الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الوردة والدبّابة والحصان قبل العربة

بواسطة azzaman

الوردة والدبّابة والحصان قبل العربة

مروان ياسين الدليمي

 

 كنّا طلبة ندرس فنون المسرح والسينما والتلفزيون في  كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد،مطلع ثمانينات القرن الماضي،ومازلت أذكر بكل تقدير الأستاذ الراحل د. “ثامر مهدي” المعروف بثقافته الواسعة وحسّه النقدي الذي كان يتولى مسؤولية تدريسنا “نظريات علم  الجمال” ويحرص في محاضراته على أن يجد مقاربات مع افلام سينمائية عالمية يختارها لنا بعناية شديدة.  في إحدى محاضراته عرض لنا فيلما قصيرا نال عددا من الجوائز في مهرجانات عالمية آنذاك، وكان من انتاج إحدى جمهوريات المعسكر الاشتراكي  في أوربا الشرقية ،أيام كانت تتبع في سياساتها ما كان يسمى بالاتحاد السوفياتي . والفيلم لم يكن يستغرق زمنه  أكثر من دقيقة ، والمهم أن فكرته تدور حول إدانة الحرب وتمجيد السلام .ولأجل إيصالها بسلاسة وتكثيف ، اختار المخرج شكلا بسيطا ، لكنه بغاية الذكاء والتأثير، وذلك باعتماده دبابة (رمزا للحرب) تسير في أحد الشوارع وتدهس وردة(رمزا للسلام) لكن الوردة  تنمو من جديد،رغم ما تتعرض له من عملية دهس ولأكثر من مرة .

القاعدة الأولى

ترك الفيلم أثرا قويا علينا في حينه،ودفعنا إلى أن نكتشف البساطة وقدرتها في المعالجة الفنية على تقديم الأفكار المعقدة والمهمة بالنسبة للأنسان ، مثل موضوعة الحرب والرغبة في تحقيق السلم والأمن،وتشكلت لدينا قناعة بأن الفيلم حتى يكون عالميا ليس بالضرورة أن تكون كلفته الانتاجية ضخمة أو يستند على نجوم مشهورين. من هنا كانت مشاهدته ومناقشته بالنسبة لنا نحن الطلبة بمثابة انعطافة في الوعي والذائقة الجمالية، وضعتنا بالتالي  أمام القاعدة الاساسية  التي تحدد  الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها الفيلم حتى يصبح مؤثرا وعالميا .

فإذا ما وجدنا اليوم تشابها حد التطابق ؛في الشكل والمحتوى والأسلوب والرؤية، بين هذا الفيلم المنتج قبل نصف قرن،وبين فيلم محلّي عراقي تم انتاجه هذا العام 2025 ومنح الجائزة الأولى في مهرجان نينوى السينمائي (الدولي) بدورته الأولى، فإن ذلك يعني أن  قضية الاقتباس أو الانتحال هنا ، بقدر ما يتحمل مسؤوليتها المخرج/ة ،فإن لجنة التحكيم تتحمل كامل المسؤولية عنها . لأن من البديهي أن تكون اللجنة على  قدر عالي من المعرفة بالنتاج السينمائي العالمي، بالشكل الذي يصعب عليها أن تمرَّ أية عملية اقتباس مكتملة الأركان دون أن تنتبه إليها،وإلاّ ستكون في موضع بغاية الإحراج أمام نفسها وأمام الجمهور .

أعضاء لجان التحكيم

عادة ما تضع الجهات المسؤولة عن إقامة واطلاق المهرجانات السينمائية في مقدمة حساباتها،اختيار العناصر المؤهلة التي ستتولى مسؤولية لجنة التحكيم، ومن أولى الاشتراطات في اختيار عناصرها،أن تكون في السيرة الذاتية لكل لاواحد منهم منجز مهم، له صلة وثيقة بالنتاج السينمائي، هذا إضافة إلى ضرورة أن يكون الأعضاء محصنون بثقافة سينمائية رفيعة وخبرة بخفايا الانتاج. ومثل لاهذه الاشتراطات لن تكون محل جدل من قبل الجهات المنظمة للمهرجانات، لأنها مدركة لحجم المسؤولية النقدية التي تقع عاتق اللجنة، فالتقييم النقدي مسألة بغاية الصعوبة والأهمية. ومن المعلوم لدى العارفين بالوسط الفني أنه  ليس كل من يعمل في صناعة السينما يصلح أن يكون عضوا في لجان التحكيم .

والمسألة أيضا لاعلاقة لها بالسنين الطوال التي عمل فيها هذا العضو في السينما،فهناك الكثير من الممثلين ممن لديهم مشاركات في أعمال سينمائية، لكنهم غير مؤهلين لكي يكونوا أعضاء في لجنة تحكيم، لأن وعيهم بسيط جدا، فلايمتلكون رصيدا ثقافيا يؤهلهم للتقييم والتحكيم النقدي. كما أن الشهادة الأكاديمة لن تكون معيارا حتى يصبح (س) من الأشخاص عضوا في لجنة تحكيم،لأن هناك الكثير ممن يحملون شهادة أكاديمية في السينما، لكن الشهادة بالنسبة لهم ، مجرد وسيلة للحصول على وظيفة تؤمن لهم عيشة مريحة لا أكثر  .

إضافة إلى ذلك، أن تكون بوظيفة مؤرشف للفن السينمائي،هذا لايعني أنك مؤهل لكي تكون عضوا أو رئيس لجنة تحكيم، لأن عمل المؤرشف يقتصر على جمع وفرز وتنظيم الوثائق المتعلقة بالنشاط السينمائي فقط ، لكي يصبح  عمل الباحثين والنقاد والدراسين سهلا عند عودتهم إليها لقراءتها وتحليلها، والخروج بقناعات واستنتاجات لها صلة بموضوع البحث الذي يشتغل عليه كل واحد منهم، بمعنى أن عمل الناقد أبعد بكثير من عمل الموظف المؤرشِف، باعتبار الناقد  يتحمل مسؤولية تفكيك العناصر الجمالية في الفيلم ،وما انحاز إليه المخرج من تقنيات لتأسيس خطابه الفني والفلسفي ،ويصعب على المؤرشف القيام بمثل هذه المهمة .

الحصان قبل العربة  

افتقد مهرجان نينوى السينمائي بدورته الأولى التي أقيمت مطلع شهر شباط (فبراير) 2025 إلى مبررات وجوده على الأقل  في الوقت الحاضر،لأن المدينة ليس فيها أي نتاج سينمائي وتفتقر بشكل مطلق للبنى التحتية التي تساهم في قيام نشاط وانتاج سينمائي ، فكيف إذا كان المهرجان دوليا ..!؟

وبدل أن تذهب الأموال التي خصصت لإقامته ، كان من الأجدى أن يتم العمل على تأسيس ورش تعليمية احترافية لصناعة الفيلم ،يحاضر فيها مختصون ،من المخرجين وكتاب السيناريو ومدراء التصوير ومدراء الانتاج ،لفترة لاتقل عن ثلاثة أسابيع ،ينخرط في هذه الورش  الشباب الموهوب، ممن يرغبون العمل في ميدان الفن السينمائي، ومن ثم يتولى المشاركون كتابة سيناريوهات والاشتغال على تنفيذها، عندها تصبح فكرة أقامة مهرجان خاص بهذه الأفلام أمرا ضروريا ولابد منه. بذلك يتم اكتشاف ودعم المواهب ورعايتها،وبناء أرضية مادية لقيام صناعة سينمائية، بمعنى ، لابد من العمل وفق قاعدة (الحصان قبل العربة) وليس العكس .

للأسف ذهبت الأموال التي تم صرفها على المهرجان دون جدوى،وإذا ما ما تم الاستمرار وفق هذه الصيغة فلن يكون هناك قاعدة سينمائية في نينوى ، خاصة وأن وزير الثقافة العراقي عند افتتاح المهرجان قال “نسعى أن تكون الموصل عاصمة للسينما في العراق” .

على وزارة الثقافة أن تعيد النظر في أوليات وأهداف المهرجان،إضافة إلى  مهرجانات أخرى تقام في عدد من محافظات العراق،ومن الأفضل عدم الإصرار على كلمة(الدولي) في العنوان الرئيس للمهرجان،لأنها تفتقر إلى المبررات المنطقية ،خاصة وأن هناك مهرجانات عريقة في عواصم العالم المتقدمة في الانتاد السينمائي ،مثل كان، وبرلين ، وفينسيا ،وكارلو فيفاري، إضافة إلى مهرجان الأوسكار، كلها  تخلو من كلمة (دولي) , وشتان بين مهرجاننا وتلك المهرجانات .


مشاهدات 81
الكاتب مروان ياسين الدليمي
أضيف 2025/02/21 - 11:56 PM
آخر تحديث 2025/02/22 - 1:34 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 328 الشهر 11964 الكلي 10407335
الوقت الآن
السبت 2025/2/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير