رزاق النجار.. رباعية القلق والدروشة والشغب والخرافة
•ماذا قال عنه زكي خيري وكيف قُتل في بيروت
عادل سعد
•لا يمكنك ان تقتحم قناعاته ،او تبتئس منه ،ولن تستطيع ان تهميش علاقاتك إن كنت على معرفةٍ به .
•تراوحَ حضوره بين متوالية بشر الحافي ، الشاعرالعربي صاحب نظرية (أذا أعجبك الكلام أصمت ،واذا اعجبك الصمت تكلم ) ، ونضارة مثقف متمرسٍ ، بل صمود نخلةٍ عراقيةٍ جنوبية بوجه الغبار والعث .
•عَرفَتهُ الناصرية في سبعينيات القرن الماض ،يتسلل الى مقهى ابو احمد ، أو يقف امام مكتبة جبوري ، أو يحتسي الشاي في مقهى ابو زيد ، أو يتكوم على مصطبة في مواجهة مع الفرات تستغرق عدة ساعات ،يتداول هو الفراغ بشأن صخب الصمت ومتى يصاب النبيذ بالعفونة .
•يستطيع ان يستدرجك الى نقاش عن القيم الاشتراكية ، كيف يمكنها ان تصلح النفوس وتديم المعروف وتطّهر الطموح الانساني من رجس الاحتكار والتظليل وشراء المواقف . بل وكيف تنتظم المساواه
•عفيفُ يترفع عن الطموح مهما كانت الاغراءات ، مشروعُ مقاتل برسم التجهيز ، لايعرف الكلل وفي الوقت نفسه مستعداً أن يكون بائع ازهار متجول يأسرك في وداعتهِ
• رزاق النجار ، كل الذي عرفوه لم يعرفوه ، تستطيع ان تجد ملامحه في قصة من قصص ديستوفسكي ، أو تلويحات الوجود والعدم لسارتر وتستطيع ان ترسم له معالم من شخصيات اسطورية نادرة ،سومريا بمقامات خرافية يحكمها الاسى والاشتباه .
• لقد عركته الازمان والادوار ،ومن القلائل الذين لوحت الاقدار حياتهم فغابوا على مشارف صوفية وتناقضات متماسكة في تضامها
•ماذا حل بهذا النجار الذي لم اجده في يوم من الايام يحمل مسماراً ،أو مطرقة ، بل حزمة من الكتب النادرة يتصفح مضامينها ، يتصرف
كمهندسٍ بارعٍ في المزج بين الابتسامات والصرامة ،رجل ممسوس ، أو ساذج الطلعة ، صاحب فطرةٍ مزين بالعفوية ،أوعالم بصريات .
•هناك معلومات متضاربة عن مسيرته ، لكن ثمة وقائع لا شكوك بشأن صحتها ، يساريته المفرطة ، دخوله سجن بعقوبة بتهمة الانتماء الى الحزب ااشيوعي ،وهناك تعرف على زكي خيري عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي انذاك وجرت بينهم مداولات عديدة دفعت خيري الى وصفه بالفيلسوف المشاغب
•من المعلومات الموثقة الغريبة عنه ، أنه أمضى جزءاً من حياته يمشي حافيا تماماً ،وبملابس رثة توجهه الى سنجارفي محافظ نينوى ، ويقال أنه ادى طقوس الطواف حول معبد (لالش) في قضاء شيخان متتبعا حركة الشمس لكن عهدة الراوي عن هذا الطواف غير مؤكدة .
• صاحب سوابق في تهريب وجوده بين غيبات اشدها يوم جمع نفسه وانتمى الى المقاومة الفلسطينية مقاتلا شرسا شارك في اقتحام.ٍ واحدٍ على الاقل داخل الجليل الفلسطيني .
•لم تنتزعه يساريته عن مسحة غنوصية دينية غامضة ، كيف استطاع المزج بين الاثنين ،لا مجال للمناقشة في ذلك ،أما السؤال الاكثر تعقيداً ، كيف استطاع ان يوظف اطلالات الامام على بن أبي طالب ومكاشفآت كارل ماركس و تصوف الحلاج في مزيج معرفي خاص به
•كان صديقا لكل مثقفي الناصرية ، لكنه حظي بعلاقة صداقةٍ وثيقةٍ مع عزيز السيد جاسم الذي تطوع لرعايته اقتصادياً في اكثر من دالة واحدة ، وكذلك مع النبيل الجنوبي حميد غني( ابولمى) الذي مازالت ذاكرته ارشيفاً مبرمجاً عن اغلب احوال المدينة وازماتها ومشاكسات مثقفيها وشهامة فراتها وأنتظاراتها الطويلة لأملٍ لم يفلح أحد في الامساك به .
•لقد عاش رزاق النجار بين القلق والدروشة واللوثات المتكررة ،وفي ساعة احتدام مناقشة تم قتله في لبنان على هامش تجاذب جدلي بين الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش والجبهة الديمقراطية بقيادة نايف حواتمه ودفن في لبنان ، وقد رثاه احد الشعراء اللبنانيين بقصيدة تحت مسمى النبيل العراقي الاسمر .