الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العامري يشخص مأزق الديمقراطية ومآلات تحولاتها

بواسطة azzaman

العامري يشخص مأزق الديمقراطية ومآلات تحولاتها

باسل الخطيب

 

هل فقدت الديمقراطية بريقها؟! وهل ما تزال الانتخابات خياراً ديمقراطياً يعبر عن آمال الناخبين بحق، أم إنها باتت لعبة تدار من قبل جماعات المصالح وأهل السلطة والمال والأحزاب السياسية التي شكلوها؟ وهل ثمة خيار آخر للتعبير عن خيارات الناس والتعبير عنهم بنحو حقيقي بعيداً عن الألاعيب الانتخابية المعهودة إياها للقوى المهيمنة على مقاليد الأمور؟ ولماذا بدأ التململ العالمي المضاد، أو المشكك، بالشكل الحالي للانتخابات، مثلما تزداد نسبة مقاطتها والتشكيك بجدواها في إحداث التغيير المطلوب والمأمول منها؟!.

وهل يعني الدعم المتزايد للتوجهات المناهضة لليبرالية، الذي لا يلقى رواجاً عند المحتاجين من ذوي الأعمار المتوسطة وأصحاب الوظائف المتواضعة حسب، إنما ومن مناصرين أشداء من بين الشباب والأغنياء وأبناء النُخبة، استعداد نسبة لا بأس بها من الناخبين النظر في بدائل سياسية غير ديمقراطية وغير ليبرالية، خصوصاً مع تفاقم الغضب الشعبي حتى في المجتمعات الغربية، ناهيك عن الآسيوية والأفريقية التي تعتقد نسبة كبيرة من مواطنيها إن التحولات الديمقراطية لم تحسن حياتهم، في ظل أزمة اقتصادية عالمية وبطالة وتراجع مستوى الحياة، ونقص الدخل الفردي، وتراكم الديون الشخصية، وكلها باتت تدلل على «توعك» الديمقراطية، وهو ما ولد توقعات بإمكانية أن يشهد العالم عودة لنظام الحزب الواحد أو حتى النظم العسكرية، لاسيما بعد النجاحات الاقتصادية والنمو المطرد، الذي تحققه الصين على سبيل المثال لا الحصر؟!

وهل سيتمخض العصر الرقمي، وثورة الانترنت والذكاء الاصطناعي، عن نوع مغاير من النظم السياسية يتيح مقداراً أكبر، وربما غير محدود، من الحرية، مثلما تمخض عصر النهضة عن نظام اقتصادي وسياسي شكلت الرأسمالية والديمقراطية أهم ملامحه.

عن هذه التساؤلات والاشكالات ومآلاتها، كرس الباحث والمفكر، عصام فاهم العامري، كتابه القيم الموسوم ((المأزق العالمي للديمقراطية/ بلوغ نقطة التحول))، من إصدار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، متوقعاً أن يتم «تجديد» مفوم الديمقراطية بمسارات متعددة بالاستفادة من تطوير التجارب الناجحة بنحو يرسم ملامح مستقبل العالم في القرن الحادي والعشرين.

خمسة فصول

ويتناول العامري في كتابه، عبر خمسة فصول ومقدمة وخاتمة مع قائمة بالمصادر والمراجع المعتمدة، موزعة على 255 صفحة من القطع المتوسط، مستقبل السياسات الديمقراطية بمواجه المأزق العالمي الذي تواجهه نتيجة للتحولات العالمية التي باتت تنحدر بها إلى نوع من الدكتاتورية والقيصرية ما ينذر بإيصالها إلى احتمالين، أولهما ارتدادها وانحسارها، أو السير بها إلى آفاق تجعلها تستجيب لمتطلبات العصر بنحو يحيي روح المبادئ الديمقراطية التي خبت، إسهاماً منه في الحوار العالمي بهذا الشأن.

ويبحث المؤلف في الفصل الأول من الكتاب، مفهوم الديمقراطية بين الغموض والسيولة، وأبعاد عناصرها، ومعاييرها ومقاييسها، مشيراً إلى أنه ربما يستحيل في العصر الحديث إزالة الغموض والتناقض في الاستعمالات المتعددة للديمقراطية، لأنها تكون راسخة في المفهوم نفسه.

ويكرس الفصل الثاني للتوسع الديمقراطي العالمي، والحجج التي تؤيد فرضية التوسع العالمي للديمقراطية من خلال التفضيل الشعبي وإسهام الإنترنت في انتشارها، وتفضل الشعوب الديمقراطية لأنها تروّج فكرة الحرية وتطوير الإنسان، وتمثل الوسيلة الأمثل لحماية المصالح الإنسانية المشتركة، ويتطرق لازدحام المدن وفيضان الطبقة الوسطى، وأدوار الجيوش في التحول الديمقراطي، ويقدم الصين مثالًا على آفاق التوجه المستقبلي نحو الديمقراطية.

ويتصدى الباحث، في الفصل الثالث لتحولات الديمقراطية وموجاتها وتجاربها عبر التاريخ، مارا بالربيع العربي وصولا إلى العواقب غير المقصودة لذلك، راصداً تفضيل ملايين العرب عدم تفجر حوادث ذلك «الربيع» رغبة في الحفاظ على الأمن الذاتي، وإن كان هذا الأمن ينتقص الكرامة في ظل الاستبداد، بل إن بعض العرب، يؤكدون أن شعوب المنطقة بحاجة دوماً إلى دكتاتوريات تحكمها!!!

عوامل معوقة

 وأن فشل الربيع العربي بات جلياً، وأن صناديق الانتخاب التي هي من نتائج ثورات الربيع العربي، ستفرز بالنتيجة دكتاتوريات!!! مستدركاً بأن أنظمة الاستبداد لم تكتف بزرع الأفكار التي تروج لاستمرارها وتكريسها، بل أوجدت عوامل معوقة لعمليات التغيير، ونمّت التخلف على مدى عقود طويلة، ويكفي هذا الربيع أنه أضاف إلى عناصر القوة الموجودة في الجسد العربي قوة جديدة، هي قوة الشارع.

ويسلط المؤلف العامري، الضوء في الفصل الرابع، على انتكاسات الديمقراطية في العالم، التي فرضتها العولمة ودكتاتورية الأسواق، مؤكداً على وجود دلائل على دور بارز للمعتقدات الثقافية والموروثات الاجتماعية في إخفاق كثير من الديمقراطيات، لتحل محلها نزعات دكتاتورية!.ويحدد الباحث، في خامس فصول الكتاب، شروط ازدهار الديمقراطية، من خلال نماذج حكومات تمكنت من الإرتقاء بأدائها كي تسعد شعوبها، متناولاً تجربتي جمهورية التشيك، التي رأى فيها ديمقراطية استثنائية تواجه تحدي المخاوف الشعبية، والأوروغواي، التي ترسخ التواضع في الديمقراطية.. كما استعرض الاختلاف بين الديمقراطية الإسكندنافية والديمقراطية الأميركية، لافتاً إلى أن ذلك يكمن في طبيعة الديمقراطية في كل منها، وفي قيمها وحصيلتها، فالولايات المتحدة أمة مقسمة طبقياً على نحو عميق، وهذا التقسيم ليس تقسيماً اجتماعياً حسب، بل وسياسياً أيضاً، لأن الطبقة الثرية هي نفسها الحاكمة، والنظام السياسي الأميركي كرس قواعد اللعبة السياسية بشدة ضد أولئك الذين يملكون ثروة صغيرة، بينما تعتمد عناصر الديمقراطية الإسكندنافية على ممارسات وقيم كثيرة أهمها الشفافية، وتقديم المواطن على المسؤول.ويرى الباحث العامري، في خاتمة كتابه القيم، أن الديمقراطية بلغت نقطة تحول نتيجة للمأزق الذي وضعت فيه، والبون الشاسع بين ما يجري في البرلمانات وآراء الناس والحياة اليومية، وتدني الثقة لا بالطبقات السياسية حسب، بل أيضا بالمؤسسات الديمقراطية، ناهيكم عن إحجام الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم والنزعة الواضحة للاستخفاف بالطبقة السياسية.ويواصل، أن كثيراً من الدول التي تخلصت من عتاة دكتاتورياتها تعاني الآن الاضطراب والفوضى وانعدام الأمن وتردّي الأوضاع الاقتصادية، كما يحدث في العراق وليبيا ودول عربية أخرى.

وأن الفوضى والحرب الأهلية أسوأ من الدكتاتورية والقمع وغياب الحريات، وهذا ما أظهرته الحوادث في العقد المنصرم. ومع تحرر دول من نظم حكمها الاستبدادية، ارتفع عدد الدول الفاشلة، الأمر الذي يبيّن أن البديل من الدكتاتورية ليس الديمقراطية بالضرورة، إنما الفوضى في كثير من الأحيان، منوهاً إلأى أن تجارب عدة بينت أن إسقاط الطغاة أسهل كثيراَ من إقامة الديمقراطية، بعدما سادت الخشية من أن تنتج هذه الديمقراطية أنظمة مارقة أو تقوي شوكة «الجهاديين والإرهابيين»، ودائماً بحسي المؤلف.

ويستخلص الباحث العامري، ان الديمقراطية باتت في وضع ضعيف نتيجة عدم حيازتها ثقة المواطنين، لذلك فإما أن تستمر في منوالها الحالي لتتآكل شرعيتها وتتراجع أفضليتها على نماذج الحكم الأخرى، وإما أن تسير باتجاه تجديد قيمتها ومؤسساتها ووسائلها.

ويقول العامري، إن الأزمة المالية العالمية وتدهور أوضاع الطبقات الوسطى في كثير من الدول، التي تعتمد الديمقراطية الليبرالية، لم يبرزا ضعف أداء لديمقراطية حسب، بل وأصاب الناس  بخيبة أمل واحباط من طريقة عمل أنظمتهم السياسية لاسيما عندما سارعت الحكومات إلى إنقاذ المصارف بأموال دافعي الضرائب، ثم وقفت عاجزة مع استمرار دفع تلك المصارف مكافآت ضخمة لمديريها، مقابل النجاحات التي حققها النموذج الصيني الذي يرتكز محوره على قدرة نظام الحزب الواحد على كسر احتكار العالم الديمقراطي للتقدم الاقتصادي، وتقديمه انموذجا أساسه المقارنة في موضوع رفع مستوى المعيشه للشعوب.

لذلك، يستطرد الباحث، فان النخب الأكاديمية الصينية تتباهى بأن نموذجهم أكثر كفاءة من الديمقراطية، وانه الانموذج البديل  للنموذج الغربي، الأمر الذي يمكن أن يقوض شرعية الديمقراطية في حال استمرار الأوضاع في الغرب على ما هي عليه حاليا واستدامة النمو الصيني.

وبرغم تأكيد الباحث عصام العامري، على عدم وجود نموذج جاهز لتجديد الديمقراطية، لكنه يرى أن ذلك يمكن أن يتخذ مسارات عدة بالإفادة من التجارب الناجحة وتطويرها أو الإضافة عليها، مشددا على ضرورة إقناع الناخبين والحكومات على حد سواء بالأسس الموضوعية لقبول القيود المفروضة على ميل الحكومات لتجاوز صلاحياتها.

كما أن ممارسة نوع من الديمقراطية المباشرة، بحسب العامري، صارت ضرورة في عصرنا الراهن، لاسيما مع ما تتيحه الثورة المعلوماتية.. ويمكن أيضا الدمج بين الديمقراطية المباشرة والديمقراطية غير المباشرة أو التمثيلية، كأن يتشارك البرلمان وعينة عشوائية تمثل الرأي العام، في التصويت على قرار معين.

ويمكن أن توفر وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي سهولة اختيار العينة العشوائية من الرأي العام،  وعندما يحين وقت اتخاذ القرار، ودائما بحسب الباحث، تصبح حصة البرلمان ونوابه ٥٠ في المئة من مجموع الأصوات، ويكون للعينة العشوائية المنتشرة جغرافيا حق طرح ٥٠ في المئة الباقية من الأصوات بالوسائل الالكترونية، وبذلك يمكن توجيه ضربة قاصمة للجماعات ذات المصالح الخاصة واللوبيات التي تمارس ضغطها باستمرار في أروقة البرلمانات.

ويراهن الباحث عصام فاهم العامري، على أن العقل البشري طالما كان مبدعاً وخلاقاً وقادراً على ابتكار مؤسسات وآليات يمكن أن تكون بديلا للأطر والنماذج السياسية القائمة لاسيما أن ثورة المعلومات والاتصالات المتدفقة والمتسارعة، تحمل في طياتها قواعد وأسس لوعد ديمقراطي مستقبلي.

خلاصة القول، انه كتاب قيم يستحق القراءة المتمعنة، جاء في وقته لتشخيص علل النظم الديمقراطية ومأزقها المتعاظم، وفقدان ثقة الناس بنظمها، ولعل ما يشهده العراق خير دليل على ذلك.

تجدر الإشارة إلى أن د.عصام العامري، توقع في كتابه هذا ، الذي دفعه للنشر عام ٢٠١٤، مبكرا صعود القيصرية الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك قبل انتخاب دونالد ترامب .

يذكر أن عصام فاهم جواد العامري، باحث وصحافي يحمل شهادة الماجستير بالعلوم السياسية، والدكتوراه في دراسات المستقبليات، سبق أن أسس وكالة (الملف برس) كموقع اخباري إلكتروني، وجريدة (النور) اليومية، الورقية في بغداد.. وله العديد من المقالات والدراسات والمؤلفات، منها الدعاية الإيرانية والدعاية الإسرائيلية، مخالب إسرائيل، خصائص ترسانة إسرائيل النووي، بناء الشرق الأوسط الجديد، وأخيراً وليس آخراً كتابه الذي صدر العام ٢٠٢٣ الحالي، بعنوان ((التسيب العالمي تاريخ موجز لمستقبل صراع الجبابرة في القرن الحادي والعشرين)).


مشاهدات 1015
الكاتب باسل الخطيب
أضيف 2023/12/15 - 3:22 PM
آخر تحديث 2024/12/04 - 6:59 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 423 الشهر 1723 الكلي 10057818
الوقت الآن
الأربعاء 2024/12/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير