الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من‭ ‬فكر‭ ‬التنوير‭ ‬الى‭ ‬فكر‭ ‬التقريب

بواسطة azzaman

من‭ ‬فكر‭ ‬التنوير‭ ‬الى‭ ‬فكر‭ ‬التقريب

محمد غاني

 

ما‭ ‬اصدق‭ ‬الروائي‭ ‬الاديب‭ ‬الاسباني‭ ‬ميغيل‭ ‬دي‭ ‬ثيربانتس‭ ‬سابيدرا‭ ‬المشهور‭  ‬بروايته‭ ‬المعروفة‭ ‬لدينا‭ ‬نحن‭ ‬العرب‭ ‬ب‭” ‬الدونكيخوت‭ ‬دي‭ ‬لا‭ ‬مانشا‭” ‬Don‭ ‬Quijote‭ ‬de‭ ‬la‭ ‬Mancha،‭ ‬حين‭ ‬صور‭ ‬لنا‭ ‬احسن‭ ‬تصوير‭ ‬محاربة‭ ‬الانسان‭ ‬للشياطين‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الدونكيخوت‭ ‬الرجل‭ ‬الضخم‭ ‬الطويل‭ ‬القامة‭  ‬للطواحين‭ ‬الهوائية‭ ‬بأسلحة‭ ‬متهالكة‭  ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬ظنها‭  ‬شياطين‭ ‬تقوم‭ ‬بنشر‭ ‬الشر‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬تصوير‭ ‬بليغ‭ ‬للفكر‭ ‬التنويري‭ ‬الذي‭ ‬ساد‭ ‬حينئذ‭ ‬لترشيد‭ ‬الفكر‭ ‬الانساني‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬تجاوز‭ ‬سوداوية‭ ‬و‭ ‬بعد‭ ‬و‭ ‬شيطنة‭ ‬الفكر‭ ‬الكنسي‭ ‬المحرف‭ ‬آنذاك‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يحَجِّر‭ ‬الفكر‭ ‬الانساني‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يطير‭ ‬متجاوزا‭ ‬كل‭ ‬العقبات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تكبله‭.‬

الفكر‭ ‬التنويري‭ ‬هذا،‭ ‬سبقه‭ ‬مثله‭ ‬في‭ ‬الاسلام‭ ‬لم‭ ‬يقم‭ ‬احد‭ ‬بتسميته،‭ ‬ارتضينا‭ ‬اطلاق‭ ‬اسم‭  “‬الفكر‭ ‬التقريبي‭” ‬عليه،‭  ‬استمدادا‭ ‬من‭ ‬التنظير‭ ‬القرآني‭ ‬لذلك،‭ ‬حيث‭ ‬رمز‭ ‬الكتاب‭ ‬الكريم‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬المعنى‭ ‬بالملائكة‭ ‬المقربين‭ ‬و‭ ‬هي‭ ‬رمزية‭ ‬بليغة‭ ‬تنبه‭ ‬الى‭ ‬استعمال‭ ‬كل‭ ‬الوسائل‭ ‬النورانية‭ ‬الايجابية‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬فكر‭ ‬المسلم‭ ‬يتجاوز‭ ‬بقربه‭ ‬الفكري‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ظاهرة‭ ‬تواجهه‭ ‬في‭ ‬سيره‭ ‬الحضاري‭ ‬حتى‭ ‬يعيها‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬و‭ ‬يتجاوز‭ ‬بذلك‭ ‬كل‭ ‬العقبات‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬ان‭ ‬تبعده‭ ‬و‭ ‬تشيطنه‭ ‬عن‭ ‬مقصوده‭.‬

رمزية‭ “‬الملائكية‭ ‬و‭ ‬الشيطنة‭” ‬في‭ ‬الاسلام‭  ‬رمزية‭ ‬بليغة‭ ‬و‭ ‬عميقة‭ ‬جدا،‭ ‬لا‭ ‬يفهمها‭ ‬الا‭ ‬من‭ ‬تقرب‭ ‬في‭ ‬سماوات‭ ‬القراءة‭ ‬المعراجية‭ ‬للكتاب‭ ‬الكريم،‭ ‬و‭ ‬طار‭ ‬بعيدا‭ ‬من‭ ‬شيطنة‭ ‬او‭ ‬بعد‭ ‬الافكار‭ ‬الهدامة‭ ‬عن‭ ‬فهم‭ ‬المقاصد‭ ‬الحكيمة‭ ‬للمقدس‭. ‬لقد‭ ‬حاز‭ ‬التنظير‭ ‬القرآني‭ ‬كل‭ ‬سبق‭ ‬في‭ ‬نظره‭ ‬التقربي‭ ‬الملائكي‭ ‬لكل‭ ‬رمزية‭ ‬تنويرية‭ ‬أتى‭ ‬بها‭ ‬فلاسفة‭ ‬الانوار،‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬ثيربانتيس‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬روايته‭ ‬هاته‭ ‬التي‭ ‬ابتدأنا‭ ‬بها‭ ‬مقالنا‭ ‬هذا‭ ‬نقلة‭ ‬معرفية‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬الحضيض‭ ‬الفكري‭ ‬الى‭ ‬زمن‭ ‬الرمزية‭ ‬الراقية‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬الحديثة‭.‬

لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬التنظير‭ ‬القرآني‭ ‬فكر‭ ‬ثيربانتس‭ ‬وحده‭ ‬بل‭ ‬تجاوز‭ ‬سبقا‭ ‬كل‭ ‬فلاسفة‭ ‬الانوار‭ ‬الفرنسيين‭ ‬و‭ ‬الانجليز‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬فولطير‭ ‬و‭ ‬جون‭ ‬لوك،‭  ‬لانهم‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انهم‭ ‬استطاعوا‭ ‬تجاوز‭ ‬عقبات‭ ‬فكرية‭ ‬كنسية‭ ‬الا‭ ‬انهم‭ ‬سقطوا‭ ‬في‭ ‬النقيض‭ ‬تماما‭ ‬حيث‭ ‬هربوا‭ ‬من‭ ‬أسر‭ ‬افكار‭ ‬ظلامية‭ ‬كنيسة‭ ‬محرفة‭ ‬الى‭ ‬‭ ‬سوداوية‭ ‬فكر‭ ‬تنويري‭ ‬إلحادي‭ ‬يلغي‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ديني‭ ‬بتاتا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سقط‭ ‬فيه‭ ‬المسلمون‭ ‬أنفسهم‭ ‬بعدم‭ ‬فهمهم‭ ‬لمقاصد‭ ‬الدين‭ ‬حيث‭ ‬انتقلوا‭ ‬من‭ ‬ظلام‭ ‬فكر‭ ‬جاهلي‭ ‬الى‭ ‬سوداوية‭ ‬شيطنة‭ ‬بُعد‭ ‬فكر‭ ‬متحجر،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنهم‭ ‬إنما‭ ‬طولبوا‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬الحكيم‭ ‬بالتوسل‭ ‬بفكر‭ ‬تقريبي‭ ‬ملائكي‭ ‬يتجاوز‭ ‬بهم‭ ‬كل‭ ‬العقبات‭ ‬بل‭ ‬و‭ ‬يعرج‭ ‬بهم‭ ‬في‭ ‬سموات‭ ‬الوعي‭ ‬عروجا‭ ‬الى‭ ‬المقدس‭ ‬اللامتناهي‭ ‬و‭ ‬حرية‭ ‬السباحة‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الاطلاق‭ ‬كما‭ ‬يسميه‭ ‬الصوفية‭ ‬منهم‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يفهموا‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الاسلامي‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سواهم‭ ‬منظروا‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬التقريبي‭ ‬الملائكي‭ ‬الذي‭ ‬نرمي‭ ‬إليه‭.‬

ان‭ ‬كل‭ ‬توسل‭ ‬للتقرب‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬بجند‭ ‬الفكر‭ ‬النوراني‭ ‬الذي‭ ‬يرمز‭ ‬له‭ ‬المقدس‭ ‬بالملائكي‭ ‬انما‭ ‬هو‭ ‬محاربة‭ ‬لجند‭ ‬الفكر‭ ‬الظلماني‭ ‬الذي‭ ‬يبعد‭ ‬الانسان‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬التقرب‭ ‬الى‭ ‬الله‭ ‬بل‭ ‬يبعده‭ ‬و‭ ‬يشيطنه‭ ‬عن‭ ‬فهم‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬اخيه‭ ‬في‭ ‬الانسانية‭ ‬بل‭ ‬و‭ ‬في‭ ‬فهمه‭ ‬حتي‭ ‬لنفسه‭ ‬هو‭ ‬هو،‭ ‬ان‭ ‬التوسل‭ ‬ببعيد‭ ‬عن‭ ‬اي‭ ‬ظاهرة‭ ‬لفهمها‭ ‬لهو‭ ‬عين‭ ‬الجهل،‭ ‬حيث‭ ‬ان‭ ‬التقرب‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬و‭ ‬الكائنات‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نفهمها‭ ‬اكثر،‭ ‬و‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬نستثمر‭ ‬الايجابي‭ ‬منها،‭ ‬لذلك‭ ‬فما‭ ‬احوجنا‭ ‬اليوم‭ ‬ان‭ ‬نتقرب‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬انفسنا‭ ‬لفهم‭ ‬اوعى‭ ‬و‭ ‬ان‭ ‬نتقرب‭ ‬من‭ ‬اخواننا‭ ‬في‭ ‬الانسانية‭ ‬و‭ ‬نبتعد‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شيطنة‭ ‬و‭ ‬بعيد‭ ‬في‭ ‬افكارنا‭ ‬ابعدنا‭ ‬عن‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭ ‬بل‭ ‬و‭ ‬ابعد‭ ‬الانسان‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬انما‭ ‬هو‭ ‬مطالب‭ ‬بفكر‭ ‬تقريبي‭ ‬ملائكي‭ ‬يقربه‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬اولا‭ ‬و‭ ‬من‭ ‬اخيه‭ ‬الانسان‭ ‬و‭ ‬من‭ ‬يتقرب‭ ‬للمقدس،‭ ‬و‭ ‬كلما‭ ‬فهم‭ ‬الانسان‭ ‬نفسه‭ ‬و‭ ‬ترقى‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬و‭ ‬ووعى‭ ‬جميع‭ ‬خصوصيات‭ ‬الاجتماع‭ ‬الانساني‭ ‬كلما‭ ‬ابتعد‭ ‬عن‭ ‬التطاحنات‭ ‬و‭ ‬الحروب‭ ‬و‭ ‬الويلات‭ ‬التي‭ ‬يتخبط‭ ‬فيها‭ ‬الكائن‭ ‬البشري‭ ‬اليوم‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬ثمرة‭ ‬شجرة‭ ‬الانسانية‭.‬


مشاهدات 558
الكاتب محمد غاني
أضيف 2023/11/25 - 12:23 AM
آخر تحديث 2024/06/30 - 4:47 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 404 الشهر 11528 الكلي 9362065
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير