية تعيش في ظلام دامس، لم تتسلل لها مشاعر الاحسان يوما من ممرات عاطفية.. جف وعيها، وتيبست روحها، فهي تنظر الى الاخرين على وفق رؤية براغماتية تنبع من مصالحها الانية.. يدعون اليتيم، ولا يحضون على طعام المسكين.. نسوا الله فآنساهم أنفسهم، أولئك هم الفاسقون.
دعوة الى المرشحين في الانتخابات النيابية بجميع كتلهم واحزابهم لزيارة بيوت الطين، حيث يعاني الناس شظف العيش، وبؤس الحياة، حيث هياكل الدور من تنك تتداعى وتميل مع الريح حيثما ما مالت، لمواساة الفقراء والمعدمين، فوجوههم شاحبة وشفاههم ذابلة من فرط سوء التغذية، يعيشون تحت خط الفقر بانتظار الفرج، او ما يتصدق به بعض الناس حينما يتذكروهم، فهم مهمشون ويائسون بعد ان أصبح العوز ضيفاً دائم يأبى المغادرة، مهما تبدلت الوجوه وكثرت الوعود.