دولة بلا فكر

علي حسين الخفاجي

يُمثل الفكر السياسي حجر الأساس لبناء الدول وتشكيل أنظمتها حسب وصف وتحليل الظواهر السياسية، وغيابه يجعل الدولة كياناً هشاً غارقاً بالأزمات الداخلية والخارجية. كما يتطور الفكر السياسي نتيجة تزايد الحاجة البشرية للتنظيم والإستقرار، فيبدع العقل البشري بوضع النظريات التي تعزز مستويات الإستقرار السياسي، الإجتماعي، والإقتصادي.تُعد أزمة الفكر السياسي في العراق بعد عام 2003 ظاهرة مرتبطة بعدة عوامل هيكلية وتاريخية، ومن أهم أسباب الأزمة هي إنعدام الرؤية الفكرية الواضحة التي تُعيد تعريف الهوية السياسية للدولة.

 إذ أن غياب الحراك الفكري الفعال جاء نتيجة الخطاب الحزبي الذي يعتمد على مقاربات شخصية ضيقة تفتقد الأبعاد الوطنية منذ نشأة الأحزاب في العراق عام 1922، الأمر الذي عزز إدامة العيوب الهيكلية في وعي الفرد العراقي الذي كان وعيه خصباً لتقبل الأيديولوجيات المختلفة الجديدة في بدايات القرن العشرين كالليبرالية، الشيوعية، القومية، والإسلامية.كما أن إنهيار الأنظمة التقليدية السابقة والتي ترتكز على مبادئ حزبية فردية، أدى الى حالة من الفراغ الفكري التي أستغلها التيار العشوائي بعد 2003 لصياغة سياسات مبنية على المصالح الفردية والطائفية. وعلى هذا الأساس يواجه الفكر السياسي في العراق تحديات الإنقاسامات المجتمعية على أسس دينية وطائفية وقومية، حيث تساهم هذهِ الإنقسامات في خلق البيئة الخصبة لتطرف الأفكار في سبيل التنازع على السلطة، بالإضافة الى تباين التوجهات السياسية لقادة الدولة وتضارب أهدافهم مما يعزز حالة من فرض الرؤى الأيديولوجية دون توافق يضمن إستقرار النظام السياسي. وفي ظل غياب المشروع الفكري الوطني تتصادم الأيديدولوجيات لتشكل فجوة بين أبناء المجتمع، حيث تُضعف التماسك الوطني وتشوش الرؤية المستقبلية وتُسهم في إستمرارية غياب الانتاجية الفكرية التي تعد مرتكزاً لعملية إعادة بناء الدولة بعد عام 2003. والحق أن ما يطرحه هذا المقال متلازم مع غياب مفهوم الهوية الوطنية الجامعة، وهذا الترابط لا يُحل الا من خلال العبور الى حوار وطني شامل تشارك فيه النخب الاجتماعية والسياسية لتسوية المشاكل، والبدء ببناء مستوى جديد من الخطاب الجديد للدولة العراقية.