وهذه مفردة أخرى قد يختص بها وفي استعمالها العراقيون فقط، وهي تعني الضيف المتخفف، والذي لن يثقل على مضيفه بأكثر من ليلة واحدة وقد تعني أيضا ضيف الليل، ولا أميل لكونها بدوية الأصل والاستعمال فتخص زائر الليل وهو يقتحم مضيفا في صحراء من صحارى العرب.
كما أني أرى نسبها وشيوع استعمالها قد كان يقتصر على أهل بغداد قبل اختلاطها باللهجات والوافدين من بقية أنحاء الوطن، حتى حولها البغداديون إلى الضيف المرغوب به والمعلن عن زيارته.
بين يدي كتاب أقرؤه حديث الصدور عنوانه (لسان العراق…قوالب اللغة العراقية المحكية) مؤلفه مهندس عراقي مندائي (صابئي) واسمه فهيم عيسى السليم مولود في مدينة العمارة عام 1946 وشغل وظائف عدة بعد تخرجه من كلية الهندسة في بغداد قسم الهندسة المدنية حتى هجرته إلى نيوزيلندا حيث يقيم الآن ويعمل.
ويرى الأستاذ فهيم بأن اللغة العراقية المحكية هي مزيج وخليط لغات الأقوام والحضارات التي سادت وبادت في عراق ما بين الرافدين بل ويعتقد (بأن العراقيين ما يزالون يفكرون بلغاتهم الأصلية مثل السومرية والأكدية والآرامية والسريانية والمندائية) سأعود للكتاب لاحقا، لكني وأنا أقرأ الكتاب وفكرت بـ (خطار) وبحثت فيه فلم أجد ضالتي للأسف
(خطار) مفردة مهذبة وسهلة الاستعمال ولا تخلو من جذورها في الفصحى، خطر، خاطر، ولا أدري فهل تتفقون معي كون ( خطار ) ينفرد باستعمالها العراقيون ولا أدري لماذا.
استخدمت( خطار) بكامل محمولها الأليف والمعبر في كثير من القصائد الشعبية وحتى الحسينية وتحولت بعضها إلى أغان وأهمها أغنيتان، الأولى( خطار اجانا العشك ) لحسين نعمة وهي من كلمات الشاعر عبد الكريم مكي وألحان فاروق هلال والثانية ( خطار عدنه الفرح) وهي من أغاني إلهام المدفعي وقد دفعها العام 1999، وكم دهشت عندما عرفت بأن مؤلفها وكاتب كلماتها هو الشاعر عزيز السماوي ( 1942 -2001) وقد كتبها السماوي عام 1965 عندما كان سجينا ويقال محكوما بالإعدام، غناها إلهام المدفعي بطريقته المعروفة ولم يأخذ الإذن من مؤلفها السماوي ربما لكونه سياسيا معارضا ولاجئا في لندن، ولم يسمع السماوي بها إلا بعد أن نالت شهرة في داخل العراق ولبنان وسوريا وغيرها، وكما قرأت فلقد توسط أحدهم بين المدفعي والشاعر الذي كان على ما يبدو مريضا ولا طاقة له بالسجال والنزاع.
كتاب (لسان العراق)، كتاب مهم ويشتغل على جوانب مهمة قد نحتاجها ما دمنا نحتاج (وحدتنا الوطنية)، وقد يكون مشروع قاموس اشتقاقي للمفردات والكلمات التائهة والتي نظنها بلا أصل وهي بأصول مثبتة ولا ينسى الكاتب الفهيم المرور بأجناس وأنواع الشعر (الشعبي) ومدارسه وأغراضه، ولقد استوقفني استعماله و تداخله بين (الحسجة) وهو الكلام المتعدد المعاني ومتشابه الألفاظ وبين (التقية) وهي أحد أساليب (نضال) أو معارضة الشيعة ضد الحاكمين الظالمين والقاتلين قبل أن يتحولوا للحكم غير العادل للأسف.
يضرب الأستاذ فهيم مثلا بقصيدة غير معروفة على نطاق واسع لمظفر النواب وهو يمزج بين الحسجة والتقية وهي قصيدة (فاركيت انته السفينة) بالكاف الفارسية أينما وردت، يقول الأستاذ فهيم بأن الظاهر في القصيدة هو مخاطبة حبيب أو شخص مفرد لكن الباطن هو مخاطبة الحزب الذي تركه النواب في مرحلة معينة، والحقيقة أن أغلب شعر النواب باللهجة الشعبية ينحو هذا المنحى ما يدعونا للتساؤل هل يستحق أي حزب مثل هذه المازوخية السياسية والجلد الوجداني.
تبدأ القصيدة..
(( فاركيت انته السفينة وآنه جايبلك بحر
خفت..ما يكفيك عشك الناس
كعديت الثلج من نومه الثجيل
ما بجيتك
آنه بجتني السفينة…مابجيتكمدري منهو ابصدري يبجي
مدري منهو يشكك ابكلبي…كواغد
…آنه مليت السفينة
وسيستهه اشراع اسبك من الريح
ما بجيتك
آنه جايبلك من دموعي بحر..))
لا أدري لماذا لم يغن أحد هذه السفينة وهذا الحب المازوخي، ولا أدري لماذا لا يحاول أحد أن يلحن ويغني من جديد قصيدة عزيز السماوي ( خطار )..كم نحتاج الفرح أن يزورنا كخطار… مرة أخيرة…خطار