أنا من العراق
عبد العزيز حسون
سألوني: من أين أنت؟ أجبت: من العراق…
قالوا: من أين؟ قلتُ: من العراق. نعم… نعم… أمنَ الشمال أم الجنوب؟ أجبتُ: من العراق.. العراق!!ماذا جرى؟ ماذا يجري؟ فجأةً يطلبُ مني الجميع أن أُحدّدَ هويتي!! هويتي هي العراق… لا يكفي، يجب أن تُحدّد.. من الشمال أم الجنوب؟؟.
حسناً، وماذا أفعلُ بدمي الذي يجمعُ في خلاياه مياه دجلة والفرات من عيون حاج عمران وشقلاوة إلى مياه شط العرب؟ في كياني ذرات من قمح نينوى مع جزيئاتٍ من رزِّ المشخاب وتمر البصرة؟ لم أسأل نفسي يوماً أيُّهما أفضل الحبّية والبرغل أم تمن العنبر…ياللأهمال واللامبالاة!! قد يستوجب هذا الأعتذار.. ليس هذا فقط.. ماذا أفعلُ بذكرياتي التي تمتد لثمانية عقود هي سنوات عمري في العراق؟واليوم هل تريد أن تخرج وتتسلى بحياة هادئة؟ هل تريد أن تقود سيارتك في الشوارع من دون أن تقف سيارة سائقها غليظ يزجرك بعينه ويتمنى أن يفعل بك شيئاً؟؟ هل تريد أن تأكل سمك مسگوف عند أبي نؤاس؟ أم تريد أن تأكل من قدوري في الصباح؟ هل تريد أن تخرج متى أردت وفي أي وقت من دون خوف؟؟ولنعد إلى من يسألني عن العراق لأقول لقد سبحت في مياه دجلة والفرات ودوكان ودربندخان والحبانية والرزازة. عبرت الأنهر في قفة وفي مشحوف وعلى يخت يتهادى في نهر دجلة. لم أسأل القبطان لأي فئة ينتمي ولم يسألني هو من أين أنت؟ فكلنا من العراق..وأقولُ ماذا تريد الآن؟ هل تريد أن تذهب وتستلقي على شاطئ الحبانية؟ هل تريد أن تذهب إلى زاخو وشقلاوة؟ وحمام العليل؟ هل تريد أن تذهب لتزور العتبات المقدسة؟ هل تريد أن ترى الخليج من شواطئ البصرة؟ هل تريد أن تمتلىء المقاهي بصراخ من يلعب المحيبس في رمضان..؟ هل تريد أن ترى راهبة تخرج من الكنيسة دون أن تخاف؟ هل تريد أن ترى البسمة على وجه الجميع؟؟؟.عرفتُ جلال التاريخ حين أستثارت مُخيلتي قلعة أربيل وآثار نينوى والخضر والنمرود وبابل، ولم أسأل أيها بناه أجدادي.. فكلّها تاريخ العراق..تعالوا معي ندعو الله ونقول: اللّهم أجعل هذا البلد آمنا.. وأحمه وأهله وأبعد عنهم الشرّ والمخاطر.. يا قادر يا رحيم إنَّما تقول للشيء: كُن فيكون.