الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الاتحادية العليا .. والمدد الدستورية 

بواسطة azzaman

الاتحادية العليا .. والمدد الدستورية 

احمد طلال عبد الحميد البدري

 

اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها التفسيري بالعدد (213/اتحادية/2025) في 17/11/2025 والمتضمن تفسير المادة (56) من دستور جمهورية العراق لسنة  2005 ، والتي حددت مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب باربع سنوات تقويمية تبدأ بأول جلسة له وتنتهي بنهاية السنة الرابعة ، بناء على طلب التفسير الاصلي الوارد من رئيس الجمهورية بتاريخ 13/11/20 ، الذي تضمن الاستفسار من المحكمة عن طبيعة الوصف الذي ينطبق على عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وطبيعة الصلاحيات التي يمكن ممارستها اعتباراً من يوم الاقتراع العام لانتخاب مجلس النواب الجديد الذي جرى بتاريخ 11/11/2025 ، ولنا على القرار المذكور التعليق الاتي :

1.         سبق وان اثير جدال فقهي حول طبيعة المدد الدستورية الواردة في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 وتحديداً ماورد في المادة (56/ثانياً) منه والتي نصت على ان ( يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسة واربعون يوماً من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة ) ، حيث ذهب رأي تبناه السيد فائق زيدان رئيس مجلس القضاء الاعلى خلاصته ان موعد اجراء الانتخابات بتاريخ 11/11/2025 يتضمن مخالفة لاحكام المادة (56/اولاً) من الدستور باعتبار ان الدورة الانتخابية الحالية بدأت في 9/1/2022 ولمدة اربعة سنوات تقويمية وهذا معناه ان موعد اجراء الانتخابات النيابية الجديد يكون يوم 24/11/2025 وليس 11/11/2025  ، في حين ذهب رأي فقهي تبناه استاذنا الدكتور غازي فيصل مهدي الى اعتبار المدة المشار اليها في النص المذكور هي مدة اجرائية تنظيمية طالما انها لم تقترن بجزاء على مخالفتها وان تقديم موعد الانتخابات اياماً لايؤثر على سلامتها من الناحية الدستورية لانه لم يلثم ولاية مجلس النواب واستمرارها حتى انتهت مدة الدورة الانتخابية .

2.         ان الاراء الفقهية المشار اليها في (1) اعلاه اثارت ذات الخلاف التقليدي حول طبيعة القواعد الدستورية عموماً سواء كانت نصية او ذات دلالات عددية ، حيث يرى اصحاب الذهب الشكلي بأن قواعد القانون الدستوري لاتعد قواعد قانونية لانها لاترتبط بجزاء مادي ولايقر هذا المذهب بوجود الجزاء المعنوي ، في حين يرى المذهب الموضوعي الذي لايقف عند النظرة الشكلية لقواعد القانون وانما يبحث في جوهره وطبيعته باعتبار القواعد القانونية تمثل ظاهرة اجتماعية ، ويرون ان عنصر الجزاء متوفر في القواعد الدستورية وان كان لا يتخذ شكل الجزاء المادي عن مخالفة قواعده ، وانما يتمثل بصورة اخرى للجزاء وهي صورة الجزاء المعنوي المتمثل بردة فعل واستهجان الجماعة لاي خرق لقواعد الدستور ، ويخلص هذا الاتجاه الى ان قواعد الدستور ملزمة وان الجزاء المترتب هو ذي طبيعة معنوية من خلال رفض واستهجان المجتمع السياسي اتجاه اي خرق ينال من القواعد الدستورية ، وان القول بخلاف ذلك يعد خرق لمبدأ علوية الدستور ومبدأ تدرج القاعدة القانونية .

3.         ذهبت المحكمة الاتحادية العليا في قرارها التفسيري الى عدم جواز تخطي المدد الدستورية واعتبرت تخطي المدد الدستورية تخطي لارادة الشعب الذي ثبت هذه المدد من خلال صناديق الاقتراع ، حيث جاء في حيثيات القرار (.... ان نص المادة (56/اولاً وثانياً) من الدستور ، هو نص حاكم حدد مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب باربع سنوات تقويمية تبدأ من اول جلسة يعقدها مجلس النواب برئاسة اكبر الاعضاء سناً بناء على دعوته للانعقاد من قبل رئيس الجمهورية وبمرسوم جمهوري وتنتهي بنهاية السنة الرابعه ، وبذلك يكون يوم اجراء الانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب هو الحد الفاصل بين شرعية منتهية واخرة متجددة وهو الترجمه الفعلية لفكرة ان نظام الحكم في العراق يقوم على مبدأ التداول السلمي للسلطة وان الشعب مصدر السلطات وشرعيتها وان الحكم يجب ان يستمد من صناديق الاقتراع وضمن مدد دستورية واضحة، فاليوم الذي تجري فيه الانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب يعد نهاية طبيعية لدورة كل من مجلس النواب السابقة ومجلس الوزراء المنبثق عنه وتنتهي شرعيتها السياسية بمجرد انتخاب مجلس النواب الجديد وذلك تعزيزاً للشرعية الدستورية للمؤسسات المنتخبة ولمنع احتكار السلطة او تمديدها بغير سند دستوري وبالتالي لايجوز لاي جهة تخطي هذه المدد الدستورية لان تخطيها يعني تخطي لارادة الشعب الذي ثبت هذه المدد ابتداً وانتهاءاً حين وافق على مواد الدستور من خلال الاستفتاء العام الذي جرى على مواده كافه .....) ، من فقرة القرار المتقدمة نلاحظ ان القرار قد اعتبر نص المادة (56) نصاً حاكماً وهنا نتسأل هل يوجد في الدستور نص حاكم واخر غير حاكم؟ ، اذ ان جميع النصوص الدستورية تتمتع بنفس القيمة القانونية ، كما ان القرار اعتبر اجراء الانتخابات انتهاء لشرعية مجلس النواب السابق وابتداً لشرعية جديدة لمجلس النواب المنتخب وان مثل الاقرار معناه اعتراف مسبق بشرعية نتائج الانتخابات النيابية قبل انتهاء مدة الطعون الانتخابية والمصادقه على النتائج النهائية للانتخابات من قبلها ، فضلا عن ذلك ان القرار حمل تعارضاً في طياته فهو من جانب يرى ان المدد الدستورية لايجوز تخطيها وعد تخطي المددة الدستورية تخطي لارادة الشعب ومن جانب اخر اقر بشرعية مجلس النواب المنتخب وانهى اعمال مجلس النواب القديم وقصر اعماله على تصريف الامور اليومية ، فاذا كانت المدد حتمية لايجوز تخطيها وفقاً لمنطوق القرار فالمفهوم المخالف لذلك ان اجراء الانتخابات قبل مدتها تعد مخالفة للدستور وجزاء المخالفة البطلان ، وبالتالي لايمكن ان تجتمع مخالفة الدستور مع شرعية النتائج  .

4.         النتيجة المستفادة من قراءة نص القرار هي الاعتراف بشرعية مجلس النواب الجديد وانتهاء شرعية المجلس المنتهية دورته الانتخابية ، حيث ان القرار اقر ضمنياً ان هذه المدة المشار اليها في المادة (56/ثانياً) هي مدة توجيهية وليست حتمية طالما قد اعترف بشرعية الانتخابات النيابية ولم يقرر بطلان الاجراءات الخاصة بالانتخابات ، فمنطوق نص الحكم المتمثل بعدم جواز تخطي المدد هو اقرار بوجود مخالفة دستورية ، وهذا يتعارض مع النتيجة وهي الاقرار بشرعية الانتخابات وبالتي فأن التفسير الضمني المستفاد هو ان هذه المدة هي مدة تنظيمية لايترتب على مخالفتها بطلان الاجراءات .

5.         ان الاشارة في قرار الحكم الى انتهاء شرعية وبدأ شرعية جديدة مستمدة من صناديق الاقتراع سيقطع اي طريق للخاسرين مستقبلاً بالطعن بشرعية الانتخابات من جانب مخالفة المدة المنصوص عليها في المادة (56/ثانياً) من الدستور ، لان القرار التفسيري حسم ضمنياً عدم تاثير تغيير موعد اجراءات الانتخابات على شرعيتها .

 

 


مشاهدات 50
الكاتب احمد طلال عبد الحميد البدري
أضيف 2025/11/19 - 5:45 PM
آخر تحديث 2025/11/19 - 11:39 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 750 الشهر 14110 الكلي 12575613
الوقت الآن
الأربعاء 2025/11/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير