الديمقراطية ثمرة المدنية
خالدة خليل
لاشك أن الديمقراطيات الغربية كانت واضحة في مساراتها التاريخية والثقافية والحضارية ،فهي نتاج بيئة استطاعت أن تؤسس لدولة مدنية كانت ثمرتها الديمقراطية التي تتمتع بخصائص ومزايا جعلتها تتحول الى منهج في التفكير وإسلوب في العمل السياسي ، وذلك بفضل البيئة الخصبة القابلة لنمو الديمقراطية وتطورها وتجذرها من خلال المؤسسات التي منحتها الديمومة ، فهي بالتالي كانت نتاج وعي فردي وجمعي للشعوب الغربية التي عانت من تاريخ طويل من تهميش الشعوب واستغلال السلطة ، الا أن ماحصل من ثورات في أوربا والتي رافقها الوعي بالتغيير قد قلب المعادلة تماماً فكانت للشعوب كلمتها وهي المشاركة في اتخاذ القرار والحفاظ على المال العام واحترام حقوق الانسان والمساواة وتكافؤ الفرص والفصل بين السلطات وغيرها من المميزات التي ميزت الديمقراطية عن غيرها .
أما في الدول العربية فإن البنية الإجتماعية والدينية والسياسية التي سادت تلك المجتمعات حتى بعد استقلالها قد أنتجت سمات بيئية خاصة لا يمكن لها أن تستوعب المفاهيم الخارجة عنها . فالنمط السائد عربياً هو أشبه بديمقراطية مقنعة (غير فاعلة ) تحتاج الى عقود طويلة جداً لتخرج من شرنقتها وتتحول الى نظام دولة لها مؤسسات وتضمن حقوق الافراد مع استقلالية القضاء . إن مجرد وجود صناديق الاقتراع التي يشوبها في أكثر الأحيان عمليات طعن في نزاهتها أو مشاركة نسبة قليلة بسبب نفور الناس من الأحزاب التي عجزت عن تقديم صورة صحيحة عن الديمقراطية ، فضلاً عن وجود أحزاب متعددة تناسلت عن بعضها البعض وخاصة بعد 2003 ليست مظاهراً دالة على وجود الديمقراطية والتي هي في أفضل حالاتها لن تتعدى نماذج الديمقراطية في امريكا اللاتينية !
ويبدو أن عملية هدم الشمولية والمركزية وتفكيكها في العراق لم يكن من أجل ولادة مرحلة جديدة للتحول الديمقراطي ، وذلك بسبب غياب منظومة سياسية فكرية قادرة على تأسيس أرضية مناسبة لعملية التحول الديمقراطي ، وبناء عليه فإن بناء الديمقراطية وإزدهارها في أي بلد يحتاج الى :
1. وعي فردي وجمعي .
2. أحزاب تؤمن بالديمقراطية فعلياً.
3. بناء مؤسسات تعمل على رعاية وديمومة الديمقراطية .
إن غياب هذه القوى الفكرية الأساسية والمنظمة سمحت بإعادة إنتاج نظام آخر ( مركزي ) ولكن على أسس جديدة !!