التزام المقاول بمعاينة موقع العمل قبل التعاقد
احمد طلال عبد الحميد البدري
ذهب جانب من الفقه الى اعتبار العقود الادارية من عقود الاذعان ، كون المتقدم للتعاقد مع الادارة لاخيار له ، اما يقبل بشروط الادارة او ينسحب من التعاقد ، فالادارة ومن خلال جهة التعاقد لديها تحدد متطلبات وشروط العقد مسبقاً وتعلن عن الفرصة التعاقدية باحد وسائل التعاقد المنصوص عليها في تعليمات تنفيذ العقود الحكومية رقم (2) لسنة 2014 المعدلة كالمناقصة العامة والمناقصة المحدودة والمناقصة على مرحلتين والدعوة المباشرة وغيرها من الوسائل ، وهذه الشروط المسبقة تعرف بدفاتر الشرط في فرنسا ، وحالياً في العراق اعتمدت وزارة التخطيط وثائق قياسية تبعا لكل صنف من اصناف العقود التي تروم الادارة ابرامها ، وهذه الوثائق معدة مسبقاً تتضمن كافة شروط وضمانات الادارة بما في ذلك صيغه العقد ، وعلى المتقدم للتعاقد مع الادارة الخضوع لهذه الالية والشروط ، في حين ذهب القضاء العراقي الى الى تفسير الاعلان عن المناقصة بكونها دعوة للتعاقد ، وان تقديم العطاء من قبل المقاول يعد ايجاباً وان ارساء المناقصة على المتعاقد يعد قبولاً ينعقد به العقد ، وهذا التفسير مصدره القضاء العادي في العراق الذي يعتنق نظرية الايجاب والقبول لانعقاد العقد ، ذلك كون العقود الادارية (العقود الحكومية ) لازالت خارج ولاية القضاء الاداري ، فهي ضمن ولاية القضاء العادي الذي طبق على العلاقات التعاقدية بما فيها التعاقدات المبرمة بين الادارة وبين الاشخاص الطبيعية والمعنوية الخاصة نظريات القانون الخاص ، وانمازت معظم تفسيراته في اطار القانون المدني واستبعد نظريات القانون العام ، ومن ضمن الشروط المسبقة التزام المقاول بمعاينة موقع العمل قبل الاشتراك بالمناقصة العامة وتقديم عطاءه ، حيث الزمت الفقرة (ثانياً) من الضوابط رقم (2) الملحقه بالتعليمات بقيام جهة التعاقد بادراج وصف دقيق وموجز وواضح للمشروع او العقد المطلوب تنفيذه مع بيان الخدمات والسلع المطلوبة ، كما نصت المادة (2/اولاً/ز/ح) من التعليمات على الزام جهة التعاقد قبل اعداد وثائق المناقصة بازالة المشاكل القانونية والمادية ان وجدت في موقع العمل وان يكون الموقع جاهزاً للمباشرة بتنفيذ الاعمال مع اتخاذ ايه اجراءات اخرى تتطلبها طبيعة العمل والعقد المطلوب تنفيذه ، كما تضمنت الفقرة (9) من (تعليمات الى مقدمي العطاءات ) الملحقة بالشروط العامة لمقاولات اعمال الهندسة المدنية بقسميها الاول والثاني لسن 1987 المعدلة الزام مقدمي العطاءات قبل تقديم عطائتهم ان يجروا بانفسهم التحريات عن طبيعه العمل والظروف المحيطه به ، وعليهم بصفة عامة الحصول على المعلومات عن جميع الامور التي يمكن بصورة او اخرى ان تؤثر على التزامات مقدم العطاء الذي ترسو عليه وان اي اهمال او تاخير او عجز من جانب المقاول في الحصول على هذه المعلومات لايعفيه من المخاطر او الالتزامات او مسؤولية اكمال الاعمال ضمن المدة المحددة وبالاسعار المدونه بالعطاء ، كما تضمنت استمارة تقديم العطاءات تعهد مقدم العطاء بزيارته لموقع العمل وحصوله على المعلومات الضرورية مع دراسته بامعان التعليمات الموجهة لمقدمي العطاءات وجميع مستندات المناقصة الاخرى ، كما الزم دليل تنفيذ العقود الحكومية / الجزء الاول ، جهة التعاقد بتضمين اعلان المناقصة اكبر قدر ممكن من الايضاحات حول عملية التعاقد العامة المنوي طرحها ونشر الاعلان باللغتين العربية والكردية على الأقل، اضافة الى لغة اخرى عند الحاجة ولا سيما عند توقع تقديم العطاءات عن طريق كيانات او افراد من خارج جمهورية العراق ، مع تقديم المعلومات الوافية مثل البنود والشروط وجدول التسليم ، وإظهار جميع العوامل التي تمكن مقدمي العطاءات من تقدير الثمن ، وإعطاء مقدمي العطاءات الوقت الكافي للرد ، مع ضرورة منح مقدمي العطاءات فرصة طلب اية ايضاحات بشأن المناقصة وتحديد مدة الرد عليها ، وتحديد الموعد النهائي لتقديم الطلبات ، كما تضمنت الوثائق القياسية لمختلف العقود المنشورة على الموقع الالكتروني لوزارة التخطيط / دائرة العقود الحكومية العامة نماذج جاهزة للعقود ومحتوياتها وتفاصليها الدقيقه وبضمنها وجوب قيام مقدم العطاء بزيارة موقع تنفيذ العمل وعلى مسؤوليته ونفقته الخاصة ليطلع على الموقع وما يتصل به من معلومات ضرورية لتقديم عطاءه ، وعلى صاحب العمل تسهيل الوصول والدخول للموقع ، ومن كل ماتقدم من نصوص يتضح ان ان علم المقاول بالتزام معاينه موقع العمل هو علم يقيني ومفترض وكما يأتي :
1. الاطلاع الحقيقي ( اليقيني) : ويقوم على اساس وجود التزام قانوني يقع على عاتق المتقدم للتعاقد مع الادارة بضرورة زيارة موقع العمل والاطلاع عليه قبل تقديم عطاءه وبالمقابل تلتزم الادارة بتسهيل وصوله وضمان اطلاعه على موقع العمل بعد ازالة كافة المعوقات القانونية والمادية من موقع العمل ، والمقصود بالمعوقات المادية وجود انقاض او او ابنية مهجورة او مهدمة تعيق البدء بالتنفيذ ، او وجود تجاوز على الارض من السكان المدنيين بالبناء او نصب مولدات توليد الطاقه الكهربائي الاهلية ، اما المعوقات القانونية فهي تتعلق بملكية رب العمل لموقع المشروع وعدم وجود نزاع قانوني حول ملكية او عائدية موقع المشروع لرب العمل وهذه الاشكالات اوجب القانون حلها قبل الاعلان عن المناقصة اصلاً واعداد وثائقها ، وبخلاف ذلك تكون الادارة قد خرقت هذه التعليمات ويكون مقدم العطاء الذي يقدم عطاءه على موقع عمل في اشكاليات مادية وقانونية ملزم بتنفيذ التزامه الوارد بالعقد ولايعفيه ذلك من التزامه التعاقدي ولايكون عذراً لعدم المباشرة في العمل او ايقاف العمل وطلب ازالة الشواغل التي تعيق العمل في الموقع لان علمه بموقع المشروع واطلاعة عليه والتحري عن المعلومات الضرورية متحقق فعلياً بموجب الالزام القانوني ، وهذا ما ذهبت اليه محكمة التمييز الاتحادية بموجب قرارها بالعدد (1213/الهيئة الاستئنافية / منقول/ 2018) في 16/4/2019 والذي جاء في حيثياته ( ... ان العقود الحكومية تبرم وفقاً للاوضاع القانونية المحددة في الشروط العامة للمقاولات ، والتي توجب على المقاول وقبل اقدامه على التعاقد زيارة موقع العمل والتحقق من وجود عوارض او معوقات وان تكون لديه المعلومات الكافية عن ذلك ، وان الادعاء بوجود تجاوزات من قبل المواطنين على موقع العمل لايشكل سبباً لانهاء العقد طالما ان المدعي كان على علم بها قبل التعاقد معه ، وبذلك تكون دعواه بطلب انهاء العقد والتعويض عن ذلك فاقده لسندها القانوني...) .
2. الاطلاع المفترض بحكم القانون : ان اطلاع المقاول الذي تعاقد مع الادارة على موقع العمل وتحري المعلومات الضرورية عن الموقع امر مفترض بموجب المادة (11) من الشروط العامة لمقاولات اعمال الهندسة المدنية متى ماتم النص في العقد الاداري على ان اعتبار هذه الشروط جزء لايتجزا من العقد ، حيث نصت المادة المذكورة على ان ( يعتبر ان المقاول قد قام قبل تقديمه عطائه بكشف وتحري الموقع وانه قد اقتنع بنفسه بحالة وطبيعه الموقع وما يحيط به وسبل الوصول اليه ووسائل المعيشه التي قد يحتاج اليها وكميات وطبيعه العمل والمواد اللازمة لتنفيذ الاعمال ، وانه قد حصل على جميع المعلومات الضرورية الخاصة بالمخاطروالتحوطات والظروف الاخرى التي تؤثر او تمس عطاءه ) ، بموجب هذا النص النص فان المقاول (يعتبر) مطلعاً على موقع العمل وظروفه وانه اقتنع قبل تقديم عطاءه ، وان اي تجاهل او عجز او تماهل او تاخير في زيارة الموقع لايعفي المقاول من التزامه وفقاً لما جاء في عطاءه الفني والتجاري الذ تم الاستناد اليه لارساء المناقصة عليه والتعاقد ، وهذا ماذهبت اليه محكمة التمييز الاتحادية في قرارها بالعدد (2704/الهيئة الاستئنافية منقول /2018) في 8/10/2018 والذي جاء فيه ( ...ليس للمقاول التذرع بوجود عوارض في موقع العمل لانه وعند تقديم عطاءه كان عليه معاينه موقع العمل بدقه والتحقق من وجود العوارض والاخذ بنظر الاعتبارعند تقديم العطاء من حيث القبول والمدة والمبلغ ، ولا يحق له الاحتجاج بعد ذلك بوجود العوارض استناداً لاحكام المادة (11) من الشروط العامة لمقاولات اعمال الهندسة المدنية والتي تعتبر جزء من العقد المبرم بين الطرفين ...) .
3. وفقاً لما تقدم يجب على المقاول الاطلاع ومعاينة موقع العمل وظروفه وتحري وجود العوائق والعوارض المادية في الموقع التي من شأنها ان تعيق المباشرة بالعمل او تسبب التوقف بالعمل في مرحلة لاحقه ، وفي حال اهماله هذا الالتزام فان علمه يعد مفترضاً بموجب المادة (11) من الشروط العامة اذا مانص العقد على اعتبارها جزءاً لايتجزء من العقد ...واللهلموفق .