الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
معاناة الثقافة الدينية الإسلامية في العراق

بواسطة azzaman

معاناة الثقافة الدينية الإسلامية في العراق

سامي الزبيدي

 

تعتبر الثقافة الدينية ذات أهمية كبيرة في بناء حياة الإفراد والمجتمعات والأمم , والثقافة الدينية جزءا من الثقافة العامة  والتي يعرفها الباحثون والمفكرون بأنها البناءات و النتاجات والذخائر المادية والمعنوية لأية امة أو بلد أو مجتمع أو قومية ولما كلن الدين يشكل محوراً في حياة الأمم فالثقافة الدينية بالنتيجة لها ثقل كبير في فعاليات و نتاجات الأمة والمجتمع , وللثقافة الدينية في العراق ارتباطاً وثيقاً بتاريخ العراق الاجتماعي والسياسي فالعراق عانى كثيرا من الاحتلال الأجنبي الفارسي والعثماني والانكليزي ثم الأمريكي وقد ألقت فترات الاحتلال هذه بظلامها على حياة المجتمع وثقافته وكانت أكثر الفترات ظلاما هي فترة الاحتلال العثماني لطول هذه الفترة أولاً وثانياً للتخلف الذي عانى منه العراق في جميع الميادين الاجتماعية والتربوية والصحية والاقتصادية والعلمية وغيرها وكان الجهل والأمية يخيمان على كل مدن العراق فلا مدارس إلا في بغداد وبعض المدن الكبيرة وهي قليلة جدا ولا معاهد ولا كليات ولا جامعات مما اثر سلباً على العملية التربوية والتعليمية والثقافية وكان التعليم آنذاك من نصيب العوائل الراقية واغلبه يتم في الكتاتيب أو في المدارس الدينية أما العوائل الفقيرة فكانت محرومة منه وقد تحسن وضع التعليم بعض الشئ مع تأسيس الدولة العراقية عام 1921  حيث أنشأت العديد من المدارس في مدن العراق المختلفة وبعد فترة فتحت بعض المعاهد والكليات وللظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة بسبب الاحتلال الانكليزي فقد بقي التخلف والأمية سائدين في اغلب المدن وفي الريف العراقي بشكل خاص ولهذه الأسباب ظلت الثقافة بشكل عام والثقافة الدينية بشكل خاص محصورة في اتجاهاتها وأهدافها الضيقة لتأثرها بالبيئة المحلية ذات التوجهات المذهبية وتأثرها بالمحيط الخارجي المتمثل في دول الجوار خصوصاً إيران وتركيا والسعودية وحتى في المدن الدينية المقدسة كانت الثقافة الدينية متأثرة بالحوزات والمدارس الدينية التي لم تأخذ بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية والسياسية التي حدثت في حياة العراقيين لذا بقي دورها محدوداً ومحصوراً في طلاب الحوزات والمدارس الدينية وأعداداً قليلة من المثقفين والمتعلمين ولهذه الأسباب لم تتبلور ثقافة دينية واضحة المعالم لأبناء المجتمع على اختلاف مذاهبهم ومستوياتهم العلمية , وهناك أسباب أخرى عديدة حالت وتحول دون تطور ثقافة دينية رصينة في مجتمعنا منها تدريس موضوع التربية الإسلامية في المدارس والمعاهد والكليات والذي لا يتظمن مفاهيم إسلامية ثقافية وما أكثرها في ديننا الإسلامي وحتى الأديان الأخرى بل بقي لا يعدو عن شرح سور وآيات من القران الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وبعض المواضيع البسيطة الأخرى وهذه الدراسة عقيمة لأنها تخلو من مواضيع جوهرية تشكل مدخلا لثقافة دينية أولية تتبعها مواضيع أخرى ذات طابع ثقافي إسلامي شامل في مراحل دراسية متقدمة وهناك سبب مهم لقصور الثقافة الدينية في مجتمعنا يكمن في رجال الدين لانغلاقهم وتقوقعهم  في مذهبهم وعدم الانفتاح على المذاهب الاخري وإيجاد صيغ من التعاون والتحاور فيما بينهم يقو د الى حوارات وإصدار كتب ومطبوعات  ومؤلفات تغني المكتبة العراقية بأعمال تسهم في بلورة الوعي وتطوير الثقافة الدينية لمختلف المذاهب وثمة سبب آخر اثر سلباً على الثقافة الدينية وهو الأحزاب السياسية التي نشأت في العراق بعد تأسيس الدولة العراقية وبداية العهد الملكي فاغلب هذه الأحزاب أما علمانية أو قومية أو أممية فكان اهتمامها ينصب على ثقافتها الحزبية أما الأحزاب التي جاءت مع الاحتلال الأمريكي عام 2003 فهي طائفية مغلقة مذهبياً ولا تعير للثقافة الدينية الرصينة أي اهتمام , ولعل أهم سبب من أسباب انكفاء الثقافة الدينية الإسلامية في العراق هو الموروث الديني المشوه لدى العامة والمعتمد على ممارسات وطقوس وروايات وكتب موضوعة ومزيفة وضعت في ظروف استثنائية لخدمة السلاطين وبعض رجال الدين وبقيت العامة تجتر هذه الروايات والموروث الخاطئ والشعائر البعيدة عن الدين عاماً بعد عام حتى أصبحت كأنها من أصول الدين وقيمه بفضل أعداد من المعممين والمنتفعين الذين اتخذوا من الدين ستاراً ومن التطرف والشعوذة والخرافات وزرع الفرقة والفتنه بين المسلمين وسيلة لبقائهم وإبقاء قيم الدين ومبادئه الراقية وشعائره الحقيقية بعيدة عن أنظار الناس ومسامعهم وهكذا شوهت الكثير من العقائد والشعائر بفضل الجهل والجهلة والتقليد الأعمى  للبسطاء والسذج لشخصيات دينية اتخذوا من هؤلاء مطية لتحقيق مآربهم ومن الموروث الديني المخطوء طريقا للكسب وبذلك أهملت الثقافة الدينية الحقيقية وساد الاعتقاد لدى العوام والجهلة ان الطقوس والشعائر الزائفة والبدع والخزعبلات الوافدة هي التي تقربهم زلفى الى الله ورسوله وأهل بيته وهي صك الغفران والطريق الموصل الى الجنة وبقي هذا القصور الكبير في معرفة حقيقة الدين ومنهجه وتشريعاته لدى الكثيرين بسبب القصور في فهم الثقافة الدينية الصحيحة .                                                                       وإزاء هذا الوضع المقلق  لابد للمتنورين من رجال الدين والعلماء والأدباء والكتاب والمثقفين والإعلاميين من وقفة جادة للشروع  ببناء وتطوير وإشاعة ثقافة دينية رصينة وفق أسس إسلامية تنبع من عمق الموروث الديني الصحيح والتشريعات الإسلامية السامية بسيطة في محتواها عميقة في معانيها ودلالاتها تستمد مصداقيتها ومقبوليتها من تعاليم ديننا وتاريخنا وحضارتنا الإسلامية العريقة بعيدة عن الأكاذيب والممارسات المسيئة التي ادخلها تجار الدين وأصحاب النفوس المريضة ثقافة تستند الى ثوابت وقواعد تجعل من التقارب بين المذاهب منهجاً لها ومن التسامح والتآزر محوراً لها ومن اعتماد الحقائق الدينية عناوين لها ومن تاريخنا الإسلامي معينا لها , أما الخطوات التي يجب إتباعها في بناء وتطوير مثل هكذا ثقافة دينية رصينة وبعيدة عن التشويه والموروث الديني المخطوء فهي خطوات يجب ان تكون واثقة وموزونة وتتطلب تضافر جهود أكثر من جهة ومؤسسة وعنوان في مقدمتها الدولة بوزاراتها ومؤسساتها ذات الصلة (الثقافة والتربية والتعليم والتعليم العالي و الوقفين الشيعي والسني ) من خلال تغيير منهاج التربية الإسلامية للمدارس والمعاهد والكليات وجعلها أكثر ملائمة للواقع الحالي يركز فيها على الثقافة الدينية المستوحاة من ديننا الإسلامي وقيمه النبيلة وعلى وزارة الثقافة الاهتمام بالثقافة الدينية من خلال إصدار الكتب والمطبوعات التي تلبي احتياجات المجتمع وتوسيع مداركه في هذا الجانب وهذا ينطبق أيضاً على الحوزات العلمية والمدارس الدينية لجميع المذاهب وعلى المفكرين والمثقفين والكتاب والأدباء الإسلاميين والعلمانيين وغيرهم الكتابة في مواضيع الثقافة الدينية المعتدلة التي لها مساس بحياة الفرد والمجتمع والتي تساعد على الفهم الصحيح للدين وتوضح الاختلافات الفقهية بين المذاهب وتزيل الإبهام والتشويه عنها وتقرب بينها وعلى أأمة المساجد والحسينيات والمراقد المقدسة تضمين خطبهم ومحاضراتهم مواضيع تهم حياة الناس وعلاقاتهم وسؤولياتهم الدينية والاجتماعية بلغة ساسة ومفهومة بعدية هن التطرف واجترار حوادث تاريخية عفا عليه  الدهر تأزم العلاقات بين أبناء الدين الواحد وعلى أبناء المجتمع على اختلاف شرائحهم ومستوياتهم والتزود بالثقافة الدينية الصحيحة من خلال الاطلاع والقراءة والمتابعة بعد ان توفرت لهم  وسائل عديدة ومتنوعة أكثر من الأجيال التي سبقتهم كالمكتبات والانترنيت والفضائيات والاتصالات والمطبوعات .


مشاهدات 44
الكاتب سامي الزبيدي
أضيف 2025/11/19 - 5:43 PM
آخر تحديث 2025/11/19 - 11:39 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 744 الشهر 14104 الكلي 12575607
الوقت الآن
الأربعاء 2025/11/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير