الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عبد الجبار عبد اللـه..أيقونة عالم الفيزياء العراقي

بواسطة azzaman

عبد الجبار عبد اللـه..أيقونة عالم الفيزياء العراقي

قاسم حسين صالح

 

   في زيارتي الأخيرة لجامعة ميسان كنت بصحبة الصديق محمد رشيد في سيارته..وفي كورنيش العمارة ،رأيت تمثالا مكتوبا تحته (الدكتور عبد الجبار عبد الله).. نزلت ..وقفت بجانبه ..حييته..واثنيت على اهل العمارة الذين كرمّوا ابنهم الذي اعترف به العالم انه عالم  فيزياء عراقي.

تعريف..للجيل الجديد

   معظمنا ،نحن جيل الكبار، يعرف ان الدكتور عبد الجبار عبد الله  هو ابن مدينة (قلعة صالح) بمحافظة ميسان ، ولد فيها عام 1911  ، وانه ابن عائلة صابئية مندائية. وقد لا يعرف كثيرون ان والده،وكذلك جده،كان الرئيس الروحاني الأعلى للطائفة المندائية في العراق والعالم.

 اكمل دراسته الثانوية عام 1930، وحصل على شهادة البكلوريوس في العلوم من الجامعة الامريكية في بيروت عام 1934 ، توجه بعدها الى الولايات المتحدة ليحصل على شهادة الدكتوراه في (الفيزياء) من جامعة MIT  الأميركية العريقة في بوسطن، متخصصاً في علوم الأنواء الحيوية وعلم الأرصاد الجوية ، بعد ان عمل فيها ابحاثا عن دراسة حركة الامواج ونشوء الاعاصير. وعاد الى العراق ليشغل منصب رئيس قسم الفيزياء بدار المعلمين العالية في بغداد للمدة (1949 الى 1958) ..ورشح خلالها استاذا باحثا في جامعة نيويورك الامريكية للسنوات( 1952 - 1955)..عاد بعدها ثانية الى العراق ليشغل منصب رئيس هيئة الطاقة الذرية العراقية عام 1958.

وفي مقاله عنه الذي ارسله لي الدكتور عبد الرزاق جدوع ،ذكر ان نبوغ الدكتور عبد الجبار بزغ في طفولته (وبالتحديد في الصف الخامس الابتدائي ، فقد استطاع ان يحل مسألة حسابية في مادة الحساب” الرياضيات”  تتصل بموضوع الضرب ، بطريقة عجيبة أذهلت معلمه. وكان يطلب منه معلمه في الصف السادس الابتدائي ان يكتب شروحات عن ظواهر الرياح والامطار ، فسمّي بين الطلبة بالفلكي الصغير).ويضيف بانه عاش في كنف اسرة فقيرة تعاني من شظف العيش، وينسب له قوله  ( كنت ارتدي الثياب الصيفية في الشتاء  واتجول حافي القدمين ).

  السنّة والشيعة..يحتجون!

  يحسب لعبد الكريم قاسم أنه كان يقدّر العلماء والمفكرين وملتزم بمبدأ ( الرجل المناسب في المكان المناسب) ..تجسّد ذلك في اختياره لوزراء حكومته . وكان من قراراته الجريئة اصداره أمرا بتعيين الدكتور عبد الجبار عبد الله رئيسا لجامعة بغداد . وقد اثار هذا القرار استياء رجال دين من السنّة والشيعة ، قابلوا عبد الكريم قاسم  محتجين على تعيين رجل (صابئي) رئيسا لجامعة بغداد، فأجابهم عبد الكريم بأنه عينه رئيسا لجامعة وليس رئيسا لجامع..وعادوا خائبين ومعهم مرشحهم..الدكتور المسلم.  تولى الدكتور عبد الجبار (الصابئي) رئاسة جامعة بغداد بعد اول رئيس لها هوالدكتور (المسيحي ) متي عقراوي (1957- 1958). ويحسب للدكتور عبد الجبار انه لعب دورا كبيرا في ارساء تقاليد رصينه لجامعة بغداد واحدث تطورا كبيرا في مناهجها العلمية ، وتوظيفه البحث العلمي لتطوير البرامج الاقتصادية والصناعية والزراعية والثقافية..وعمل على ان تكون الجامعة مستقلة سياسيا ليرتقي بها الى مصاف جامعات العالم المتقدم..لكن طموحاته العلمية الراقية..أحبطت  في عام النكبة 1963.

عالم فيزياء ..منظّف مرافق!

 ثمة حقيقة ان  حكّام العراق ، وتحديدا من حكموا بعد 2003) يبغضون العلماء ، وان دافعهم بالشعور بالنقص  يدفعهم الى اذلالهم بتهميشهم او باضطرارهم للهجرة الى بلدان تحترم عقولهم وتوفر لهم  الأجواء لتحقيق منجزاتهم.. وقد اثبتوا ذلك بدليل انك حيثما وليت وجهك في بلدان العالم المتقدم تجد للعقل العراقي حضورا.

 وليس جديدا بغض حكّام العراق للعلماء، فما حدث للدكتور عبد الجبار  يثبت ذلك. ففي انقلاب شباط 1963 ، اعتقل واودع في معتقل مركز الحرس القومي بمحلة (الفضل) يشرف عليه عزة الدوري وناظم كزار. ويروي شاهد عيان انهما كانا يأمران الدكتور عبد الجبار بتنظيف المرافق وكنس الأوساخ وحملها في (تنكه) ورميها في الحاوية.

عبد الجبار..ايقونة علم عالمية!

  دليل ذلك أنه درّس في جامعات ومعاهد أمريكية مرموقة، منها جامعة نيويورك وجامعة بوسطن ومعهد أبحاث الفضاء في ألباني (نيويورك)، وفي كولورادو (بودلر) .

وأنه صاحب نظريات علمية في مجال الأنواء الجوية  لاسيما الخاصة بالأعاصير والزوابع ، وله الكثير من المؤلفات في الفيزياء باللغتين العربية والأنجليزية..ويكفيه شهادة عالمين امريكيين هما( برنارد هوروتس و جيمس اوبراني) اللذين قالا عنه عند وفاته :

زملاء المهنة

لقد فقد وطن عبد الجبار عبد الله، العراق، بموته واحداً من أبرز علمائه. سيتذكره زملاؤه الذين أسعدهم الحظ في التعرف عليه شخصياً، كزملاء في المهنة وكأصدقاء، ليس فقط لمساهمته في علم الأنواء الجوية، وإنما أيضاً لخصائله الإنسانية الرفيعة” .

 ونضيف لما قاله العالمان الامريكييان ان عبد الجبار عبد الله له اهتمامات ثقافية مميزة  ففي ثلاثينيات القرن الماضي  تاسست جمعية كان من بين اعضائها محمد حديد وعبد الفتاح ابراهيم  لتتحول فيما بعد الى رابطة ثقافية كان الدكتور عبد الجبار سكرتير تحريرها .

 وفاة مبكرة

توفي الدكتور عبد الجبار عبد الله في( 9 تموز 1969 ) بعمر 58 سنه  في أوج عطائه العلمي، ومات في امريكا بعد معاناة طويلة مع مرض (اللوكيميا) غريبا عن وطنه الذي احبه. ويعزو مقرّبون منه أن السبب الرئيس لموته المبكر  كان جراء ألآم الاعتقال الطويل والعذابات النفسية والجسدية التي عاشها في معتقلات  8 شباط الاسود 1963. وفي رسالة من قريبته المندائية (الأخت نهلة سام ) بعثت بها لي من السويد ان الدكتور عبد اجبارأصيب (بمرض السرطان - هوجكنز ليمفوما) في الولايات المتحدة، ودُفن حسب رغبته في العراق في المقبرة المندائية قرب بغداد ، وأُقيم له تمثال في معبد الصابئة المندائيين في منطقة القادسية ببغداد، وله اربعه أولاد، ابنته الكبيره اسمها سناء وابنه اسمه هيثم..يعمل في الآثار ،ولديه توأم “ سنان وثابت” اعتقد احدهم رسام والاخر طبيب اسنان). بقي ان نعرف عنه.. ثلاثة :

الأول: أن اجمل عمل اخلاقي فعله عبد الجبار ، انه عاش في اميركا سنوات وتعرّف على الكثير من جميلاتها ، لكنه تزوج ( قسمت عنيسي الفياض) وهي مدرّسة ابتدائية كان والدها صائغ الملك غازي الأول في السنوات 1933-1939.

الثاني: ان اجمل واروع موقف وطني لعبد الجبار عبد الله ، انه رفض كل المغريات التي قدمتها الجامعات الامريكية للبقاء فيها ،وعاد الى العراق ليوظّف علمه في خدمة وطنه.

الثالث: دفع اعجاب العراقيين به الى نشر صورة له تجمعه بالبرت انشتاين..وكانت من خيال اعجابهم.. لكن اعجاب الجواهري به بقوله : (أهز بك الجيل الذي لا تهزه نوابغه حتى تزور المقابرا)

يبقى حقيقة!


مشاهدات 126
الكاتب قاسم حسين صالح
أضيف 2025/02/15 - 12:27 AM
آخر تحديث 2025/02/15 - 9:21 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 511 الشهر 8170 الكلي 10403541
الوقت الآن
السبت 2025/2/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير