الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
النفط‭ ‬الصخري

بواسطة azzaman

النفط‭ ‬الصخري

محمد زكي ابراهيم

 

ربما‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الكثيرون‭ ‬أن‭ ‬النفط‭ ‬الصخري‭ ‬مادة‭ ‬عضوية‭ ‬متحجرة‭ ‬اسمها‭ “‬الكيروجين‭”‬،‭ ‬تُستخرج‭ ‬من‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭ ‬بعملية‭ ‬تشبه‭ ‬تعدين‭ ‬الحديد‭ ‬أو‭ ‬الفحم‭ ‬أو‭ ‬الفوسفات‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬بهذه‭ ‬الحال،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬مادة‭ ‬سائلة‭ ‬بعملية‭ ‬تسخين‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬درجات‭ ‬حرارية‭ ‬عالية،‭ ‬بتقنيات‭ ‬حديثة‭ ‬ومكلفة،‭ ‬تستهلك‭ ‬كميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬والطاقة‭.‬

وقد‭ ‬التفت‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬حينما‭ ‬قطع‭ ‬العرب‭ ‬إمدادات‭ ‬النفط‭ ‬عن‭ ‬الدول‭ ‬الداعمة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬فتوصّل‭ ‬العلماء‭ ‬حينها‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬البديل‭ ‬الذي‭ ‬يسد‭ ‬الحاجة‭ ‬وقت‭ ‬الأزمات‭.‬

والمفارقة‭ ‬أن‭ ‬عمليات‭ ‬استخراج‭ ‬هذه‭ ‬النفوط‭ ‬تتصاعد‭ ‬كلما‭ ‬ارتفعت‭ ‬أسعار‭ ‬الخام،‭ ‬وتتوقف‭ ‬بهبوطها،‭ ‬لأنها‭ ‬ستكون‭ ‬عندئذ‭ ‬غير‭ ‬اقتصادية‭. ‬ولا‭ ‬يميل‭ ‬أصحابها‭ ‬إلى‭ ‬استغلالها‭ ‬إلا‭ ‬وقت‭ ‬الشدة،‭ ‬أي‭ ‬حينما‭ ‬يصبح‭ ‬سعر‭ ‬البرميل‭ ‬الواحد‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينبغي‭.‬

ومعنى‭ ‬ذلك،‭ ‬وبوجود‭ ‬احتياطي‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الصخور،‭ ‬أن‭ ‬الأسعار‭ ‬لن‭ ‬ترتفع‭ ‬حتى‭ ‬تهبط‭ ‬ثانية‭ ‬إلى‭ ‬الحضيض‭! ‬وأن‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬لا‭ ‬يصب‭ ‬دائماً‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬الدول‭ ‬المصدرة‭ ‬له،‭ ‬فهناك‭ ‬عامل‭ ‬جديد‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬خفضها،‭ ‬وإعادتها‭ ‬إلى‭ ‬أقل‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬السابق‭.‬

وإن‭ ‬مناجم‭ ‬النفط‭ ‬الصخري‭ ‬لا‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬معينة‭ ‬ومتفرقة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأستراليا‭ ‬والصين‭ ‬وأميركا‭ ‬الجنوبية‭. ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬موجوداً‭ ‬لدينا‭ ‬نحن‭ ‬العرب،‭ ‬المصدّرين‭ ‬للنفط،‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬ندري‭. ‬وهناك‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬خصوصاً،‭ ‬يوجد‭ ‬زيت‭ ‬صخري‭ ‬متناثر‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬استخلاصه‭ ‬إلى‭ ‬عناء‭ ‬كثير،‭ ‬لأنه‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬صخور‭ ‬مشبعة‭ ‬بالزيت‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭.‬

وإن‭ ‬اكتشاف‭ ‬الكيروجين،‭ ‬الذي‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬مشاكل‭ ‬للدول‭ ‬المصدرة‭ ‬للنفط،‭ ‬وأطاح‭ ‬بأحلام‭ ‬البعض‭ ‬منها،‭ ‬له‭ ‬دلالات‭ ‬كثيرة‭ ‬يجب‭ ‬ألّا‭ ‬تغيب‭ ‬عن‭ ‬البال‭. ‬وأولها‭ ‬أن‭ ‬الطمع‭ ‬قبيح‭ ‬ومضر،‭ ‬وعلى‭ ‬الدول‭ ‬أن‭ ‬تقنع‭ ‬بالقليل،‭ ‬ولا‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬رفع‭ ‬أسعار‭ ‬ثرواتها‭ ‬الكامنة‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬المعقول‭.‬

وثانيها‭ ‬أن‭ ‬الفقر‭ ‬ليس‭ ‬عيباً‭ ‬دائماً،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬قلة‭ ‬الدخل‭ ‬لها‭ ‬فوائدها‭ ‬أيضاً،‭ ‬فهي‭ ‬تدفع‭ ‬أصحابها‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬بدائل‭ ‬محتملة،‭ ‬ولا‭ ‬يُكلّف‭ ‬الأغنياء‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬لأن‭ ‬لديهم‭ ‬عن‭ “‬وجع‭ ‬الدماغ‭” ‬شغلاً‭!‬

وثالث‭ ‬هذه‭ ‬الدلالات‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬أناساً‭ ‬لا‭ ‬يروق‭ ‬لهم‭ ‬تمتع‭ ‬غيرهم‭ ‬بالثروة،‭ ‬فيحفرون‭ ‬تحتهم‭ ‬في‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭ ‬لاستخراج‭ ‬أشياء‭ ‬تُنزلهم‭ ‬من‭ ‬شاهق‭! ‬وهؤلاء‭ ‬هم‭ ‬وراء‭ ‬ما‭ ‬نعانيه‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المصدّرة‭ ‬للنفط‭ ‬من‭ ‬وساوس‭ ‬شيطانية،‭ ‬تدفع‭ ‬بنا‭ ‬أحياناً‭ ‬إلى‭ ‬الحرب،‭ ‬وأحياناً‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬الاستسلام‭ ‬أو‭ ‬الانتحار‭!‬

ورابعها‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬النفط‭ ‬سينفد‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬خطأ‭ ‬كبير،‭ ‬فهناك‭ ‬بدائل‭ ‬لا‭ ‬تخطر‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬بال،‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬استنزاف‭ ‬الثروة‭ ‬السائلة،‭ ‬والاقتصاد‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬الحدود‭.‬

أما‭ ‬الدلالة‭ ‬الخامسة،‭ ‬فهي‭ ‬أن‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬مورد‭ ‬وحيد‭ ‬للدولة‭ ‬سيؤدي‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬إلى‭ ‬أزمات‭ ‬عصية‭ ‬على‭ ‬الحل،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬المورد‭ ‬سائلاً‭ ‬ثميناً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنه‭ ‬مثل‭ ‬النفط،‭ ‬فهو‭ ‬عصب‭ ‬الحياة،‭ ‬ومصدر‭ ‬الطاقة،‭ ‬وصانع‭ ‬النهضة،‭ ‬ومحرك‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬كثير،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬ملوِّث‭ ‬للبيئة‭ ‬–‭ ‬وخصوصاً‭ ‬الصخري‭ ‬منه‭ ‬–‭ ‬ومسبب‭ ‬للنزاعات‭ ‬والحروب،‭ ‬والاستغناء‭ ‬عنه،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬حصل،‭ ‬سيكون‭ ‬أفضل‭ ‬هدية‭ ‬يقدمها‭ ‬العلم‭ ‬للبشرية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان‭.‬

لكن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬وليست‭ ‬هناك‭ ‬بوادر‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬النهاية‭ ‬المرتقبة‭ ‬له‭.‬

ومثلما‭ ‬وجد‭ ‬الآخرون‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬صخور‭ ‬مطمورة‭ ‬تحت‭ ‬الأرض،‭ ‬أو‭ ‬مسترخية‭ ‬على‭ ‬سفوح‭ ‬الجبال،‭ ‬فإن‭ ‬احتمالات‭ ‬أن‭ ‬نعثر‭ ‬نحن‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬الجاهز‭ ‬الرخيص‭ ‬تتجدد‭ ‬كل‭ ‬يوم‭.‬


مشاهدات 52
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2025/08/22 - 10:02 PM
آخر تحديث 2025/08/23 - 1:15 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 47 الشهر 16139 الكلي 11411225
الوقت الآن
السبت 2025/8/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير