ديكور بعنوان التداول السلمي للسلطة
عبدالمنعم الاعسم
يبدو ان مفهوم التداول السلمي للسلطة في بلادنا صار شعارا فارغا من اي معنى، أو ديكورا لخداع السّذج من المارة، على الرغم من انه مُثبّت في نص دستوري صريح، حيث جاء في المادة السادسة: “يتم تداول السلطة سلميا عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور” في حين لم يترك المسؤول الاول موقعه من دون تشبث وعناد وتهديد ووعيد، وحتى الزعم باحترام الدستور والادعاء بحمايته من العبث.
ومنذ حين تجري مناقشات وتنعقد ندوات لجهة البحث في ترجمة التداول السلمي للسلطة بوصفها الركن الاساسي للسلم الاهلي، وذلك بالاشارة الى تفاهمات سبقت تشكيل حكومة محمد شياع السوداني بوجوب الالتزام باعتبارها حكومة انتخابات مبكرة، بدورٍ حيادي، غير مشارك فيها من موقع الولاية، ويلاحظ ان تلك التفاهمات يجري دسها تحت بساط صفقات ذات روائح غير طيبة، ومحاولات الانقلاب عليها، كما حدث ويحدث دائما.
وعلى خلفية هذه المفارقة يمكن تأشير ان فكرة وثقافة وقيم ونصوص التداول السلمي للسلطة، كاحد اركان الدستور الاساسية، لم تترسخ في العملية السياسية، بل تفننت اطراف هذه العملية في تشويه مبدأ دولة المؤسسات واحلت محلها دولة المكونات والمحاصصة، والى ابعد من ذلك، فان هذا المبدأ لا تطبيق له في تجربة الحكومات طوال مائة عام، وبدت في مراحل كثيرة (حكم الانقلابات والتدخلات الخارجية) كفكرة او دعوة تآمرية، ولم تقترب من الدساتير (او الدساتير المؤقتة) باستثناء الاشارة اليها، كمطالب او تعهدات شكلية، فيما تعرضت، خلال التطبيق، الى تحديات من مصدرين، الاول، من الصراع (وقل: من الهوس) الشرس للاستفراد بالسلطة واقصاء وتهميش المنافسين، وثانيا، من ظاهرة احتكار الزعامة في داخل الفئات السياسية، وحالات التزاحم غير الديمقراطية على مشيئة وارادة هذه الفئات، واحيانا الاقتتال عند خط الهيمنة على الرقم الاول فيها. وفي اكثر من منعطف من منعطفات السنوات العشر الماضية، برز الخلل في استيعاب مفهوم والتزامات التداول السلمي للسلطة، وغاب الاستعداد الفعلي لترجمة النص الدستوري ذي الصلة بشفافية انتقال السلطة بين الافراد او الجماعات، وعمت الفوضى في مطبخ الخيارات والتحالفات والزعامات والمحاصصات، وظهر جليا للعيان (وحتى الآن) بان التداول السلمي للسلطة لا يغادر الورق المكتوب عليه.. ونحن الآن في فصل خطير من هذا المسلسل، مع الاستدراك للتأكيد على ثلاثة حقائق (الاولى( ان العراق يعيش في بيئة اقليمية محكومة بسلطات اوليغارشية استبدادية من المرجعية الواحدة والحزب الواحد والعائلة الواحدة والفرد الواحد، والحقيقة (الثانية) ان اكثر الاسباب التي تقف وراء التشبث بالسلطة، والحيلولة دون تداولها سلميا، هو الخوف من ان يفتح “السلف” الحاكم ملف المخالفات والذنوب والمفاسد المسجلة على عهد “الخلف” المُزاح، و(الثالثة) ان البديل عن التداول السلمي للسلطة، سلطة عليا ابدية، تراكم الازمات في برميل ينفجر يوما.