حزب القنفة وحزب الأنفة متى تحين الآزفة ؟
منقذ داغر
متى تحتلنا أمريكا؟ متى يعيدون احتلالنا؟ متى يطيحون بهذه الطبقة الحاكمة؟ هذه أسئلة تقليدية بات يعاد طرحها وتكرارها باستمرار في الاعلام وعلى مواقع التواصل من قبل العراقيين!! لا بل أن بعض «وجوه» الاعلام و»المؤثرين» كثيراً ما طرحوا سيناريوهات تتضمن توقيتات وأماكن نزول قوات أمريكية في المنطقة الخضراء في مشهد يحاكي سقوط النظام السابق في عام 2003. والغريب ان كثير من العراقيين كانوا يصدقون هذه السيناريوهات الهولييودية بل ويؤمنون بها ويروجونها حتى بتنا نعتقد اننا لا نفهم شيء بالسياسة وان أولئك «المؤثرين» يجلسون في مركز القيادة العسكرية الوطني National Military Command Center (NMCC) مع ترامب وقادته في البيت الأبيض ويستقون معلوماتهم وخططهم «الفضائية» من هناك!!
كنت قبل يومين أقرأ مقالاً في النيويورك تايمز للكاتب الأمريكي “اليهودي» المعروف توماس فريدمان عن زيارته الأخيرة لإسرائيل. يتنبأ فريدمان بنهاية الديموقراطية في إسرائيل مما يعرضها لخطر وجودي حقيقي. يقول فريدمان انه سمع من أكثر من إسرائيلي نفس السؤال الذي يعبر عن بدايات سقوط الدول: هل يستطيع ترامب انقاذنا؟». فبسبب رعونة نتنياهو وتغول اليمين المتطرف هناك بات الإسرائيليون -بغالبيتهم- يعتقدون ان دولتهم قد تم اختطافها وانهم غير قادرين على استعادتها ولا تغيير ما يحصل فيها الا إذا استعانوا بقوة تغيير (خارجي) أعظم. وبغض النظر عن رأيي بالدولة الإسرائيلية التي بنيت على فكرة دينية متطرفة،الا ان ما يحصل هناك هو شبيه بما حذر منه افلاطون في جمهوريته، وارسطو في الاخلاق والسياسة، و ويل ديورانت في قصة الحضارة وسواهم من المفكرين والفلاسفة الذين اكدوا ان الدول والامبراطوريات تسقط عندما يفقد الناس الثقة في نزاهة قادتهم. وحين يمتلك هؤلاء القادة كل أدوات القمع التي لا تسمح للمواطن بإحداث تغيير حقيقي في من يقودوه -من الداخل- فأنه بلا شك سيتطلع للخارج لإحداث ذلك التغيير حتى وأن أدى ذلك لاحتلال بلده كما حصل في العراق في 2003 عندما اعتقد كثيرون ان بوش وجيوشه ستخلصهم من الظلم والظلام الذي كانوا غير قادرين على تغييره.
إستحالة سيناريو
تاريخياً تتغير أنظمة الحكم بواحدة من أربع طرق: الأحتلال،والأنقلابات العسكرية،والثورات الشعبية،وصناديق الأنتخاب. ولقد جربنا في العراق كل تلك الطرق ولم نجد للأسف ضالتنا للآن. فلا الإنقلابات رحمتنا، ولا الإحتلالات أجارتنا، ولا الانتخابات انقذتنا وحتى الثورات ما «أنصفتنا». فما الطريق للتغيير ياترى؟! أن التحليل الموضوعي للواقع الذي يعيشه العراقيون يدلل على استبعاد سيناريو الاحتلال، وإستحالة سيناريو الإنقلاب، وصعوبة سيناريو الثورة الشعبية، وإحتمال سيناريو التغيير (الجزئي) عبر صندوق الانتخابات. وعلى الرغم من ان ظروف الثورة الشعبية هي أكثر نضجاً من ظروف التغيير عبر الانتخابات الا ان عواقب الثورة الشعبية في ظل الظروف الحالية غير مأمونة وقد تؤدي الى فوضى غير مسيطر عليها. لذلك فأن استبعاد إسقاط السيناريوهات الثلاث الأولى لا يترك لنا بديلاً سوى صندوق الانتخابات. ولأني خبير في الرأي العام العراقي فأني أعي تماماً أسباب عدم ثقة معظم العراقيين (أكثر من 60 بالمئة منهم) وأنا منهم بإمكانية التغيير من خلال صندوق الانتخاب. مع ذلك فلا خيار مأمون آخر متاح أمامنا حالياً للتغيير. فهل نكتفي بالبكاء على اللبن المسكوب أم نعمل بحكمة «ما لا يُدرك كله لا يُترك جلّه»؟ كشخص عاش كل الانتخابات السابقة منذ 2005،وقام بتحليل أرقامها والوقوف على فجواتها وخروقاتها وهناتها، أقول ان التغيير-الجزئي- ممكن إذا زادت نسبة حزب الأنفة وقلة نسبة حزب القنفة. فمن يأنف من الكسل ويؤمن بالعمل فهؤلاء هم الأنفة الذي يتعالون على صيحات المقاطعة رغم علمهم بمنطقيتها. لكنهم لا يرون بديلاً سوى التغيير بالذهاب لصندوق الأنتخاب وليس بالجلوس على قنفات الغياب والخراب. أن المتتبع للانتخابات العراقية يلاحظ ظاهرة معروفة عالمياً. فكلما زادت نسبة المشاركة كلما قلت نسبة التشكيك في نتائجها. طبقاً لذلك فعلى الرغم من ظهور شكاوى جدية في انتخابات 2005،و 2010 التي شهدت نسب مشاركة عالية الا انها لا تقارن بالشكاوى التي ظهرت في آخر عمليتي انتخاب (2018،2021) واللتان شهدتا نسبة اقبال ضعيفة الى ضعيفة جداً. الخلاصة،فأن زيادة نسبة المشاركة في الانتخابات لا تؤدي فقط الى إحداث تغيير حتى ولو جزئي، لكنها تجنب العراق سيناريوهات تغيير كارثية قد يتعرض لها. كما أن مقاطعة الانتخابات لن تؤدي فقط الى عدم التأثير على شرعية النظام، ولا الى زيادة نسب التزوير بل قبل ذلك واهم من ذلك فأنها ستزيد من مخاطر سيناريوهات التغيير الأخرى.