الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ما تبقى من الربع الأخير

بواسطة azzaman

ما تبقى من الربع الأخير

سامي ال كــــصاد

 

بالأمس كنا أطفالاً صغاراً، واليوم تغيّرت ملامحنا وغادرنا الشباب، ولم تعد عافيتنا كما كانت. بدأنا نتساءل فيما بيننا: أين ذهبت تلك السنوات من العمر؟!

نعلم جيداً أننا عشنا تلك السنوات بحلوها ومرها، بأمانيها وأحلامها، ولكننا فوجئنا أننا في الربع الأخير من العمر. واكتشفنا، بل دهشنا، أننا نقترب من نهاياتنا، وكأن قطار العمر يسير بسرعة جنونية، ونحن في ذهول: أين ذهبت تلك السنين؟

أين رحلة سنين العمر؟ ولماذا تغيّرت ملامح الوجه بعد أن غادرها ماء الشباب الذي كان يغطيها حيوية وجمالاً؟ أين روح العمر في الربع الأول؟ ولماذا كنا نعتقد أن الشيخوخة بعيدة عنا كل البعد؟ وعندما وصلنا إلى الربع الأخير، لم يخطر ببالنا أننا سنصل إليه يوماً ما.

لكن... ها هو الربع الأخير قد اقتحم أبوابنا، وتجاوز عتباتنا، وسلب شبابنا، وأخذ مأخذه منا. أصدقاؤنا معظمهم أصبحوا متقاعدين، وقد تقدّم بهم العمر شيباً. المرض لا يفارقهم، حركتهم بطيئة، وسمعهم ضعيف، ويفهمون بصعوبة. بعضهم أفضل حالاً مني، وبعضهم أسوأ، لكن في المجمل أرى كيف تغيرت أجسامهم وأشكالهم، فلم يعودوا كما كنت أتذكرهم.

الغريب في الأمر أن الأشخاص الذين اعتدنا رؤيتهم في الشيخوخة لم نتخيل أننا سنكون مثلهم يوماً ما.

هدف حقيقي

اليوم، أصبح مجرد الاستحمام هدفاً حقيقياً لليوم، والقيلولة لم تعد اختيارية، بل أصبحت إلزامية. نغفو حين نجلس، ونكتفي بساعة أو ساعتين من النوم في الليل الطويل. الأدوية قرب الوسادة، والتعب لا يفارق أجسادنا.

بعد أن دخلنا في الموسم الأخير من حياتنا، كثرت الأوجاع والآلام، وفقدنا القدرة على القيام بأشياء كنا نتمنى فعلها. اكتشفنا أننا أهدرنا فرصاً عديدة لتحقيق أمانينا، لكننا ندرك أيضاً أن هناك الكثير من الأشياء التي أسعدتنا في الماضي.

لذا، أحببت أن أذكرك، يا عزيزي القارئ، أن الربع الأخير من العمر سيأتيك أسرع مما تتوقع. عليك أن تسرع في تحقيق ما تتمناه في حياتك. ما ترغب في تحقيقه... افعله اليوم، بل الآن. عش يومك بشكل جيد، تمتع وكن سعيداً.

تذكر أن الصحة هي الثروة الحقيقية، وليست المال أو الجاه أو القصور الفارهة أو المناصب. والأهم من كل ذلك هو الاقتراب من الله تبارك وتعالى بكل جوارحك، والابتعاد عن مغريات الحياة وأطماعها وغرورها.

ضع في اعتبارك أن الخروج من البيت جميل، لكن العودة إليه أجمل بكثير. واعلم أنك ستنسى الأسماء، لأن بعض الناس قد نسوا أنك تعرفهم. ستكتشف أن الأشياء التي كنت تهتم بها لم تعد تهمك كما في السابق. النوم على الكرسي أو الأرض أثناء مشاهدة التلفاز سيصبح أفضل من النوم على سريرك.

عندما يتحدث معك الآخرون، ستكتفي بكلمات قصيرة: نعم، لا، ماذا؟ متى؟. ستتحسر على الملابس الكثيرة التي في خزانتك، وربما لم ترتدِ نصفها.

كل شيء قديم سيصبح ذا قيمة كبيرة في حياتك. ستشتاق للأغاني القديمة لأنها تذكرك بأيام الصبا، ولأماكن الشباب، ومسقط الرأس، والشارع، والمحلة، والمدينة. ستشتاق لأكلات أمك أيام زمان، وللجلوس بين إخوتك وأسرتك، وللأصدقاء القدامى.

كل هذه الأشياء تذكرك بالماضي الجميل الذي لا يعود. رحم الله أيام زمان.

وأخيراً، كما قال العالم بيرغ: *»نحن نعلم جيداً أننا لن نستطيع أن نضيف وقتاً إلى حياتنا، ولكن يمكننا أن نضيف حياة إلى وقت

 


مشاهدات 161
الكاتب سامي ال كــــصاد
أضيف 2025/01/29 - 4:13 PM
آخر تحديث 2025/01/30 - 8:17 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 407 الشهر 14864 الكلي 10294829
الوقت الآن
الخميس 2025/1/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير