فاتح عبد السلام
تكذب جميع الحكومات العربية من دون استثناء إذا ادعت يوماً انها عملت شيئاً من اجل انجاز نوعي، لها ان تعلنه في اليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق في الثامن عشر من شهر كانون الأول من كل عام، اذ العالم ينظر الى العربية في يومها الدولي الاممي الكبير، وهي تقف ضعيفة بالكاد يستر عريها مثقف هنا ومعلم هناك وجهة بعيدة او قريبة ترعى العربية بجهود باتت شبه فردية.
تاريخ ، يجب ان نعمل من اجل تكبير عناوينه في ذاكرة الشعوب الأخرى ، لكنه يمر تحت دخان الأنظمة العربية المنشغلة بألعابها السياسية وفبركاتها في كتابة تاريخ مزيف للأمة التي تكاد تفقد ذات يوم أبرز مقومات وجودها وهو اللغة العربية ، وقد بات التحدث بها نخبويا في مجالات ضيقة تحت موجات الاعلام المرئي الفاقد لشروط النضج والهوية والاصالة، بعد ان سادت اللهجات واللغات البائدة المعجونة بسقط متاع “التغريب” الذي نلتقطه متناسين انّ الأمم الغربية المتقدمة تولي أقصى اهتمامها للغاتها التي لا تمتلك الثراء اللغوي العظيم للمعجم العربي.
في العراق ، يتساءل المرء : مَن يفكر بهذا اليوم العالمي ، ومَن يعمل من أجله في النطاق المحلي أو الدولي ، وزارة الثقافة وهي بالكاد تقرأ وتكتب، أم اقسام اللغة العربية في الجامعات وهي أحوج ما تكون الى مقوّم لغوي، أم الأحزاب التي تتنكر للعروبة وما يتصل بها بوصفها سُبّة يجب التخلي عنها لصالح هويات أخرى، متجاهلين انّ الإسلام ذاته مادته الأساسية هي العربية ومدى رسالته الإنسانية ،ومن هنا كانت اللغة العربية لقرون لغة الحضارة التي لا تزال اصداؤها في علم الجبر والهندسة والطب والفلك، تتردد عن جدارة في بقاع الأرض، وما زالت الجامعات الكبرى في العالم تتعمق في دراسة مصطلحات ابن الهيثم والزهراوي والخوارزمي والرازي، وتقف اجلالاً لعلمهم الابتكاري الرائد الذي لولاه لما عرفت البشرية اليوم الكومبيوتر أو الصواريخ بالغة الدقة أو الطيران وعمليات القلب المفتوح. تلك هي الحقيقة في انَّ أصل العلوم في تطورها العميق كان عند العرب بالرغم من اضاءات الحضارات البابلية، والسومرية، والمصرية، واليونانية.
اللغة ليست مفردات ومصطلحات ومعاجم وتراكيب إعرابية وقواعد صرفية وحسب، هي نبض حياة الامة لكي تستمر في العيش والعطاء. حين نفقد لغتنا نكون أمة خرساء، فوق الخرس الذي كمّموا به أفواه الملايين لصالح حكومات فاسدة وبرلمانات ملوثة وزعامات من ورق بال.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية