حقوق الملكية الفكرية ونقص الملاك أبرز تحدّيات دار المأمون
عبد العادل لـ (الزمان): المترجمون بحاجة إلى شمولهم بالجوائز الأدبية
عبد اللطيف الموسوي
دعت المدير العام لدار المأمون للترجمة والنشر إشراق عبد العادل الحكومة إلى التفاتة منصفة لحقل الترجمة تتناسب مع ما يبذله المترجمون من جهود جبارة ليؤدوا بنجاح رسالة الترجمة السامية في التواصل المعرفي بين الشعوب وتلاقح الثقافات .
مشروع ثقافي
وأكدت عبد العادل في حوار مع (الزمان) عزم دار المأمون على المضي قدمًا في مشروعها الثقافي والتنويري برغم الصعوبات، كاشفة عن ملامح خطة الدار لسنة 2025 وسعيها لتطوير الأداء ومواصلة النجاحات التي حققتها الدار خلال السنوات الماضية.
وفي ما يأتي نص الحوار:
أعيد تكليفك بإدارة دار المأمون قبل أشهر قليلة بعد أن كنتِ مديرًا عامًا لدار الكتب والوثائق العراقية، ما المشاعر الأولية التي انتابتك وأنت ابنة الدار؟
- لم تغب دار المأمون عن بالي طوال المدة التي قضيتها في دار الكتب، مع أن دار الكتب تحمل الهوية نفسها، فهي أيضًا تتعامل مع الكتاب ولها خصوصيتها وأهميتها الكبرى لكونها تعبّر عن ذاكرة العراق، إذ إن كل كتاب يصدر في العراق ينتهي في خزانة دار الكتب. وكان النصيب الأكبر لدار المأمون من هذه الخزانة على مستويين، مستوى الحفظ وفائدة الباحثين الذين يترددون على المكتبة الوطنية من كل أنحاء العراق والعالم، وكان ثمة صدى لدار المأمون في داخلي بأدق تفاصيلها طيلة أيام إدارتي لدار الكتب .
ما الفارق الذي لمستيه في العمل بين الدائرتين؟
- هناك علاقة مستديمة بين الدائرتين فالرقم الإبداعي الذي يحمله أي كتاب يصدر عن دار المأمون لابد أن يكون مصدره دار الكتب، إذًا فثمة علاقة مشتركة بينهما لكن مسؤولية دار الكتب مختلفة تمامًا فهي أكبر وأدق لأنها تتعامل مع ذاكرة العراق على مستوى الوثيقة ومستوى الكتاب ومع كل ما أنتجه الفكر العراقي المعاصر، ولها خصوصيتها بداخلي حيث أقمنا وفعّلنا أنشطة علمية وثقافية مختلفة سعيًا منا لتأخذ هذه المؤسسة المهمة مكانتها الحقيقية في الواقع العراقي. وأحببت العمل في دار الكتب وتركت أثرًا جميلًا في نفسي لأنها تلخص تاريخنا من جهة, ومن جهة اخرى تعلمت منها الكثير مما يمكن تعلمه عن خارطة طريق أي كتاب عراقي بدءًا من كتابة رقم الإيداع عليه ومن ثم تصنيفه وحفظه. هي دائرة مهمة أدارتها رموز عراقية كبيرة نفخر بهم جميعًا. أما على المستوى الشخصي فإن دار المأمون هي بيتي الأول وكل المهارات التي اكتسبتها على مستوى الترجمة كانت بالتأكيد من خلالها، لذلك عندما عدت إلى دار المأمون باشرت عملي وكأنني غادرتها للتو.
وما الشيء الذي سعيت إلى تغييره عند تسلمك المسؤولية؟
-الحقيقة أنني عند تسلمي مهام مدير عام دار المأمون قبل سنوات قررت منذ اليوم الأول أن أعمل على إجراء تغيير على المستوى الفني والإداري في الدار. وقد رسمت خطة تتضمن زيادة نتاج الدار وتطويره ليرتقي إلى اسم دار المأمون العريقة بهدف الوصول إلى الصورة الزاهية التي أحملها في داخلي عنها.
وثمة أمر آخر سعيت إلى تحقيقه يتمثل بضرورة مواكبة تطورات الحركة الثقافية ودور النشر وحركة السوق أيضًا، فنحن جزء من المشهد الثقافي وفي قلب سوق النشر ونواجه تحديات وصعوبات وعلينا أن نتمتع بإرادة قوية لتجاوزها فكانت العناوين التي أصدرتها الدار هي أول مؤشرات التغيير، الذي امتد ليشمل الجانب الفني.
مجموعة كبيرة
وقد أثمرت عملية التغيير عن مجموعة كبيرة من الأنشطة ومن ضمنها كتبنا النوعية التي صدرت في سنتي 2021 و2022 بالإضافة إلى تنفيذنا مبادرة ترجمة مئة كتاب التي اقترحتها الوزارة والحمد لله نجحنا في تخطي التحديات التي واجهتنا في حينه.
تتكلمين بثقة، فمن أين جاءت هذه الثقة؟
- مردّ هذه الثقة إلى كوني مختصة بالترجمة، هذا أولًا. وثانيًا إن عملية صناعة الكتاب المترجم تستهويني ، وكذلك تستهويني عملية النشر، ومتابِعة لعالم النشر وسوق العناوين. وما ساعدني في مهمتي أنني تسلمت مسؤولية الدار وأنا أعرف ظروفها ووضعها، فقد كان بإمكاني إيجاد بدائل، إذا ما عجز قسم معين عن أداء مهمة ما فهناك خيارات أخرى. حتى إن بعض القوانين والتعليمات التي تخضع إليها المؤسسات الحكومية أرى أنها تعليمات مرنة وكل ما على المدير التصرف بها واستثمارها، فالقوانين التي ربما تكون شماعة للبعض أرى أنها تتيح لنا احيانا فرصًا للإبداع والتعاون مع مؤسسات أخرى والانفتاح على عالم آخر وخطط جديدة. ولكن بسبب خصوصية دار المأمون لكونها دار ترجمة ونشر خاضعة لموجة جديدة من الأفكار التي تجتاح العالم يوميًا فكان علينا أن نثابر من أجل النهوض بها وباسمها لعراقتها.
حدثينا عن خطتكم لعام 2025 وأبرز ملامحها؟
- هي امتداد لخطة العام 2024 مع طموحات عالية بتطوير الأداء، وهنا لا بد من الاشارة الى أن تنفيذ الخطة وتطويرها بحاجة إلى تخصيصات.
مع الأخذ بالحسبان إن الأمور المالية اليوم أفضل بكثير من السنوات السابقة، بدليل أن الدار وفرت دورات للمترجمين في داخل العراق وخارجه بهدف تطوير مهاراتهم. وبالنتيجة هذا الأمر ينعكس ايجابيًا على نتاجنا من الكتب والدوريات بالدار. وبالعودة إلى الخطة فهي تتضمن مواصلة عملية التحول الرقمي الذي رُصدت له مبالغ كافية من أجل تنفيذه. وأعتقد إن دار المأمون كانت تتعامل بهذا الجانب قبل أن تصدر توجيهات رسمية للوزارات بتنفيذه. وهكذا فنحن نسعى إلى إكمال خطة الأتمتة هذا عام 2025، بعد أن بدأنا بالأقسام الإدارية في العام الماضي. وقد أنجزنا بالفعل أتمتة الجانب الإداري واليوم نحن نعتمد الدفع الالكتروني والجباية الالكترونية كما لبينا متطلبات بوابة أور الالكترونية. كما نحاول في خطتنا تكريس هوية الترجمة في الدار بشكل أكبر وتقريب المسافة بيننا وبين المثقف المجتمع وتنمية علاقته بالترجمة.
* ماذا يمثل لك نجاح الدار في إشراك المترجمين بدورات تدريبية خارج العراق في الآونة الاخيرة ؟
- ببساطة أقول إن توفر الدورات يعني بشكل عام توفر الدعم للموظف، وكذلك فإن إقامة المعارض شهدت توسعًا فنحن نقيم معارض كتب وقتية في معظم المؤتمرات والنشاطات الثقافية والعلمية. وهذا يعني أن لنا إسهامًا في الثقافة المجتمعية إذ أن الهدف من إقامة المعارض على هامش المؤتمرات لا يقتصر على الترويج لكتبنا، وإنما المشاركة في هذه التظاهرات الثقافية، إذ أن انضواءنا تحت خيمة معرض كبير مثل معرض بغداد الدولي، في سبيل المثال لا الحصر، وغيره من المعارض الدولية يعني إسهامنا في سلسلة اللقاءات والأنشطة الثقافية النوعية التي تشهدها تلك المعارض والتي ننتظرها سنويا للقاء بشخصيات وبالجمهور الذي يتمثل بالعائلة العراقية التي يحضر أفرادها ليتعرفوا على عناوين دار المأمون وبهذه الطريقة يتشكل الوعي الثقافي المجتمعي. كما أن معارض الكتاب تتيح لنا التعرف إلى عقلية القارئ العراقي والعربي وما الذي يحتاج إليه الآن وما إذا كان يفضّل الكتب الأدبية كما هو الحال في ثمانينيات القرن المنصرم ، عندما عرفت الدار في حينه بإصدار مثل تلك الكتب، أم هو يرنو الى كتب في حقول أخرى مثل التنمية المستدامة والذكاء الاصطناعي وغيرهما. كما تتضمن الخطة مواصلة إصدار ثلاث مجلات ثقافية فصلية هي المأمون الصادرة باللغة العربية وگلگامش بالانكليزية وبغداد بالفرنسية وجريدة المترجم العراقي الشهرية، وإقامة ندوات شهرية يحاضر فيها أكاديميون ومترجمون وباحثون متمرسون، وكذلك تنظيم دورات بلغات ومستويات مختلفة تستهدف منتسبي مؤسسات الدولة وهي مستمرة ونعمل على تطويرها بالخطة الجديدة من خلال اختيار أساتذة أكفاء. ولكن إذا ما نظرنا لواقع الدار فأني أرى أنها بحاجة إلى التفاتة حكومية.
* الالتفاتة الحكومية التي أشرت إليها هل مردها إلى قلة التخصيصات؟
- واقع الحال يشي بأن دار المأمون تحتاج إلى دعم كبير، خصوصا أننا أمام تحدٍ مهم، وهو تحد لا أتمنى له أن يكون مزمنًا، ونحن نعمل على تخطيه بالاتفاق مع الوزارة وبدعم منها. يتمثل هذه التحدي بالحاجة إلى ترجمة العناوين الحديثة التي تصدر عن دور النشر العالمية، خصوصًا أن دور النشر هذه أصبح نتاجها لحظويًا، لذلك نسعى إلى تجاوز مشكلة صعوبة شراء حقوق الملكية الفكرية وبهذا الشأن نحن نحتاج لدعم على المستويين المادي والتشريعي ونحن نعمل على هذا الأمر الآن بدعم من وزارة الثقافة وبدعم مباشر من وزير الثقافة.
* كيف ترين دعم الوزير لكم؟
- دعم السيد الوزير الأستاذ الدكتور أحمد فكاك البدراني للدار متواصل ومهم، فكثير من مشاريعنا تنجز بدعم مباشر منه خصوصًا الدورات التدريبية التي أقيمت في جامعة الموصل في النصف الثاني من العام الماضي بالإضافة إلى توجيهاته القيمة ولا سيما بخصوص المجلات وعناوين الكتب التي تصدر عن الدار. وهو يواصل دعم موظفي الدار ومترجميها بكل ما يستطيع وبكامل الصلاحيات التي يمتلكها بالإضافة إلى حرصه على إقامة معارضنا وديمومة مشاركاتنا في المعارض الدولية التي تقام خارج العراق التي كان لها صداها الكبير، وقد لمست أن كتب دار المأمون ودار الشؤون الثقافية العامة دائما ما نكون محط أنظار القارئ العربي.
* ثمة سؤال مهم يتعلق بحوافز موظفي وزارة الثقافة ومن ضمنهم موظفو دار المأمون ، فنحن نعرف أن الوزارة فقيرة، فهل تلوح في الأفق بادرة خير؟
- أشكرك على هذا السؤال وأنتهز الفرصة لألفت نظر القائمين على الثقافة إلى أن المترجم يبذل جهدًا جبارًا ليؤدي مهامه على أفضل وجه، إذ تتطلب عملية الترجمة القيام بوظائف ذهنية شاقة جدًا، لذلك نرى أن من حق المترجم أن يحظى براتب جيد أو مخصصات مالية لأنه يحمل عقلية منتجة لثقافة أخرى بلغة جديدة، وعليه يحتاج المترجم إلى دعم كبير ومباشر من الدولة. وبهذه المناسبة أتمنى على الحكومة أن تلتفت إلى حقل الترجمة فتنصف هذا القطاع المهم، إذ أن التجربة العراقية، على مر العصور، تشي بأن حركة الترجمة انطلقت من العراق عبر عصورها المختلفة وتحديدًا من عاصمة العلماء والمفكرين بغداد وهي قد أسهمت في نشوء النهضة العالمية كما أسهمت في نهضة العراق على مستويات عدة. ولهذا السبب أدعو إلى الاهتمام بطبيعة بوضع المترجمين العراقيين المالي كونهم عقولًا إبداعية وكفاءات جديرة بالعرفان والاهتمام بتخصيص جوائز مالية أو شمولهم بالجوائز الابداعية التي تحسّن من مردوداتهم المالية بما يكافئ خدماتهم الثقافية التي أثرت المكتبات العربية والعراقية.
* ماذا عن تواصلكم مع المتلقي؟
- من ايجابيات وسائل التواصل الحديثة أنها تتيح تلقي آراء القراء العراقيين والعرب وبعض الباحثين والمترجمين الاجانب بشكل مباشر، ولذلك فنحن على إطلاع على آراء القراء بكل ما يتعلق بعملنا ومنجزنا ونحن نحترم رأي القارئ ونأخذ به باستمرار. وغالبًا ما تتمحور الآراء بخصوص نوعية العناوين والمحتوى وهناك من يطلب ترجمة كتب بحقل معين. واحيانًا يكون للمتلقي أيضًا رأي في الرؤية البصرية لأغلفة كتبنا. وفعلا أن بعض الآراء مناسبة جدا لدرجة أننا نأخذ بها. وبالإضافة إلى رغبات الجمهور فأنّ الواقع أصبح يفرض علينا حقولًا جديدة. وقد انفتحنا على حقول ومواضيع مختلفة مثل الدراسات المتعلقة بالإبادة والكرامة والاقتصاد والعلوم الاجتماعية وعلم النفس والفلسفة والأنثروبولوجي بعد أن كانت الدار تركز على الميدان الأدبي، خصوصًا بعد إعادة تفعيل الهيئة الاستشارية التي تختار عناوين الدار وهي تضم خيرة الاكاديميين والخبراء المعنيين بالترجمة في العراق وهذه من أولى الخطوات لتي أعدت العمل بها بعد عودتي لدار المأمون.
* وهل تفكرون بإجراء تغيير ما على الإخراج الفني للكتب ؟ - هناك من أبدى اعتراضه على أغلفة كتبنا والاخراج الفني الذي نعتمده، لكن الرؤية البصرية التي ميزتنا عن الآخرين كان لها الحضور الواضح، فبدأ القراء يتعرفون على إصدارات وزارة الثقافة من خلال اغلفة كتب دوائرها لكونها تحمل الرؤية البصرية نفسها. ويتجلى هذا الأمر عندما نشارك بمعارض الكتب فبمجرد أن يرى الزائر اغلفة كتبنا يعرف أن هذه الكتب من إصدارات وزارة الثقافة. مع ذلك نحن نشتغل كثيرًا على أغلفة الكتب وعناوينها وقد عملنا على إدخال بعض اللمسات الفنية التي يقترحها المصممون رغم وحدة التصميم التي ينبغي لنا الالتزام بها مع بقية دور النشر التابعة للوزارة.
* في ما يتعلق بالمجلات والجريدة الصادرة عن الدار، هل لديكم رؤية معينة لديمومة صدورها ورقيًا رغم قلة التخصيصات؟
- هي الآن تصدر ورقيًا بانتظام بعد أن كانت إلكترونية في العامين الماضيين 2023 و 2024. وعند عودتي إلى إدارة الدار حرصت على استمرار صدور دورياتنا ورقيًا بالإضافة الى صدورها إلكترونيًا من أجل أن تصل للقارئ بالطريقة التي يفضلها .
* وهل في النية مراجعة موقعكم الالكتروني وتطويره ليتناسب مع التغيرات المتسارعة وكذلك بقية صفحاتكم على منصات التواصل الاجتماعي ؟
- نحن نعاني من نقص في الملاكات العاملة جراء توقف التعيين الحكومي مقابل تقاعد ذوي الخبرة بأعمار مبكرة بعد تعديل قانون التقاعد وبالنتيجة تنقص الكفاءات. بعض النقص يمكن سده بعناصر من خارج الدار مثل عملية الترجمة إذ يمكننا الاستعانة بمترجمين خارجين لديمومة صدور الكتب والمجلات برغم تداعيات ذلك. أما الجانب الإداري والمحاسبي وكذلك بعض الاقسام التي لا يمكن أن تمضي في عملها بانسيابية دون وجود أفراد عاملين ضمن ملاك الدار فتبدو الصعوبة أوضح، ومع ذلك نحن نعمل بما موجود ونبحث عن بدائل.