أذن وعين
فلاديمير لينين.. ماذا بقي منه؟
عبد اللطيف السعدون
في زمن ما بعد (كورونا)، وفي ظل العولمة الشاملة فقدت أمجاد الماضي جاذبيتها وسحرها، وتداعت عظمة قادة ومؤسسين ورواد أمسكوا زمنا بيد التاريخ في أكثر من مكان في هذا الكوكب، ولم تعد كرنفالات الاحتفاء والاحتفال بالأحداث التي كانت «كبيرة» في تصنيف زمان سابق سوى مجرد خرائط لا لون لها ولا طعم لدول وأقوام وثورات وأيديولوجيات ووجوه سادت ثم بادت، وقد أصبح النبش في خطوط الطول والعرض فيها أشبه بتقليعة بلا لمعان ولا بريق!
في هذ السياق نتذكر الاحتفالية الباهتة في موسكو في ذكرى الميلاد المئة والخمسين لمطور النظرية الماركسية ومؤسس الاتحاد السوفياتي الرفيق فلاديمير ألييتشأوليانوف لينين الذي دخل التاريخ سياسيا ومنظرا وحاكما، وقبل ذلك وبعده، ثائرا ومقاوما ومتمردا الى أن قضى عليه ضرب من الجينات الموروثة، وهو في خمسينات العمر، وان كان هناك من يعتقد أن خليفته في الحزب والدولة جوزيف ستالين قد يكون هو الذي دبر مقتله اثر خلافهما على موضوعة تصدير الثورة أو ترسيخها في بلد واحد، وكذا الى ما تردد عن توصية منسوبة الى لينين ينصح فيها رفاقه بإزاحة ستالين، و»اختيار أحد مكانه أكثر صبرا، وأوفر أدبا، وأقل تقلبا»! خطط الشيوعيونالروس لتلك الاحتفالية لتكون حدثا ضخما يعيد التذكير بلينين، ويبشر بعودة مفترضة لتجربته لكن جائحة كورونا، في حينها، فرضت اختصارها الى ما يشبه فعالية «بروتوكولية» حضرها حشد صغير من المناصرين، وتخلف عنها آخرون، وقد حظيت الذكرى بقبضة بيانات خشبية من أحزاب شيوعية «شقيقة» في بلدان عدة، كما أعادت الى الأذهان دعوة بعض المناهضين للشيوعية لنقل رفاة الزعيم الشيوعي الراحل الى مكان آخر بعيدا عن الساحة الحمراء كضرب من ضروب «اجتثاث» رموز النظام السابق الذي دفعت به الى الانهيار وصفة إعادة البناء «البروسترويكا» التي أطلقها الشيوعي الأخير ميخائيل غورباتشوف.
الزعيم الضاحك
وهكذا ظلت ذكرى ولادة الزعيم الضاحك فلاديمير لينين، كما وصفه مرة صديقه الروائي مكسيم غوركي، محل تقديس لدى الجيل العجوز من الروس الذين سمعوا من آبائهم عن عظمة «الاتحاد السوفياتي» الذي يعتبر لينين المؤسس له، والذين يعتقدون، مثلهم مثل آخرين غيرهم في عالم اليوم، أن الأيديولوجيا الماركسية- اللينينية ما يزال لها مكان متقدم، وقد وضعوا عيونهم على تجربة الصين، وان اعتمدت خروجا آمنا من النظرية الأصل، وفككت فصولها بما يتفق وصنع نظام جديد يقترب من نموذج اقتصاد السوق، وكذا على تجربة «اليسار الجديد» التي نمت وترعرعت في القارة اللاتينية عبر توليفة من شعارات وسياسات فيها من «الشعبوية» والهشاشة أكثر من الوضوح والفعل وانكفأت بغياب أبرز قياداتها، ولضعف قدرة الدعاة الجدد على توظيف حراك اجتماعي يدعمها، أما الأجيال الجديدة الشابة في روسيا نفسها وفي العالم فلم تصل يدها لأبعد من كراسات صغيرة أو ملخصات بسيطة للتراث الماركسي، وبعضهم لم يجهد نفسه حتى بالتعرف على رواد الاشتراكية الأول، ونظرة عريضة لواقع الحركات والأحزاب الشيوعية في العالم تشي بما تعانيه من تراجعات وتناقضات جعلتها تفتقد جماهيرها التي اكتشفت في آخر المطاف أن الحياة لا تقاس بما تقوله الشعارات الثورية، وأن النظرية لا تكون خضراء دائما و»لأن الزمن لا ينتظر»، كما يقول لينين، فقد عمل الشيوعيون الروس على محاولة النفاذ الى الفضاء الاجتماعي والسياسي من جديد لكنهم أخفقوا في تحقيق ما يريدونه أكثر من مرة، وقد خرجوا بخفي حنين من عدة دورات انتخابية دون أن يتمكنوا من العودة الى قصر الكرملين.
يبقى في النهاية اسم الرفيق فلاديمير الييتشأوليانوف لينين الذي تمر ذكرى رحيله هذه الأيام، مضيئا، ولكن في الساحة الحمراء وحدها، وتبقى رفاته تستقبل أفرادا يقرأون السلام على عهد لم تبق منه في الذاكرة سوى خطوط معتمة.