الموظف والنزاهة
وليد خليفة هداوي الخولاني
الموظف هو: «كل شخص عهدت اليه وظيفة دائمة داخلة في الملاك الخاص بالموظفين»(قانون الخدمة المدنية،1960)، ويمارس الموظفون واجباتهم في تمشية أمور البلاد والعباد، ولابد من توفر مجموعة صفات في الموظف وفي مقدمتها النزاهة والأمانة والاستقامة والحياد ونبذ المحسوبية والطائفية والفساد بكافة انواعه والولاء والإخلاص للوطن. ويتقاضى كل موظف راتبا بموجب القانون يتناسب و درجته الوظيفية وتحصيله العلمي ومدة خدمته. ويوجد في العراق قرابة (4،5) مليون موظف (حنتوش، مصطفى أكرم ،2022).
ليس جميع الموظفين يكتفون براتبهم وهو الرزق الحلال الذي يستلمونه مقابل ما يقدمونه من واجبات وخدمات، فهنالك بعض الموظفين يشذون عن طريق الاستقامة والنزاهة، بما فيهم موظفين كبار.
وفي التقرير السنوي لعام 2023 الصادر عن هيئة النزاهة تبلغ عدد القضايا الجزائية لعام 2023(18893) قضية فساد اداري، إضافة ل (8277) قضية مدورة من العام السابق. كان منهم (55) متهم وزير ومن هم بدرجته، و(350) متهم من ذوي الدرجات الخاصة والمدراء العامون ومن بدرجتهم. و(13679) دون ذلك.
عفة ونزاهة
وتلك المؤشرات تعتبر مؤشرات خطيرة، خاصة الحقل الخاص بالوزراء والمدراء العامون ومن هم بدرجتهم، إذ ان هذه الشريحة لا ينقصها المال قدرما تنقصها العفة والنزاهة والشرف الوظيفي والأخلاقي.
عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي قال: « لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم؟ « رواه الترمذي وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله :(ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال؟ أمن حلال أمن من حرام؟).
اثناء مناقشة مع بعض الموظفين عن ظروف العمل في الدوائر هذه الأيام، قال أحدهم: ان موظفي الدولة اليوم يمكن تقسيمهم الى ثلاث فئات، الفئة الأولى: الموظفون النزيهون الذين يكتفون براتبهم ويقتنعون به، ويعتبرونه كسبا حلالا يغتنون به عن المال الحرام. وفئة ثانية: يحرّمون المال الحرام ولا تمتد أيديهم اليه، لكنهم يمكن ان يسرقوا للغير أي لمن هو اعلى منهم رتبة ومنصبا. ضنا منهم انهم ليسوا سراق ومن اجل بقاؤهم في منصبهم، اما الفئة الثالثة فهم فئة المرتشين وسراق المال العام، وهم الذين يفاوضون المراجعين على اخذ الرشاوى مقابل تمشية معاملاتهم او ممن يأخذون الكومشنات من العقود او ممن يفرضوا لهم حصة في كل صرفيات من صرفيات الدوائر كالنثريات او الترميمات أو المقاولات او غير ذلك.
وبعضهم يقبل بالهداية او يطالب بها من المراجعين ضنا منهم ان الهدية ليست رشوة، وفي واقع الحال فان الهدية بمثابة الرشوة ونستشهد بحديث الرسول محمد(ص) حين بعث رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فقال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، فقام النبي صلى الله عليه وسلم: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي إليّ؟. ألا جلس في بيت أبيه فينظر أيهدى إليه أم لا!! والذي نفس محمد بيده، لا نبعث أحداً منكم فيأخذ شيئاً إلا جاء يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، فرفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه فقال: اللهم هل بلغت ثلاثاً».
وتعتبر هذه المقالة الثانية عن المال الحرام، لان ما يدعو لنشرها انتشار ظاهرة الرشوة والفساد بين الكثير من العاملين في الدولة، والمصيبة ان الكثير من اللصوص والمرتشين لا يمدوا أيديهم الى المال العام بسبب الجوع او الفاقة انما بسبب الجشع والطمع ولا تكفيهم الملايين او المليارات. مثال ذلك ما حصل في سرقة القرن (الامانات الضريبية) البالغة 3 تريليونات و800 مليار و57 مليون دينار عام 2022. أضف لذلك مؤشرات تقرير هيئة النزاهة عن شرائح المتهمين في قضايا الفساد.ويبدو على الكثير (ممن يعتاشون على الراتب فقط) عندما تسند لهم مهام وظيفية فيها ولاية على أموال الناس او البلاد او مصالحهم، تتغير احوالهم بعد فترة من الزمن.
فيملكون القصور والفلل وبأرقى الأماكن. ولا يكتفي بعظهم بشراء دار واحدة له وانما يشتري دورا عديدة لزوجته وابناءه وعشيقاته وغير ذلك.
مرالخليفة عمر بن الخطاب(رض) يومًا ببناء يبنى بحجارة وجص فقال: لمن هذا؟ فذكروا عاملاً له على البحرين، فقال:» أبت الدراهم إلا أن تخرج أعناقها»، وشاطره ماله. لكن اليوم كم من الدنانير تخرج اعناقها ورؤوسها لعنان السماء كل يوم.
ان الأمان من العقاب، وتراكم عائدات السرقة جعلت من العناصر المرتشية والفاسدة تحارب العناصر النزيهة في محاولة ازاحتها عن طريقها وأخلاء الساحة لها. وتكمن خطورة تلك العناصر في الاسناد والدعم الذي تلقاه من عناصر فاسدة تتولى الإدارة في بعض الدوائر.
وفي الوقت الذي يفترض ان يجد الموظف النزيه الدعم والاسناد ويرشح كقدوة في موقعه يجد نفسه محاربا، وأحيان يكون محاربا ومهددا من قبل رئيس الدائرة شخصيا بسبب مواقفه النزيهة ومحاربته للفساد، وكما يقول الرسول محمد ﷺ»: يأتي زمان على أمتي القابض على دينه كالقابض على جمرة من النار».
الخلاصة: يترتب على الموظف القيام بالواجبات والخدمات العامة لخدمة المصلحة العامة وتمشية امورالمواطنين، في أجواء من الشفافية والنزاهة، ويبدو من خلال الإحصاءات المنشورة من قبل هيئة النزاهة وما يتداول عن طريق الاعلام ووسائل التواصل الجماهيري تصاعد جرائم الفساد الإداري وانحراف الالاف الموظفين باتجاهها، وعلى وجه الخصوص جرائم الطبقة العليا في الهرم الوظيفي. ان ذلك يدعو للوقوف على هذه الظاهرة ودراستها ووضع الحلول الناجعة لمعالجتها والتثقيف لتجنبها.
الدباغ، احمد/ العراق الأعلى عالميا في عدد موظفي القطاع العام/ https://www.aljazeera.net/ebusiness/2022/11/23
جمهورية العراق /هيئة النزاهة الاتحادية /التقرير السنوي لعام 2023.