الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مجلس الدولة العراقي.. لا علاقة له بتفسير القوانين الصادرة عن البرلمان

بواسطة azzaman

مجلس الدولة العراقي.. لا علاقة له بتفسير القوانين الصادرة عن البرلمان

 امين عاطف صليبا

 

الأسباب التي حملتني لكتابة هذا التوضيح، ما قام بتوضيحه الزميل المحامي وليد جبر في معرض شرحه على تطبيق مسارات قانونية تحت عنوان "هل قانون العفو سيلغي القيود الجنائية؟".حيث تطرق الى مسألة دقيقة وهي دور مجلس الدولة العراقي في تفسير القوانين،وذلك في معرض مناقشته لكتاب الإستفسار الذي وجهته وزارة المالية الى مجلس الدولة عما إذا كان قانون العفو يُلغي القيد الجنائي؟وعلى هذا الأساس كتبت هذه المقالة المقتضبة لأقول  هذا تطبيق غير صحيح على وفق المبادىء المعتمدة في فرنسا منذ عام 1840 بعد ان اعتمدت فرنسا نظام القضاء المزدوج - أي القضاء العادي والقضاء الإداري- ،وهو ذات النظام القانوني المُطبق في العراق وفي لبنان،والمختلف عن النظام الانكلوساكسوني المعتمد في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية،،حيث هناك قضاء واحد للمواطنين ولأجهزة الدولة الإدارية. وعليه نقول أن مجلس الدولة في كل من البلدان الثلاثة (فرنسا/العراق/لبنان) لا صلاحية له النظر بتفسير القوانين التي تصدر عن البرلمان،بل ينحصر دوره في تفسير المراسيم – اي القرارات التنظيمية – وصحة وشرعية الأعمال الإدارية،إنطلاقاً من مبدأ فصل السلطات المُكرّس في دساتير تلك الدول (مقدمة الدستور الفرنسي لعام 1958 – مقدمة الدستور اللبناني لعام 1990 – المادة 47 من الدستور العراقي لعام 2005).حيث نلاحظ ان القوانين الناظمة لأعمال مجلس الدولة حدّدت صراحة بأن مجلس الدولة في العراق هو إماً مرتبطاً بوزارة العدل ( المادة الأولى من القانون 65 /1979 في العراق) وإمّا في لبنان كمجلس الشورى اللبناني الذي يعتبر  جزءاً من التنظيمات القضائية التابعة لوزارة العدل (وفق المادة 2 من القانون المنفذ بمرسوم رقم 10434/1975.) وعلى هذا الأساس يكون هذا المجلس من مكونات السلطة التنفيذية في كلا البلدين،ولذلك وعملاً بمبدأ فصل السلطات لا يحق له إبداء أي تفسير للقوانين الصادرة عن البرلمان،إذ بذلك يكون قد أنتهك مبدأ الفصل بين السلطات،وأحلَّ نفسه محل المُشرِّع،والفقه القانوني مُتفِق على أن القوانين يمكن أن يُفسِّرها القاضي عندما تكون مُبهمة من خلال العودة الى نية المُشترع وإطلاعه على الأعمال التحضيرية التي سبقت إقرار القانون،ولا يجوز لأي سلطة أخرى غير القضاء العادي أن يُفسِّر القوانين.إن ما هو معتمد في العراق لجهة التسليم بصلاحية مجلس الدولة تفسير القوانين مردّه الى الغموض في التعبير الذي ورد في المادة 5 من القانون 65 التي تحدثت على ان المجلس يمارس في مجال التقنين:

أولاً:إعداد وصياغة مشروعات التشريعات!! ورغم ان النص أكّدَ على انها التشريعات المتعلقة بالوزارات الى ما هنالك من تفاصيل وردت في سياق هذه المادة وتؤكد بأن لا علاقة للقوانين التي يصدرها البرلمان.ومما ساعد على هذا اللغط ايضاً ما ورد في  الفقرة الخامسة من المادة 6 من القانون 65 التي نصّت على الآتي: "توضيح الأحكام القانونية عند الاستيضاح عنها من قبل إحدى الوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزير."وهنا يكون المقصود تلك التشريعات المرتبطة بالوزارة المعنية،ولا تمتد الى القوانين!

على هذا الأساس نقول أن الغموض بدء مع كلمة "التشريعات" التي كان على المُشرِّع العراقي إستبدالها بالنصوص التنظيمية التي تصدر عن السلطة التنفيذية،حيث لا علاقة لمشاريع القوانين التي تُعدّها السلطة التنفيذية، وذلك كما هو معتمد في فرنسا من خلال نص المادة 39 من الدستور التي نصّت صراحة على دور مجلس الدولة الفرنسي في تحضير مشاريع القوانين للوزارات المختصة،ودرسها في مجلس الوزراء قبل إيداعها الجمعية الوطنية بالقول:

“Les projets de Loi sont délibérés en conseil des ministres après avis du Conseil d’Etat et déposés sur le bureau de l’une des deux assemblées”

ما معناه:"إن مشاريع القوانين تُدرس في مجلس الوزراء بعد أخذ رأي مجلس الدولة،ثم تودع في مكتب أي من المجلسين". لكي يعمل على إقرارها البرلمان الفرنسي. وهذا ما طبّقه لبنان عندما جاء النص واضحاً في المادة 56 من المرسوم 10434 من الباب الثالث منه بعنوان[مهمة مجلس شورى الدولة في الشؤون الإدارية والتشريعية] بالتأكيد على الآتي:"يُساهم مجلس شورى الدولة في إعداد مشاريع القوانين،فيعطي رأيه في المشاريع التي يُحيلها عليه الوزراء ويقترح التعديلات التي يراها مناسبة،ويصوغ النصوص التي يُطلب منه وضعها....."ومن دون التوسع في صلاحيات المجلس اللبناني،نستخلص من النصوص الفرنسية واللبنانية – والتي من المفترض ان لا تخرج عن سياقها القانوني النصوص العراقية – لجهة ان القضاء الاداري في الدول الثلاث لا علاقة له بتفسير القوانين الصادرة عن البرلمان العراقي،والتشويش الحاصل حالياً في العراق سببه عدم مطالبة الفقه الإداري العراقي بضرورة ان يحسم القضاء الإداري هذه المسألة والقول بأنه لا علاقة له بتفسير القوانين الصادرة عن البرلمان،وإلاّ سينتهك مبدأ فصل السلطات المُطبق وفق دستور العراق،وأن يُحِّل نفسه بتفسير قوانين قد تكون خلافاً لنية المُشترع.وبالتالي يجب حصر مشروعات التشريعات الواردة في المادة 5 بالمسائل التنظيمية والتنفيذية فقط والصادرة عن مختلف الوزارات والتي لا علاقة لها بالقوانين،التي يُحصر تفسيرها بالقضاء العدلي بمعرض دعوى مُثارة امامه،والذي من حقّه الاطلاع على الأسباب الموجبة التي استند عليها المُشرِّع في حال عدم وضوحها في نشر القانون.

اكتفي بهذا القدر من الشرح،وانا مستعد لمناقشة هذا الأمر مع الأخوة العراقيين،لأنه لا يجوز الإستمرار بما هو قائم لجهة ان الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة تطلب تفسير القوانين،وتخرق مبدأ فصل السلطات.

مع تقديري

عميد معهد العلوم السياسية في جامعة الجنان – لبنان وباحث في القانونين الدستوري والإداري.     


مشاهدات 81
الكاتب  امين عاطف صليبا
أضيف 2025/02/15 - 12:58 AM
آخر تحديث 2025/02/15 - 12:46 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 304 الشهر 7963 الكلي 10403334
الوقت الآن
السبت 2025/2/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير