الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الصديق علي الخرسان..وداعاً

بواسطة azzaman

الصديق علي الخرسان..وداعاً

عبد الحسين شعبان

 

رحل صباح هذا اليوم الصديق علي مهدي الخرسان «الموسوي»، وهو شقيق الأستاذ كاظم، الذي كان معلّمنا في مدرسة السلام الابتدائية، وهادي وحسن وعيسى أشقاؤه الثلاثة كانوا مرشدين في حضرة الإمام علي (ع)، إضافةً إلى والده السيد مهدي.

في مطلع الستينيات من القرن المنصرم، اجتمعنا في خلية حزبية واحدة، وأتذكّر أن أسمه الحزبي «وائل»، وكان معنا عبد الجبار رضا (ناهض)، وكوثر الواعظ (هيثم)، وطارق الصراف (خالد)، والمسؤول رحيم گاطع الغزالي. وقد اعتقل علي الخرسان قبيل انقلاب 8 شباط / فبراير 1963، كما اعتقل شقيقه حسن معه، وهو شيوعي أيضًا، وعضو في لجنة المدينة، التي كان مسؤولها الشهيد محمد موسى وسكرتير محلية النجف صاحب الحكيم. وكان علي الخرسان وقتها مكلفًا بتوزيع بيانات الحزب في مقاهي محلّة الجديدة علنًا، بشأن الدعوة للسلم في كردستان. وكان معه رفيق آخر يدخلان المقهى ويغلقان الأبواب ويوزّعان البيان ويتحدّثان إلى الحاضرين عن حقوق الشعب الكردي، ولماذا يرفع الحزب شعار السلم في كردستان، وصادف أن كان أحد الجالسين من العاملين في جهاز الأمن فأبلغ عنهما بعد أن تعرّف عليهما.

خان الهنود

وبعد نحو شهرين اعتقلنا بعد الانقلاب الدموي، والتقينا في موقف «خان الهنود»، وقضينا بضعة أشهر، ثم نقلنا إلى الموقف الجديد، تحت الأرض، وهو بناية حديثة وواسعة قياسًا بموقف خان الهنود، لكنه كان شديد الرطوبة.

فصلنا من المدرسة بسبب غيابنا، ولم نستطع إداء امتحان البكلوريا مع عدد من الرفاق والأصدقاء الذين كانوا معنا، وكان عمي الدكتور عبد الأمير شعبان المدير لطبابة الطلبة، فمنحنا تقريرًا مرضيًا يعفينا من سنة الرسوب، على الرغم من إعادتنا للسنة الدراسية.

التحقت بالتنظيم الشيوعي الجديد، وقد مهّدت لالتحاق الرفيق وائل بعد ذلك، وعقدنا اجتماعان في بيت صديقنا عبدالله الشمرتي، وآخر في الكوفة، ضم محسن القهواتي وجبار سميسم وصادق مطر وعدنان الخزرجي، الذي كان صلتنا مع باقر ابراهيم في الفرات الأوسط، ثم صدر الأمر بإلقاء القبض علينا، وتشتّتنا لعدّة أشهر، لكننا عدنا للقاء بعد انقلاب 8 تشرين الثاني / نوفمبر 1963.

وعلى الرغم من كونه يعيش في النجف وأنا في بغداد، لكن الاتصالات والزيارات كانت مستمرة بيننا، وفي إحدى المرات، وهو في زيارة إلى بغداد، وصادف الذكرى الأولى لعدوان 5 حزيران / يونيو 1967، كانت بغداد تعمّ بالمظاهرات، وكنت قد ساهمت مع تظاهرة مشتركة، جمعت الشيوعيين والبعثيين (مجموعة سوريا)، كما خرجت الحركة الاشتراكية العربية واتحاد العمال بتظاهرة مشتركة، حيث كان هاشم علي محسن، القيادي في الحركة، هو الأمين العام لاتحاد العمال.

وحضرنا تظاهرة القيادة المركزية، والتي تمّت مهاجمتها لشعاراتها الراديكالية، وتفرقنا، لكن علي الخرسان تم اعتقاله مع السيد باسم كمّونة، الذي كان هو الآخر قادم من النجف إلى بغداد، وبقيا في معتقل الفضيلية بضعة أشهر، وهو ما رويته في سرديتي عن طارق الدليمي الموسومة طارق الدليمي: «الصديق اللّدود: كلّمــا اختلفـت معه ازددت محبّة لــه» والمشورة في صحيفة الزمان (العراقية) على حلقتين ، العددان  6588 و 6589 بتاريخ 18 - 19 شباط / فبراير 2020، وكان طارق الدليمي هو الآخر قد اعتقل في معتقل الفضيلية أيضًا.وعند اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية، أرسل إلى الجبهة ضمن حملة التجنيد في الجيش الشعبي، وهناك تمّ أسره وبقي في الأسر نحو 18 عامًا، خرج منه وهو في وضع لا يُحسد عليه.

عشية الاحتلال التقيته في سوريا، وعند عودتي إلى بغداد كان ملازمًا لي، يأتيني من النجف، ولا يغادر بغداد إلّا حين أغادرها. كما زارني في بيروت عند انتقالي إليها، ودائمًا كان يردّد «ربّ أخ لم تلده أمك».دهسته سيارة قبل نحو 8 سنوات، وظلّ مقعدًا طيلة الفترة المنصرمة، يعاني من أمراض عديدة، وعاش طيلة حياته ظروفًا في غاية القسوة والحرمان والعذاب.

ظروف قاسية

تزوّج من سيّدة فاضلة تحمّلت ظروفه الصعبة، وأنجبت له صبية جميلة، هي الآن على مشارف التخرج كطبيبة أسنان، وأسماها فاطمة على اسم ابنة عمّه الدكتورة فاطمة الخرسان، التي اغتيلت في بغداد في مطلع السبعينيات.

وعلى الرغم من ظروفه القاسية، فقد كان مرحًا وصاحب نكته، وأحيانًا حادًا ومشاكسًا، وكان متمردًا بكلّ ما تعني الكلمة من معنى، لكنه يمتلك قلبًا طيبًا ومشاعر إنسانية فياضة، كان صلبًا لا يلين، وهو ما عرفته عنه، إضافة إلى معاناته في الأسر خلال الفترة الطويلة التي عاشها. وعند عودته من الأسر، كان يتردد على حضرة الإمام علي بحكم مهنة والده السيد مهدي الخرسان مرشدًا، بعد أن حصل على تقاعد من وظيفته، التي كان قد عمل بها لفترة قصيرة.

علي الخرسان «وائل» صديق الفتوّة والزمالة والرفقة وأيام الشباب الأول

 وداعًا

 

ملاحظة: بعض ما ورد من معلومات هي جزء من أوراق مطوية في الذاكرة، حركني رحيل الصديق علي لاستعادتها وتظهيرها لترى النور.


مشاهدات 901
الكاتب عبد الحسين شعبان
أضيف 2023/12/22 - 10:21 PM
آخر تحديث 2024/12/04 - 12:42 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 423 الشهر 1723 الكلي 10057818
الوقت الآن
الأربعاء 2024/12/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير