إذا صدقت تحذيرات لافروف.. ماذا يجب أن يفعل العراق الآن ؟
ضياء واجد المهندس
تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حول احتمال «نقاش» ضربات أميركية-إسرائيلية جديدة ضد إيران وارتفاع احتمال تصعيد إقليمي يضع العراق أمام مفترق دروب استراتيجي. العراق بلدٌ جغرافيًا وسياسيًا في قلب أي مواجهة إقليمية بين طهران وواشنطن/تل أبيب، وله تداعيات مباشرة على أمنه الداخلي واقتصاده ووضع قوات التحالف المتواجدة على أراضيه. فيما يلي مقال عملي وموجز يشرح خطوات فورية واستراتيجية يجب على بغداد اتخاذها — مع أسباب وتعليل موجز ودلائل من تقرير الأخبار الأخيرة.
ما يثبت الخطر الآن (قراءة سريعة للواقع)
لافروف كرّر تحذيراته وندد بالتصعيد الإسرائيلي وبخطر أن «ينفجر» الشرق الأوسط؛ تصريحات روسية رسمية مماثلة نُقلت في الاجتماعات الدولية ووسائل الإعلام.
المنطقة شهدت بالفعل موجات ضربات وإجراءات عسكرية مؤخراً (استهداف منشآت ونشاطات عسكرية ضد مواقع إيرانية)، مما يرفع احتمال ردود أفعال تمتد إلى دول الجوار. تقارير غربية رصدت ضربات وإعادة انتشار للاستخبارات والقدرات العسكرية.
تراجع بعض الوجود الأمريكي/التأقلم مع وجود أقل لقوات في العراق يمكن أن يغيّر معادلات الحماية المباشرة ويجعل العراق معرضًا أكثر لعمليات الردع والضغط من أطراف إقليمية ودولية.
حالة تأهب
أولًا — مَن يجب أن يكون في حالة تأهّب؟ (قصر القرار العراقي)
1. مجلس الوزراء ومجلس الأمن القومي: عقد جلسة طارئة لتقييم السيناريوهات ولإصدار توجيهات عاجلة للوزارات المعنية (الخارجية، الدفاع، الداخلية، الصحة، النقل، النفط).
2. رئاسة الوزراء + قيادة العمليات المشتركة: نشر أوامر لرفع حالة الاستعداد لدى وحدات الدفاع الجوي، الموانئ، المطارات الرئيسية، ومحطات الطاقة.
3. وزارة الخارجية: فتح قنوات اتصالات فورية مع كل من: روسيا، الولايات المتحدة، إيران، السعودية، تركيا، والأمم المتحدة لطلب ضمانات عدم استخدام الأراضي العراقية كمنصة أو هدف.
ثانيًا — خطّة عمل سياسية ودبلوماسية (72 ساعة الأولى)
1. إعلان موقف رسمي واضح ومحايد: بيان حكومي يُشدّد على تحفظ العراق التام من أي عمل عسكري يعرّض سيادته أو المدنيين للخطر، ويُطالب بضمانات بعدم استغلال الأراضي العراقية كممرات للعمليات. هذا يوفّر أرضية سياسية داخلية ودولية لعدم تحول العراق إلى ساحة مواجهة.
2. طلب حماية-diplomatic deconfliction: التواصل مع القيادات الأميركية والروسية لترتيب قنوات «عدم التصادم» وطلب إشعارات مسبقة لأي عمليات جوية في الأجواء المجاورة للمناطق العراقية. نص مشابه يُطلب من إسرائيل وإيران.
3. مخاطبة الأمم المتحدة والجامعة العربية: طلب جلسة طارئة أو على الأقل تفعيل قنوات إقليمية لوقف التصعيد والدعوة إلى حل دبلوماسي سريع. الدعم المؤسساتي الدولي يمنح بغداد غطاءً دبلوماسيًا أقوى.
ثالثًا — خطّ الدفاع والأمن الداخلي
1. حماية المنشآت الحيوية: تأمين الحقول النفطية، خطوط الأنابيب، محطات الكهرباء، المطارات والموانئ بزيادة الحراسات وتفعيل خطط الطوارئ.
مراقبة جوية
2. تعزيز المراقبة الجوية والبحرية: تكثيف الرصد بالرادارات، المراقبة الإلكترونية، وتنسيق مع القوات الدولية على الأرض لمنع أي اختراق أو استغلال للمجال الجوي العراقي.
3. ضبط الساحات الداخلية: منع أي تصعيد مسلح من ميليشيات أو مجموعات مسلحة ومحاولة تفكيك محاولات استفزاز تُجرّ المنطقة إلى احتكاك مباشر؛ تطبيق القانون بصرامة ضد أي جهة تستغل المشهد لتنفيذ هجمات عبر الحدود.
رابعًا — التحوط الاقتصادي والإنساني
1. خطة لحماية الصادرات النفطية والمالية: سيناريوهات لضمان استمرار تدفّق النفط وتخفيض مخاطر هبوط الإنتاج أو تعطّل الصادرات (مخازن بديلة، تأمينات، تعاون مع شركات دولية).
2. خطة طوارئ إنسانية: تحضير مرافق طبية إضافية، مخزون أدوية، مخيمات داخلية للطوارئ لوصول نازحين محتملين من دول الجوار، وتنشيط شبكة الهلال الأحمر والهيئات المدنية.
3. تأمين سلاسل الإمداد: مخزون غاز، وقود، ومواد غذائية أساسية لتجنّب ندرة قد تولد أزمة داخلية.
خامسًا — الرسائل الداخلية إلى الشعب العراقي
هدوء وحسم: إصدار رسائل رسمية يومية تبين الإجراءات المتخذة والجهات التي تتعامل مع الخطر، لتفادي الذعر.
تعليمات مدنية: نشر إرشادات للسكان قرب الحدود أو قواعد التحويل للمناطق الآمنة، أرقام طوارئ، والتعليم فيما يخصّ إجراءات الحماية المدنية.
سادسًا — سيناريوهات وخطوات استباقية على المدى المتوسط
موازنة علاقات
الحفاظ على التوازن الإقليمي: بغداد بحاجة لموازنة علاقاتها: لا معادلة مفتوحة مع طرف على حساب طرف آخر; إبقاء قنوات الاتصال مع طهران وواشنطن وموسكو مفتوحة.
التفاوض على ضمانات بعدم استغلال الأراضي العراقية: التفاوض مع كل القوى لتوقيع تفاهمات تقنية/قانونية تمنع استخدام الأراضي أو الأجواء العراقية لإطلاق هجمات على أطراف أخرى.
تعزيز السيادة الأمنية الوطنية: تسريع بناء قدرات الدفاع الجوي والرصد والردع الوطني بالتعاون مع شركاء تقنيين لكن مع الحفاظ على قرارات سيادية مستقلة.
للمواطنين — قائمة إجراءات سريعة (Practical Checklist)
- تابع وسائل الإعلام الرسمية وبيانات الدفاع المدني فقط.
- لا تنتشر الشائعات على وسائل التواصل؛ أبلغ عن أي نشاط مسلح في منطقتك لأرقام الطوارئ.
- حضّر حقيبة طوارئ تحتوي على مستلزمات طبية أساسية، وثائق شخصية، وبعض النقود، ومؤن تكفي 72 ساعة.
- اتّبع تعليمات الإخلاء إذا صدرت، ولا تحاول الاقتراب من المنشآت العسكرية أو المناطق الحدودية.
الخاتمة
العراق ليس طرفًا في المواجهة المباشرة بين إيران والولايات المتحدة أو إسرائيل، لكنه قد يدفع ثمن أي تصعيد إقليمي بشكلٍ مباشر وخطير — سواء عبر ضربات عرضية، تحركات ميليشيات، أو أزمات إنسانية واقتصادية. أفضل موقف عملي لبغداد الآن هو التحفّظ الدبلوماسي الصارم، تأمين السيادة الوطنية (منع استغلال الأراضي والأجواء)، وتعزيز استراتيجيات الحماية المدنية والاقتصادية. تنفيذ هذه الخطوات بسرعة وبتنسيق دولي يقلل من خطر أن يصبح العراق ساحة مواجهة.
□ رئيس مجلس الخبراء العراقي