الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الحب لا يختزل بيومٍ

بواسطة azzaman

الحب لا يختزل بيومٍ

نهله الدراجي

 

تتسابق الكلمات لتلامس ذلك الشعور السامي الذي لطالما ألهم الشعراء ولامس مشاعر العشاق، إنه الحب.. ذلك الشعور الإنساني العميق، وربما تناسينا وسط انشغالات الحياة. الإحساس الذي لا يحتاج إلى تقويم يحدده، ولا إلى مناسبة تذكرنا به.. في الرابع عشر من هذا الشهر، يتجدد الحديث عن عيد الحب، وتتزين واجهات المحلات بالقلوب الحمراء، وتمتلئ الشوارع بعبق الورود، معلنةً قدوم ما يُسمى بيوم الحب، وكأن العاطفة تحتاج إلى تصريح سنوي بالوجود، وكأن المشاعر يجب أن تُحصر في يوم واحد لتُمنح حقها في الظهور. لنتساءل هنا: هل الحب مجرد لحظة احتفالية عابرة؟ أم أنه أعمق وأشمل من أن يُختزل في مناسبة؟ 

الحب، ذلك الشعور الذي لا يمكن حصره في علاقة عاطفية بين رجل وامرأة، بل هو مفهوم أوسع وأعمق، يتجلى في كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا. إنه الحب الذي يجب أن نحمله تجاه ذواتنا، وعائلاتنا، وأصدقائنا، حتى تجاه الغرباء الذين يجمعنا وإياهم هذا الوجود. لكنه، وللأسف، أضحى اليوم مقصورًا على صور معينة، محصورًا في إطار المشاعر الرومانسية، رغم أن جوهره الحقيقي يتعدى ذلك بكثير.  لو تأملنا في واقعنا، لوجدنا أن الحب لم يعد مجرد شعور، بل تحول إلى رفاهية في زمن يضج بالصراعات والضغوطات. أصبحنا بحاجة إلى جرأة لنحكي عن الحب وسط عالم يئن تحت ثقل الحقد والمصالح، وكأن المحبة باتت شعوراً نادراً، لا يجدر بنا الحديث عنه إلا في مناسبات محددة. لماذا ننتظر ما يُسمى بعيد الحب كي نتذكر الحب؟ ولماذا لا نعيشه كل يوم، في كل لحظة، ونجعل منه أسلوب حياة ينعكس في سلوكياتنا؟ 

ففي زمن تآكلت فيه القيم الإنسانية، صار الحب أشبه بمفهوم غريب، غير مستساغ لدى البعض، كأنه رفاهية لا يحق للجميع امتلاكها. لكنه في الحقيقة ضرورة، بل ربما هو آخر ما تبقى لنا لنحافظ على إنسانيتنا وسط هذا العالم المليء بالإحباط والخذلان. إن الحب ليس مجرد كلمات تُقال، أو هدايا تُقدم في يوم معين، بل هو فعل مستمر، يتجلى في الاحترام، في التقدير، في العطاء بلا مقابل، في أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع من حولنا. الحب هو أن نمنح الأمل لمن فقده، وأن نكون سندًا لمن يحتاج إلينا، أن نؤمن بأن الخير لا يزال موجودًا رغم كل ما يحيط بنا من تعقيدات. فإن كان هناك ما يستحق أن نحتفل به، فهو أن نعيد للحب مكانته الحقيقية، التي تجعلنا أكثر إنسانية، وأكثر تسامحًا، وأكثر قدرة على رؤية الجمال في عالم يحاول أحيانًا أن يخفي نوره خلف غيوم الحزن والألم، أن نحرره من قيود التواريخ، أن نسمح له بالوجود في كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا، في تعاملاتنا اليومية، في كلماتنا، في أفعالنا، ولعل أجمل ما يمكن أن نفعله هو أن نجعل كل أيامنا مليئة بالحب، بلا انتظار ليوم محدد، وبلا توقيت مسبق. لأن الحب لا يحتاج إلى موعد، بل يحتاج فقط إلى قلوب بيضاء نقية تنبض به، وتؤمن بأنه وحده قادر على إعادة الروح إلى هذا العالم.

 


مشاهدات 112
الكاتب نهله الدراجي
أضيف 2025/02/15 - 2:50 PM
آخر تحديث 2025/02/22 - 8:19 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 292 الشهر 11928 الكلي 10407299
الوقت الآن
السبت 2025/2/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير