أي دولة يريدها اللبنانيون؟
أماني سعد ياسين
في أثناء قراءتي لعناوين الأخبار اليومية وعلى جري عادتي في كل يوم شاهدت صورة غريبة بل لعلها لم تعد غريبة فالعدو الصهيوني بات يكرر هذه المشاهد بشكلٍ يومي او الصحيح القول أنه ما من دقيقة باتت تمر في أيامنا هذه ومنذ ما أُطلق عليه إتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان إلا وكان هذا ديدن العدو الإسرائيلي الغاصب في استباحته للأرض اللبنانية !
العنوان الذي قرأته "دبابتا ميركافا معادية وجرافة عسكرية توغلت الى محيط خزان المياه شمال بلدة كفرشوبا و تنفذ اعمال تجريف في منطقة سدانة".
عنوان أصبح وكأنه أمرٌ طبيعي أن يدخل الجيش الصهيوني الى الأرض اللبنانية وأن يستبيح الأرض اللبنانية بشكلٍ يومي منذ أكثر من شهرين ونصف بحجة وجود ما يمكنه أن يشكل خطراً على المستوطنين المحتلين الذين يمكن أن يعودوا إلى منازلهم في شمال فلسطين المحتلة ولعلّه غاب عن هؤلاء بل عن العالم أجمع أن سكّان الجنوب اللبناني وهم أهل الأرض وأصحابها مهجّرون من منازلهم أيضاً بل لم يعد لديهم منازل من الأصل بعدما هدم العدو منازلهم وجرف طرقات بلداتهم ومحى معالم هذه البلدات من الأساس وهو يبرز حقده وقوته وجبروته في مقابل دولة وجيش يراد لهما أن يقفا موقف المتفرج على الجرائم الصهيونية بحق لبنان وبحق الشعب اللبناني الجنوبي تحديداً!
فبعدما تعمّد العدو الصهيوني تدمير مئات المنازل ولم يسلم من بطشه المستشفيات والمساجد وهو الذي دمّر وفجّر مئات المساجد في جنوب لبنان في أثناء الحرب الإجرامية الأخيرة بحجة أن حزب الله هو الذي ابتدأ حرب اسناد الشعب الفلسطيني المظلوم في غزة وفيما نسي هؤلاء أن سبب الإسناد هذا هو الإبادة الجماعية التي ارتكبها هذا العدو الصهيوني الغاشم وقتل وجرح فيها أكثر من مئتي ألف فلسطيني برئ أكثرهم من الأطفال والنساء ونسي هؤلاء أنه تمت إدانة هذا العدو بتهمة الإجرام وارتكاب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني صاحب الأرض، قام العدو باستغلال وقف إطلاق النار ليكمل ما بدأه في حربه التدميرية هذه وبطريقة همجية وقحة منذ بدء تطبيق إتفاق وقف إطلاق النار وذلك تحت أنظار الدولة اللبنانية وعلى مرأى ومسمع الجيش اللبناني. فهل هناك استباحة أكثر من هذه الاستباحة؟! وهل هناك وقاحة أكثر من هذه الوقاحة؟!
وليس الغريب من العدو الصهيوني أن كيف يقوم بهذه الأفعال العدوانية الهمجية وهو العدو المعروف باجرامه وهمجيته وانتهاكه لكل القوانين والشرائع بل إن الغرابة كل الغرابة هو في هذا السكوت والصمت الغريب من الدولة اللبنانية على اختلاف أقسامها ومسميّاتها ومؤسّساتها ومراكز قرارها أن كيف تستطيع السكوت على هذه الحرب الإرهابية الهمجية تحت مسمّى "وقف إطلاق النار "ولو حصل ممّا يحصل اليوم في جنوب لبنان من تدمير وتجريف وحرق ونهب وانتهاكات حادثة واحدة في أي مكانٍ في العالم ولو في مجاهل أفريقيا لقامت الدنيا ولم تقعد أبداً!
أما في لبنان فالوضع مختلف! فالمندوبة الأمريكية الجديدة المعيّنة خلفاً للمندوب الأول هوكشتاين تأتي في زيارتها الأولى إلى لبنان وتقوم بالتسليم على فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية وهي لابسة في يدها خاتماً لافتاً منقوشاً عليه نجمة داوود شعار الصهيونية وهي تعرف تمام المعرفة أن هذه هي الصورة التي سوف تُنشر على الإعلام لفخامته ومن ثم تقوم لاحقاً وبوقاحة من على منبر رئاسة الجمهورية اللبنانية بتهنئة العدو الصهيوني على هزيمة لبنان عبر" هزيمة حزب الله" اللبناني كما عبّرت في كلامها وكأن هذا الأخير هو شيء آخر مختلف عن لبنان بل كأن هذا الحزب ليس حزباً لبنانياً له تمثيل شعبي وحضور جماهيري وسياسي في لبنان بل وكأنه لا يمت إلى لبنان بأي صلة على الإطلاق!
وأغرب تعليق على هذه الأفاعيل العجيبة والتفجيرات الجنونية التي يقوم بها العدو الصهيوني في الجنوب اللبناني منذ إقرار وقف الحرب و"الأعمال العدائية" كما يطلقون عليه والتي باتت تمر مشاهدها مرور الكرام بل ويقرأها الشعب اللبناني والشعوب العربية وكأنها شيء طبيعي جداً في ظلّ شبه سكوت من الدولة اللبنانية وكأن هذه التفجيرات تحصل في مكانٍ آخر غير لبنان، كان من مستوطني الجليل الذين استنكروا وبشدة أصوات التفجير هذه . وكما نقل عن إعلام العدو
فإن العديد من سكان الجليل الغربي يشعرون بالغضب وقد أبدوا استنكارهم الشديد لسماع أصوات التفجيرات داخل الأراضي اللبنانية حيث وصفوا التفجيرات هذه بالمجنونة "لقد بدأنا للتو في العودة إلى منازلنا ونسمع أصوات الانفجارات المجنونة - نطالب بإبلاغنا مسبقًا في حالة وقوع انفجار ضخم ومتعمد". هذا في الوقت الذي اعتاد فيه بعض اللبنانيين من أدعياء السيادة الحصرية على سماع جدار الصوت الرهيب فوق العاصمة بيروت أو سماع الطيران الحربي الإسرائيلي وهو يسرح ويمرح فوق رأسه من دون أن يرفّ له جفن كما اعتاد "مدّعي السيادة" هؤلاء رؤية مشاهد تفجير أحياء واسعة من القرى اللبنانية الجنوبية وتسوية منازل تلك القرى بالأرض وكأنه يشاهد مشهداً تلفزيونياً من فيلم هندي أو خبراً إعلامياً مقتطعاً لبلدٍ مجهول الهوية في أمريكا اللاتينية لا لشيء سوى بسبب الحقد المتأصل والعدوانية الهوجاء ولشرٍ مكبوت في نفسه.
ولا يسعني هنا إلا أن أسأل نفسي وكذلك أن أسأل الدولة اللبنانية القوية والتي برزت قوتها البارحة في مواجهة شعبها وعلى مظاهرات سلمية تستنكر التدخل الأجنبي في بلادنا وتستنكر الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية على لبنان والدولة اللبنانية تحديداً. فهل أصبح التدخل الأجنبي السافر في لبنان وخصوصاً تدخل العدو ومن يدعمه هو الصواب في لبنان ولمصلحة من هذا التدخل إن لم يكن لمصلحة العدو؟!
والسؤال الآخر الذي يرد في خاطري هو أين هي مصلحة لبنان واللبنانبين في كل ما يجري؟! أفليس دور الدولة اللبنانية حماية لبنان وأرضه وحماية الشعب اللبناني وحماية أرضه ومنع التععدي على ممتلكاته؟!
وإن كان كما قرأنا عن تاريخ الاستباحة الإسرائيلية للأراضي اللبنانية منذ نشأة هذا الكيان الغاصب على أرض فلسطين ووعود هذه الدولة الجديدة المتمثلة بوجوه جديدة من رئيس الجمهورية العماد جوزف عون إلى رئيس الحكومة اللبنانية الجديد القاضي نوّاف سلام التي وعدت اللبنانيين بقيام دولة المواطنة والعدل والمساواة والسيادة ، أفليس حفظ أرض الجنوب اللبناني وحفظ وجود وصمود اللبنانيين الجنوبيين على أرضهم هو في قمة هذه الحقوق؟!
وعندما يقوم العدو بتجريف ومحو معالم القرى اللبنانية الجنوبية ويقوم بتدمير كل مقوّمات الحياة في هذه القرى الجنوبية بما فيها خزانات المياه التي تغذي هذه القرى وشبكات الكهرباء والبنى التحتية، أليس من واجب الدولة اللبنانية الوقوف في وجه هذا العدو المعتدي الحاقد وفي وجه كل من يدعمه؟!
وعندما يقوم العدو بحصار مطار بيروت الدولي ومنع كل أشكال الدعم ومنع ورود أموال إلى لبنان لأجل إعمار ما دمرته إسرائيل أليس دور الدولة هنا هو منع الحصار وتأمين مصادر الدعم لإعادة إعمار ما دمّرته الحرب من دون شروطٍ خارجية أو التزامات وكذلك لتأمين ظروف حياةٍ كريمة للبنانيين ككل الناس؟!
والله ان ما يحصل في جنوب لبنان وفي القرى اللبنانية من تدمير ممنهج من قبل العدو الصهيوني الغاصب لهو جريمة إنسانية وتعدّي وحشي إجرامي بكل معنى الكلمة ويجب على الدولة اللبنانية متمثلة برئيس الحكومة القاضي نوّاف سلام التوجّه بدعوى قضائية إلى محكمة العدل الدولية ضد العدو الصهيوني بجرم الإبادة الجماعية وانتهاكه للقانون الدولي على غرار الدعوى التي تقدمت بها دولة جنوب أفريقيا بخصوص جرائم الإحتلال وانتهاكاته في غزة قبل سنة.
والأنكى والأغرب أن كل ما يجري من تدمير ممنهج للقرى اللبنانية لم يحصل في أثناء الحرب حيث لم يستطع العدو مع كل عديده وقواته أن يكسر خطوط دفاع المقاومة اللبنانية وبالتالي لم يستطع الدخول الى القرى اللبنانية الا من بعد قبول الدولة اللبنانية بإتفاق وقف إطلاق النار. فهذا العدو الذي لم يستطع دخول الأراضي اللبنانية بسبب المقاومة اللبنانية التي استشرست في الدفاع عن البلد حتى تصدّرت أخبار شجاعتها عناوين الصحف المحلية والعالمية ها هو اليوم يستبيح الأراضي اللبنانية احتلالاً وحرقاًً وتدميراً وتفجيراً وذلك تحت أنظار الدولة اللبنانية والجيش اللبناني الذي أريد له أن ينتشر في الجنوب اللبناني تطبيقاً للقرار 1701 فهل هذا الإتفاق يسمح بتدمير قرى الجنوب اللبناني وهل هذا القرار يمنح الشرعية لوجود قواتٍ دولية ترى الانتهاكات الإسرائيلية فتصمت وتشاهد وتسجّل تفجير منازل اللبنانيين الجنوبيين بل تشهد تفخيخ وتفجير ومحو القرى اللبنانية الحدودية بالكامل في جريمة موصوفة لم يسبق لها مثيل في العالم ببشاعتها وتصمت ؟! وكيف إذا كان الصامت الأكبر هو الدولة اللبنانية المعتدى عليها وعلى شعبها ومواطنيها ؟!
وهل قامت هذه الدولة بواجباتها في حماية لبنان واللبنانيين من تمادي العدو الصهيوني في انتهاكاته وإجرامه في الجنوب اللبناني؟!
يوم الأحد السادس عشر من شباط وفي يومٍ واحد قامت قوات الاحتلال باختطاف أحد عناصر شرطة بلدية مارون الرأس المدعو مرتضى مهنا من منزله في حي عقبة مارون عند أطراف بنت جبيل كما اختطفت مسعفين مدنيين من بلدة حولا واعتدت بالرصاص الحي على سكان بلدة حولا الجنوبية لدى محاولتهم الدخول الى بلدتهم حيث سقطت الطفلة خديجة عطوي شهيدة نتيجة اصابتها برصاص العدو وسقط عدد كبير من الجرحى من أهالي البلدة. والغريب في الأمر أن كل هذه الاعتداءات حصلت فلا حكومة اجتمعت لمناقشة التصدي للعدوان ولا نواب أمة استنكروا ما يحصل من استباحة للبنان واللبنانيين ولو كان ما يحصل في دولة أخرى لاستنكرت وتصدّت! مهما صغرت لقامت قيامة تلك الدولة ولاستقالت رموزها بعد اعترافها بفشلها في حماية مواطنيها!
هذا في الوقت الذي استنفرت الدولة كل أجهزتها الأمنية وجيشها الوطني لمواجهة بعض المتظاهرين السلميين الرافضين للتدخل الأجنبي في لبنان والرافضين للحصار المفروض على لبنان لم توفر فيه هذه الأجهزة القنابل المسيِّلة للدموع لفضِّ الاعتصام الداعي لرفض التدخلات الأمريكية السافرة وأوامرها للدولة اللبنانية بمنع الطائرات الإيرانية من الهبوط في مطار بيروت الدولي.
وكيف تقنع المواطن اللبناني الجنوبي تحديداً أن هذه الدولة التي كانت قد استقالت من وظيفتها بحماية الجنوب اللبناني منذ نشأة هذا الكيان الإسرائيلي الغاصب والمجرم قد تغيّرت وما عادت مستقيلة اليوم بعد كل هذه الجرائم والتحديات؟!
ولا يقولنّ أحد أن الجيش اللبناني ينتشر في الجنوب فإن لم ينتشر الجيش اللبناني لحماية لبنان ولحماية اللبنانيين الجنوبيين وحماية وجودهم وصمودهم على أرضهم فلم إذن؟!
وحتى كِتَابة هذه الكلمات وقبل يوم واحد من الانسحاب الإسرائيلي المقرّر من جنوب لبنان ما زالت التفجيرات مستمرة. فقد قام العدو الإســــــرائيلي بتفجيرات كبيرة في بلدتي كفركلا والعديسة قبيل ساعات من الإنسحاب المرتقب كما قام بغارة على سيارة صباح اليوم نفسه اغتال فيها العدو قيادياً من حماس في مدينة صيدا اللبنانية في خرق جديد للاتفاق.
أما صورة الجيش اللبناني ومقابله الجيش الصهيوني الغاصب وهو يقوم بتفجير منازل اللبنانيين الجنوبيين بالعشرات لا بل بالمئات فهي صورة لا يقبلها عقلٌ ولا منطق أبداً إلا إنها مناورة سخيفة أو تمرين سمج وغبي من ما يُراد له أن يكون " شبه دولة" عاجزة منزوعة السلاح محكومة من طبقة سياسية فاسدة، تابعة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي، طبقة تفتقد الحس الوطني بامتياز.
فهل هذه هي الدولة التي يريدها اللبنانيون؟!