هل سيختلف المشهد في الإنتخابات المقبلة أم يفوز حزب القنفة أيضاً ؟
منقذ داغر
كعادة المجموعة المستقلة للأبحاث منذ اول انتخابات عراقية في 2005، فأن العمل يبدأ مبكراً لقياس مؤشرات الرأي العام تجاه أية انتخابات مقبلة. تشير آخر استطلاعات الرأي العام العراقي أن نسبة المشاركة -لو أجريت الانتخابات اليوم وليس بعد ستة أشهر- ستتراوح بين 25-35 بالمئة في عموم العراق. هذا يعني أنها قد تصل الى ما دون ذلك في مناطق معينة، وسترتفع اعلى من ذلك في مناطق أخرى. وعلى الرغم من أن نسبة العراقيين الذين قالوا إنهم سيشاركون في الانتخابات بلغت 50بالمئة تقريباً، الا أن الدراسات التي أُجريت عالمياً، فضلاً عن تلك التي أجرتها المجموعة المستقلة في العراق تشير الى أن نسبة 20-25 بالمئة من المستجيبين يتأثرون دوماً بما يسمى في علم النفس الاجتماعي بظاهرة المرغوبية الاجتماعية social desirability . هذه الظاهرة تجعل المستجيبين في استطلاعات الرأي يصرحون بأنهم سيفعلون أشياء (كالقيام بالانتخاب) في حين انهم لن يفعلونها واقعاً. والسبب يكمن في حرصهم على الظهور بمظهر العاقل الفاهم والحريص على الديموقراطية والمساهمة في التغيير!
من جهة أخرى تظهر دراسات أُجريت على جمهور الأحزاب المشتركة في الانتخابات أنهم لا يشكلون سوى 10-15بالمئة من كل الجمهور الناخب العراقي. هذا يعني أن نسبة الناخبين المستقلين الذين سيشاركون في الانتخابات استناداً لنسبة المشاركة المتوقعة أعلاه سوف تتراوح بين 15-25 بالمئة فقط وهي نسبة قادرة بلا شك على أحداث تغيير قد يكون هامشي أو حقيقي اعتمادا على الحقائق التالية أن حصلت:
نتخابات نزيهة
1. نزاهة الانتخابات. إذا استطاعت الهيأة «المستقلة» للانتخابات اظهار رغبتها وقدرتها،هي والحكومة على أدارة انتخابات نزيهة وعادلة فأن أصوات المستقلين يمكنها احداث الفارق حتى وان كانت نسبتها 15-25 بالمئة.
كما ان الدراسات تشير الى ان حوالي ربع من سيقاطعون الانتخابات بسبب عدم ثقتهم بنزاهتها. لذلك فأن أقناع الناخبين بقدرة الجهات المسؤولة عن الانتخابات على تجنب اللغظ الذي شاب الانتخابات السابقة هو عامل مهم جداً لقدرة الناخبين المستقلين على احداث التغيير.
2. ارتفاع نسبة المشاركة. لطالما عانت الانتخابات العراقية بخاصة بعد 2010 من انخفاض نسبة المشاركة وبروز ظاهرة ما أسميته ب «حزب القنفة». فمع كل انتخابات يتسيد حزب القنفة المشهد الانتخابي حيث نسبة كبيرة من العراقيين تكتفي بال(انبطاح) على الأريكة او المقعد في يوم الانتخابات، وبيدهم جهاز تغيير المحطات التلفازية او لوحة مفاتيح الموبايل ليتصفحوا القنوات والمنصات الإعلامية مكتفين بسب وشتم ولعن العملية السياسية وفاعليها دون اقتناع بقدرتهم على احداث التغيير من خلال المشاركة بالانتخابات.
وبحسب آخر دراساتنا فأن حوالي ثلثي من سيقاطعون الانتخابات هم من حزب القنفة ممن لا يقتنعون بقدرتهم على التغيير. أن انخفاض نسبة المشاركة عن 25 بالمئة لا يعني فقط ان حزب القنفة قد فاز،وانما يعني ان نسبة الناخبين المستقلين ستكون اقل من نسبة الناخبين المتحزبين مما يقلل كثيراً من قدرتهم على احداث أي تغيير.
مشهد سياسي
3. خيارات ج+ديدة للناخبين. تشير الأرقام ان الأغلبية الساحقة من العراقيين ترغب في اجراء تغيير على المشهد السياسي. ومع فقدان الثقة «بالمستقلين» الذين فازوا بمقاعد كثيرة في الانتخابات الأخيرة ثم تحولوا نحو وجهات سياسية أخرى، فأن الناخب العراقي كما يبدو فقد ثقته بخيار «المستقلين» وبات راغباً بانتخاب «المجرّب» الأقل ضرراً.
هنا تشير الأرقام، وبخاصة في ظل استمرار مقاطعة التيار الصدري للانتخابات، الى ان بعض السياسيين (المجربّين) وفي طليعتهم السوداني لديهم حظوظ اقوى -وإن كانت متباينة في شدتها- للفوز بالانتخابات ان أحسنوا استثمار تلك الحظوظ وحولوها الى أصوات في الصندوق.
باختصار فأن الأرقام التي تظهرها آخر دراساتنا لا تشير الى تفاؤل حقيقي بتغيير المشهد السياسي الا أذا تمكنت القوى الحزبية «غير التقليدية» من أقناع جمهور الناخبين بقدرتهم على أحداث التغيير من جهة، وبقدرة الهيأة المستقلة للانتخابات والحكومة معها على إدارة وتنفيذ انتخــــــابات نزيهة وعادلة من جهة أخرى.
وبغياب التيار الصدري عن المشهد فتبدو حظوظ السيد السوداني -للآن- وكذلك بعض السياسيين التقليديين واعدة للفوز بالأنتخابات المـــــــــقبلة مع ان هذه الحظوظ سيحددها الى حد بعيد حزب القنفة والداعمين له.
لكن علينا ان نتذكر ان المشهد الانتخابي ما زال سيالاً مع تبقي مدة كبيرة للانتخابات يمكن ان تحدث فيها أشياء كثيرة تغير كل هذه التوقعات.