الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كنبيٍّ أنا

بواسطة azzaman

كنبيٍّ أنا

حنان الأمين

 

كنبيٍّ أنا

حملني الله ثلاث رسالات

فمشيت طريقا لا رجعة منه

بين رجم الحياة وظروفٍ أثقلت كاهلي لم أستسلم

لأنني أولا آمنت به

وثانيا أحببت تلك الرسالات

لم يُلقِ اللهُ في حجري ألواحًا،

بل وضع ثلاثة قلوبٍ حيّة

ترتعش بين ضلوعي كأسرار لم يُؤذَن لي بنشرها،

وقال لي: كوني وعاءَ النور،

وملاذَ الخوف،

وسقفَ السماواتِ حين تضيق الأرض.

كـنبيٍّ أنا

حملتُ ثلاث رسالات،

لا تُقرأ بالحبر،

بل تُتلى على مهلٍ حين ينام العالم

وأسهر  أنا.

 

الرسالة الأولى:

ولدٌ تربّت في عينيه حكاياتُ الأنبياء،

كان يسألني عن العدلِ أكثر مما يسأل عن الحلوى،

ويراقب الوجوه كما لو أنه يقرأها،

كأن في قلبه شريعةٌ تُصوّب الأشياء

قبل أن تميل.

جاءني وفي عينيه أسئلةُ الأرض،

وفي صوتهِ غابةُ رجاء،

كلما رأيتُه يمشي إلى الحياة،

شعرتُ أن قلبي خُلق ليكون درعًا لا يُرى،

وصلاةً تمشي على قدميه.

 

الرسالة الثانية:

ولدٌ يشبه المطر في موسم القحط،

هادئ الملامح،

لكنّه يحمل في صدره بركانًا من النجاة.

يشبهني حين أتظاهر بالقوة

وأنا أرتّق جراحي بخيط من الدعاء.

هو ابني الذي ولد من ضلع صبري،

ومن نَفَسي الطويل الذي لم يخنّي

رغم كل ما خنقني.

الرسالة الثالثة:

بنتٌ ولدت من نسغ قلبي،

كلما ضحكت، انفرج في صدري بابٌ نحو الجنة،

وكلما بكت، تفتتت المدينة في صدري حجارةً.

علمتني أن أكون ظلًّا ناعمًا في عزّ القيظ،

وأملًا ينمو في شقوق التعب.

ابنتي تشبه ما لم يُكتب،

تشبه الحُلم الذي نرجوه دون أن نبوح به،

تشبهني في الضعف،

وتفوقني في النجاة.

 

 

هي ليست مجرّد ابنتي،

بل آيةٌ كتبتها السماء بخط النسيم.

كانت آخر الرسائل،

لكنها أوفى من حمل الوصايا

واليوم…

أتممت إحدى رسالاتي

زُفّ ابني البكر،

ذاك الذي خبأتُه في دعائي كما تُخفى الأماني في صدر صلاة،

ذاك الذي كنتُ أراقب خطواته كأنها آيات تُرتّل في طريقها إلى المعنى،

اليوم صار رجلاً يُؤتمن على قلبٍ غير قلبي،

وصار له بيتٌ غير حضني،

ومساءٌ لا ينتظر عودته إليّ.

قطعة من روحي طارت،

وجلست على كتف امرأةٍ أخرى،

تكمل من حيث انتهيت

 

أتممتُ الرسالة،

لا لأنني انتهيت،

بل لأنني زرعتُ فيه ما يكفيه ليكمل دوني،

وسلّمته مفاتيح الرجولة التي صيّرتها من وجعي،

ومن ليلي، ومن سهرٍ لا يشهده أحد.

هم كتبي الثلاث،

إن ضاع اسمي من الدنيا،

سيبقون هم المعجزة.


مشاهدات 457
الكاتب حنان الأمين
أضيف 2025/05/31 - 2:36 PM
آخر تحديث 2025/06/02 - 12:03 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 665 الشهر 1970 الكلي 11136624
الوقت الآن
الإثنين 2025/6/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير