الوطن بين القسوة والموت
محمد رسن
أرى كثيرين ممن يعانون من أزمة شرف يستكثرون الدفاع عن امرأة، فصاروا أكثر إجراماً من القاتل نفسه، بعضهم برّر موتها أو حاول إبعاد تهمة القتل، ومنهم من طعنها بشرفها، وكل من فعل ذلك قد شارك في قتلها. هؤلاء لم يدينوا حتى الموت بهذه القسوة، بل زادوا عليه خسةً ونذالةً. المؤلم أن تجد نفسك محاطاً بمسوخ كهؤلاء، والأشد إيلاماً أن ترى ممن في السلطة على شاكلتهم. أينما التفت وجدت مجرماً يتربص بك.
ومن منظور نفسي، أرى أن هذا الواقع يعكس الخوف والصراع النفسي داخل المجتمع: كيف يمكن للإنسان أن يتحول إلى أداة قسوة، وكيف يبرر البعض الصمت أمام الظلم؟ كل هذا يخلق شعورًا مستمرًا بالخطر، وكأن الوطن أصبح فضاءً محاصرًا بالخوف والتهديد.
ولا يغيب عن بالنا ما فعله بعض المسؤولين الذين حاولوا تبرير قتلها، كي لا يحدث أي شيء يهدد سلطتهم أو ينزع عنهم واجهة القوة والقدرة. استُخدمت المبررات الواهية لتقليل حجم الجريمة، وتجميل صورة القتلة في أعين الرأي العام، وكأن دمها مجرد حادث عابر لا يستحق الغضب. كانت محاولتهم دفاعًا عن السلطة نفسها، على حساب العدالة والضمير. كل تبرير منهم زاد المشهد فظاعة، وكل صمت لهم أكد أن المصالح السياسية أهم من حياة الإنسان.
وطن تحول إلى مذبحٍ لا يليق بأبنائه؛ موت طبيعي صار استثناء، والموت قتلاً وتقطيعاً وتمثيلاً بالجسد والروح صار لغة يومية. الدم أصبح أساسًا، والنجاة استثناء للبعض، وبأي اتجاهٍ تلتفت تجد مجرماً يتربص بك.
في هذا الواقع المرعب، يظل السؤال الأكبر: هل يستطيع المجتمع أن يستعيد إنسانيته بعد كل هذا الفقدان للضمير والرحمة؟ وهل يمكن للعدالة أن تنتصر على الخوف والقسوة؟ رغم الظلام الذي يحيط بالأبرياء، يبقى الأمل في الوعي الفردي، وفي مقاومة الخوف والخذلان، وفي تعزيز العدالة والرحمة. الوطن لا يُبنى إلا على أساس من الإنسانية والعدل، لا على مذابح القسوة والدم اليومي.