الخبير المالي والإقتصادي خالد الشمري : سوء الإدارة والفساد أهم أسباب عدم السيطرة على سعر الدولار
رياض عبد الكريم
أزمة الدولار وما نتج عنها من اضطرابات وتذبذب في سوق الاسعار والسوق الموازية ، والتي ارهقت ميزانية المواطن العراقي وانتجت حالة من الفوضى في كواليس السوق المالية ، اتاحت للكثيرين من المضاربين استغلال هذه الازمة والاستفادة من معالجتها لتنمية مواردهم المالية بطرق يبدو انها كانت خافية على المؤوسسة الحكومية وادارة البنك المركزي ، فهل كان قرار وزير المالية السابق علي عبد الامير علاوي الذي اقنع الحكومة بزيادة سعر صرف الدولار الى 1450 دينارا بعد ان كان بـ 1190 دينارا ، دون ان يجري حينها توضيح مقنع اقتصاديا وفنيا لا من قبل الوزير ولا من قبل الحكومة على الرغم من الاعتراضات العديدة على هذا الاجراء من قبل المتخصصين في شؤون المال والاقتصاد ؟ محذرين من عواقب وخيمة ستترتب على هذا الاجراء ، ولماذا اقتنعت الحكومة بالمقترح الاحادي لعلاوي دون الاستعانة بالخبرات والتخصصات المالية والمصرفية واشراكهم في تقييم المقترح والوصول الفى نتائج مقنعة وعملية ، والغريب في الامر ان الوزير علاوي قد اصر على تنفيذ مقترحه مهددا بالاستقالة في حال عدم تنفيذه ، مما أثار هذا الاصرار الكثير من التساؤلات المتشككة في نوايا الوزير قابلها صمت حكومي كان مثار جدل ايضا ، وما خفي كان اعظم !!!! .
في ضوء هذه الوقائع وللوقوف على حقيقة ماجرى وما يجري تحدث الدكتور خالد الشمري الخبير المالي والاقتصادي ورئيس مركز الخلد للبحوث والدراسات في عمان في هذا الحوار موضحا رأيه من خلال تشخيص الاخطاء التي احاطت بالمعالجات وطرح المقترحات التي يمكن ان تنتج حلولا ناجعة وعملية في مواجهة هذه الازمة .
- ماهو تقيمك لمقترح وزير المالية السابق علي عبد الامير علاوي بجعل قيمة صرف الدولار تساوي 1450 دينار بدلا من 1190 دينار وهل فعلا قد ساهم هذا المقترح بتحسين الوضع المالي في البلد ام انه قد اربك الاقتصاد وحقق فوضى في نمطية الاسعار الاستهلاكية التي ارهقت المواطن وانعشت التجار والمضاربين ؟
القرار الخاطيء
اولا تغيير وتحديد سعر الصرف هو احد اهم بنود السياسة النقدية والمسؤول عنها البنك المركزي كأحد اهم وظائفه ولكن تحديد السعر الجديد 1450 من قبل وزير المالية وهو يقرر السياسة المالية والانفاق وليس صلاحية قرار تغيير سعر الصرف ، لان لو راجعنا قانون البنك المركزي العراقي واهم بنوده هو تحييد سعر صرف الدينار والمحافظة على استقراره وتحديد سعر الفائدة ومنح اجازة المصارف ومراقبتها
كما لم اجد اي اسس استند عليها السيد الوزير لان السعر الرسمي لصرف الدينار العراقي عند استبداله عام 2003ب 1500دينار لكل دولار وتم طبع فقط تسعة ترليون دينار عراقي جديد ومايعادل ستة مليار دولار فقط وهو ماكان متوفر في السوق العراقي حتى مع مامطبوع من عملة مزورة
واستخدم البنك المركزي العراقي بعد اصدار قانونه رقم 56لسنة 2004 لوفرة السيولة الكبيرة بسبب ارتفاع اسعار النفط واصدار موازنات موسعة سياسة المحافظة وتعزيز رفع سعر الدينار مقابل الدولار واصبح يباع 1180دينار وبنفس الوقت استخدم المركزي سياسة تقليص السيولة الدينارية برفع سعر الفائدة لليوم للودائع من المصارف الاهلية في المركزي الى اكثر من 20بالمئة هذا شجع اولا انشاء مصارف اهلية جديدة واصبحت مودعة الاموال لدى المركزي لان الربح 20بالمئة واحجمت عن المساهمة في النشاط الانتاجي لانها لاترتفع اكثر من 10بالمئة في احسن الظروف واستمر المركزي في بيع العملة في المزاد لتغذية الاستيرادات وهي مغطاة بسبب الموارد النفطية وودائع المصارف في المركزي ولازالت سيولة الدينار في مستواها لتغطية الطلب على الدولار
وظلت السياسة المالية تتوسع في الانفاق وخاصة في الموازنات العراقية واستحوذ الانفاق الجاري الاستهلاكي اكثر من 75بالمئة ورتفع الاصدار النقدي واصبح اكثر من عشرة اضعافه عام 2022 وبنفس الوقت ارتفعت الاستيرادات وعجز الميزان التجاري غير النفطي ودخلت التجارة الخفية مثل المخدرات وغسيل الاموال
- مالذي دعى الحكومة حينذاك للاستجابة لهذا المقترح في الوقت الذي كان للعديد من خبراء المال والاقتصاد وجهات نظر معارضة للمقترح ومحذرة من النتائج الوخيمة التي ستتحقق مستقبلا ، وفعلا هذا الذي حصل ؟
ارتفاع التضخم
اصبحت الضغوط كبيرة من الطلب على الدولار واتخاذ قرار تخفيض قيمة الدينار عزز من رصيد الدولار يعني ماكان المطلوب لتغطية 90مليار دولار هو 75.6 على سعر 1190وعند تخفيضه اصبح المبلغ يغطي مايقارب 110ترليون اي مايحتاجه لتغطية 90ترليون 62مليار دولار بدلا من 74.6مليار دولار
والمفروض ان يتوجه الفائض الى المشاريع الانتاجية وتشغيل الايدي العاملة ومعالجة البنية التحتية والمشاريع الاساسية مثل نقص الكهرباء والمنتجات النفطية ومشاريع الغاز حيث يستورد العراق بحدود اربعة مليارات لتغطية احتياجاته وهذه تستهلك سنويا دون مردود ولاكثر من عشر سنوات العراق مستوردا ولو استثمرنا هذه الاموال وبحدود اربعين مليار دولار كان بالامكان تغطية نقص حاجةاستهلاك الكهرباء وهي بحدود 20جيجا واط وبكلفة 16مليار دولار وكذلك تغطية الحاجة المحلية من الغاز لتجهيز محطات الكهرباء والاكتفاء من المنتجات النفطية وبدون اقتراض وتحمل كلفته من الموازنة
طبعا القرار لم يكبح جماح ارتفاع اسعار الدولار عن السعر الرسمي 1450وزاد سعره في السوق الموازي وبنفس الوقت ارتفع التضخم باكثر من نسبة التخفيض او لنقل ارتفاع سعر الصرف مع الدولار وبحدود 11بالمئة وارتفعت اسعار السلع لعدم اليقين وزيادة الطلب على الدولار وارتفاع سعره لبعض السلع اكثر من 20بالمئة مما زاد العبء على المواطن العراقي وخاصة ذوي الدخل المحدود بحيث ماكان يستطيع شراء بمليون دينار يحتاج بعد ذلك الى مائتي الف دينار اضافية لتغطية نفس الاحتياجات.
- بالرغم من كل الاجراءات التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي لمعالجة سلبية هذا المقترح وخلال مايقارب من سنتين الا ان الدولار استمر في الصعود ولم تحل الازمة اطلاقا، ماهو تقيمك لتلك الاجراءات ، الا تعتقد ان مثل تلك الازمات بحاجة الى الاستعانة بالخبرات والتخصصات المالية والمصرفية الموجودين داخل العراق بل وحتى خارجه ، واشاركهم في تقديم المقترحات والافكار الى جانب الكوادر الوظيفية في الحكومة والبنك المركزي ؟
اقصاء المختصين
جيد الاستعانة بالخبرات المحلية وهي موجودة ومستعدة لتقديم خدماتها تطوعا وسبق وان قدمت دراسات وندوات ومؤتمرات ليس في القطاع النقدي وانما في اكثر القطاعات الانتاجية والخدمية وهم اول من قدموا دراسة كاملة لقانون النفط والغاز عام 2007 مشكلة الكهرباء عام 2013 والقطاع الصناعي والزراعي والغاز وكذلك السياسة المالية والنقدية والبنك المركزي ودوره واكثرها منشورة ولكن السادة المسؤلين لم ياخذوا بها ومع ذلك لابد من اسس مهمة لسياسة نقدية ومالية متوازنة لضبط الانفاق ومراقبة دور المصارف في التنمية ولايجوز لدينا هذا الكم الكبير من المصارف وتجاوز السبعين ولاتنساهم في تكوين الناتج المحلي الاجمالي باكثر من 12بالمئة والمفروض تكون مساهمتها عشرة اضعاف هذه النسبة و دور المزاد العلني للبنك المركزي وطرق الانفاق لتمويل الاعتمادات والحوالات والالتزامات ضمن ضوابط صارمة لمنع التلاعب وتهريب العملة وهذا يشكل نسبة مهمة في تذبذب سعر صرف الدينار العراقي.
- هل تعتقد ان ازمة الدولار هناك من يغذيها وينعشها كأن تكون اطراف سياسية لتحقيق مكاسب ومغانم مالية من جهة ومن جهة اخرى اطراف دولية لتحقيق مصالح محددة وتنفيذ اجندات لاضعاف الاقتصاد العراقي وخلق بلبلة اجتماعية ؟
تدخلات واسعة
نعم ازمة الدولار هناك عدة اطراف محلية واجنبية والمحلية تتشعب بين العقود والاستيراد وتجارة المخدرات وهذه تشتري الدولار من السوق الموازي وباسعار مرتفعة لارباحها الكبيرة والاستيراد بدون تحويل رسمي ومن الخارج هو سياسة الاغراق لسلع استهلاكية غير خاضعة للمواصفات والمقاييس وهنا مشكلة صحية ومشكلة اقتصادية لان ستكون اسعارها منخفضة وليس مقابل اعتماد وانما بالدينار ويباع بالسوق باي سعر لان هامش الربح كبير ويتحمل فروقات سعر الصرف مما يساهم في تخفيض قيمة الدينار وخاصة وفرته في السوق الموازية
- واخيراً اطرح فكرة بصيغة سؤال من شقين : الاول ،ماالذي يمنع الحكومة او البنك المركزي من اصدار تعليمات ملزمة للمصارف ومكاتب الصيرفة توصي بجعل سعر تصريف الدولار مطابقاً للسعر الرسمي البالغ 1320 دينار كما تعاملت مع مقترح وزير المالية السابق وتم تطبيقه ، شرط ان تترتب على المخالفين عقوبات وغرامات قاسية ، والشق الثاني لماذا لاتمنح كل المصارف الاهلية والحكومية صلاحية تصريف الدولار ايضا بالسعر الرسمي ، وممكن ترتيب اجراءات لاحقة تنظم عمليات التصريف ؟
صعوبة ضبط السعر
حتى وان صدرت تعليمات بالالتزام بالسعر الرسمي لايمكن ضبطه الا للمصارف الحكومية والاهلية لانها خاضعة لرقابة المركزي كما ذكرت في نظام تأسيسه وحتى المصارف الاهلية لاتلتزم لضعف الرقابة وللاسف الفساد وكذلك المركزي ملتزم ببيع المزاد وما يتخلله من ثغرات استمرت لسنوات ولم يستطع مواجهتها ولكن السؤال هل يستطيع المركزي سحب السيولة الدينارية في السوق الثانوية من خلال طرح سندات خزينة بفائدة مرتفعة واستخدام وسائل الائتمان وتقوية المصارف الاهلية لاستقطاب الودائع ومراقبة التحويل الخارجي من مزاد العملة
- طيب وماهي توقعاتك فيما لم تجر المعالجات بما ينبغي من حلول عمليا وواقعيا على الصعيدين المالي والاقتصادي ؟
معاناة المواطن
اذا استمرت الحكومة بزيادة الانفاق الجاري والاصدار النقدي الذي ارتفع من تسعة ترليون دينار عام 2004الى اكثر من مائة ترليون دينار عام 2023 ولم يرافقها متوازيا انفاق استثماري انتاجي ودورة دخل محليةيكون الدينار عملة التداول الطوعية بمقبولية شعبية كما هو في امنذ تأسيس الدولة العراقية ويبقى اقتصاد استهلاكي يعتمد على موارد النفط لتغطية الاستيرادات المتزايدة ويظل الضغط على الطلب على الدولار وخاصة مانجده في موازنات السنوات الثلاث 2023/2025من انفاق جاري استهلاكي يشكل اكثر من 75بالمئة من الموازنة سيظل عبء سعر الصرف مستمرا ويظل المواطن العراقي يعاني من ارتفاع الكلفة والبطالة المتزايدة والتي تشكل مخاطر اقتصادية وسياسية كبيرة.