الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هدف في مرمى الخصم

بواسطة azzaman

هدف في مرمى الخصم

حسن النواب

 

سأرجئ كتابة الحلقة الثانية عن الأمير مظفر النواب إلى الأسبوع القادم؛ والسبب تفكيري الذي لا ينقطع في المباراتين المرتقبتين للمنتخب الوطني مع منتخب كوريا الجنوبية والثانية مع منتخب الأردن الشقيق، واللتين من خلالهما يتقرَّر مصير منتخبنا الوطني بالصعود إلى كأس العالم أو الذهاب إلى الملحق لا سمح الله. وربما لا يعرف القارئ العزيز أنَّ معظم الأدباء والفنانين والصحفيين من الشغوفين والمولعين بكرة القدم وكاتب هذا المقال أحدهم؛ ولا أدري كيف سأتابع المباراة الأولى لمنتخبنا مع كوريا الجنوبية وأنا أعاني من أمراض مزمنة عديدة وعمري تجاوز الرابعة والستين؛ لقد نصحتني زوجتي أم تبارك بالانشغال بعيداً عن المباراة التي من المؤكد ستحبس الأنفاس؛ حافظاً على حياتي من أزمة صحية مباغتة تأخذ بي إلى مقبرة الغرباء في مدينة بيرث، لكني بصراحة لا يمكن أن أكون بعيداً عن الشاشة حين تبتدئ المباراة، فالأعـــــمار بيد الله.

وما دمتُ أتحدث عن كرة القدم فقد تلقيتُ قبل أيام دعوة من أحد الأصدقاء لحضور مباراة بكرة القدم يشترك بها أحد أبنائه الذي يلعب بأحد الفرق الرياضية في مدينة بيرث الأسترالية، لما وصلنا إلى ساحة الملعب أطلقتُ حسرة طويلة حين  أبصرتُ مروج العشب الزاهية التي تغطي المكان، وتذكَّرتُ ساحات كرة القدم الشعبية في بلادي إبَّان سنوات السبعينيات والتي كُنَّا نلعب عليها ونحن نحرث أرضيتها السبخة بأقدامنا الحافية كل يوم، وكان اللاعب الذي يمتلك الكرة المطاطية أو يرتدي حذاء الكتَّان هو من يتحكَّم في الملعب ونذعنُ إلى أوامره حتى لو كانت مهارته في اللعب معدومة، بل أنَّ صاحب الكرة التي نلعب بها، يتمتع بجميع الصلاحيات كحكم ومشرف على تلك المباراة، ومن حقه استبدال من يشاء أو طرد من لا يروق له ومن حقه احتساب ضربة جزاء لصالح فريقه حتى لو كان الخطأ الذي وقع خارج منطقة الجزاء، وعلينا تحمَّل غطرسته وغروره في الملعب لأنَّه مالك الكرة المطاطية التي لا يتجاوز سعرها الدينار في ذلك الوقت.

أجل كُنَّا نذعن لجميع رغباته حتى نستمر بلعب الكرة أطول مدة ممكنة، وإذا ما انزعج صاحب الكرة؛ فهذا يعني أنَّ المباراة انتهت؛ حالما يمسك بالكرة ويذهب بها عائداً إلى بيته معلناً نهاية المباراة. هكذا كانت مواجع لعبة كرة القدم في سنوات الطفولة، لكنَّ الذي أراهُ أمامي الآن في ساحة الملعب ومن كلا الفريقين أناقة الملابس الرياضية التي يرتدونها مع أحذية رياضية من شركات عالمية، أضف إلى ذلك ساحة لعب ممتازة يتحسَّر عليها حتى عشب ملعب جذع النخلة في الوقت الحاضر، ومع ذلك لم ألحظ أية مهارة ملحوظة من جميع اللاعبين الذين هم خليط من دول مختلفة؛  فهناك الإيطالي والبوسني والصيني والبولندي، ومعهم يتحرك بنشاط واضح ابن صديقي الذي يسعى لإثبات مهارته بكرة القدم أمام مدربه وأمامنا، وأذكر في مباراة للفرق الشعبية جرت أيام مراهقتي؛ كنتُ ألعب بموقع شبه يسار وكان كابتن الفريق أخي علي النواب رحمه الله والذي كان يتمتع بمهارات عالية وقدرة واضحة على التحكُّم بالكرة، وبعد مضي عشر دقائق من بداية المباراة طلب مني الخروج من الساحة ليحل لاعباً بديلاً عني، وهذا يعني خلع الحذاء وقميصي الذي يحمل رقم 6 للاعب البديل، شعرتُ بالحرج من الجمهور الغفير الذي حضر المباراة في حينها، ولذا رفضت الخروج من ساحة اللعب وكنت حينها قرب منطقة الجزاء؛ وكان اللعب مستمراً بينما لبث أخي يصرخ بوجهي حتى أخرج من المباراة ، فجأةً ارتطمت الكرة بقدمي اليسرى لتغيِّر مسارها وتدخل إلى مرمى الخصم، فتعالى صياح الجمهور فرحاً وقد هجم أفراد فريقي لتقديم التهنئة لي بمناسبة تسجيلي الهدف الذي حصل بدون إرادة مني، فيما كان أخي منذهلاً ولذا توقعت أنَّه سيغير رغبته باستبدالي ويدعني أكمل المباراة ، لكن قبل أنْ تلعب الكرة من منتصف الملعب مرة أخرى، أصرَّ على خروجي من الملعب فتركتُ الساحة؛ لكني لم أنزع حذائي وقميص اللعب لبديلي الذي دخل الملعب بقدمين حافيتين بعد أن وضع دشداشته في داخل سرواله القصير؛ وكان هذا اللاعب البديل حديث الجمهور في تلك المباراة بسبب الزي الرياضي الفكاهي الذي كان يرتديه؛ انتهت المباراة وفاز فريقنا وكان الفضل للهدف اليتيم الذي سجلته بدون إرادة مني؛ وأعادني صوت صديقي الذي كان يصرخ على ابنه بالتقدم إلى منطقة الجزاء عسى أنْ يسجِّل هدفاً لفريقه، فقلت لهُ مازحاً: ارفع يدك بالدعاء فلربما ترتطم كرة طائشة بقدم ابنك وتدخل إلى مرمى الخصم، فأجابني بحماس حتى لو ترتطم الكرة ببطنه؛ برأسه، بمؤخرته، المهم يسجل هدفاً.

 

 


مشاهدات 135
الكاتب حسن النواب
أضيف 2025/06/02 - 3:37 PM
آخر تحديث 2025/06/04 - 4:10 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 409 الشهر 4131 الكلي 11138785
الوقت الآن
الأربعاء 2025/6/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير