الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كؤوس‭ ‬من‭ ‬دفتر‭ ‬الغفلة

بواسطة azzaman

كؤوس‭ ‬من‭ ‬دفتر‭ ‬الغفلة

علي السوداني

 

كان‭ ‬البناء‭ ‬قائماً‭ ‬على‭ ‬أربع‭ ‬طبقات‭ ‬،‭ ‬يتسع‭ ‬في‭ ‬جبهته‭ ‬ويضيق‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬مؤخرته‭ ‬،‭ ‬فيتحول‭ ‬بقدرة‭ ‬البناة‭ ‬الأفذاذ‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬المثلث‭ ‬العتيق‭ ‬الذي‭ ‬يصطاد‭ ‬التلاميذ‭ ‬الكسالى‭ ‬التنابلة‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬الرياضيات‭ ‬المعقدة‭ ‬والهندسة‭ ‬التي‭ ‬تكشف‭ ‬سعة‭ ‬الأرض‭ ‬تحته‭ ‬من‭ ‬حاصل‭ ‬ضرب‭ ‬ضلع‭ ‬بضلع‭ ‬وصفنة‭ ‬بصفنة‭ ‬وخنزرة‭ ‬معلم‭ ‬غير‭ ‬رحيم‭ .‬

الإنارة‭ ‬تبدو‭ ‬شحيحة‭ ‬وبخيلة‭ ‬والنوافذ‭ ‬المشتعلة‭ ‬هي‭ ‬أربع‭ ‬توزعت‭ ‬على‭ ‬الطبقات‭ ‬بعدل‭ ‬مبين‭ .‬

ثمة‭ ‬قمر‭ ‬عملاق‭ ‬أضيف‭ ‬إلى‭ ‬المشهد‭ ‬الليلة‭ ‬،‭ ‬وهذا‭ ‬البديع‭ ‬الرهيب‭ ‬تسميه‭ ‬الناس‭ ‬العائشة‭ ‬خلف‭ ‬الجبل‭ ‬وعلى‭ ‬مد‭ ‬الوادي‭ ‬والنظر‭ ‬بقمر‭ ‬الحصادين‭ .‬

الإضاءة‭ ‬البخيلة‭ ‬تكاد‭ ‬تتشابه‭ ‬لكن‭ ‬ستائر‭ ‬الشبابيك‭ ‬الداخنة‭ ‬مثل‭ ‬فوانيس‭ ‬الفقراء‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬قماش‭ ‬مختلفة‭ ‬ألوانه‭ ‬،‭ ‬والظلال‭ ‬التي‭ ‬ترقص‭ ‬على‭ ‬حوائط‭ ‬الغرف‭ ‬لا‭ ‬تمنح‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬اليقين‭ ‬بوجود‭ ‬السيدة‭ ‬الريانة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬طبقة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأربع‭ ‬المدواخات‭ .‬

كرعتُ‭ ‬كأس‭ ‬العرق‭ ‬الحادة‭ ‬حتى‭ ‬وشالتها‭ ‬وأعدت‭ ‬قراءة‭ ‬آخر‭ ‬رسائل‭ ‬سيدوري‭ ‬إليَّ‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬بدا‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬السذاجة‭ ‬والهشاشة‭ ‬والإنزياح‭ ‬المجنون‭ ‬الذي‭ ‬يشبه‭ ‬انفتاح‭ ‬روازين‭ ‬العشق‭ ‬والغرام‭ ‬المباغت‭ .‬

في‭ ‬النهار‭ ‬الطويل‭ ‬أتمتع‭ ‬بفرجة‭ ‬متاحة‭ ‬منثورة‭ ‬على‭ ‬أربع‭ ‬نساء‭ ‬بيضاوات‭ ‬لدنات‭ ‬حلابات‭ ‬،‭ ‬وهن‭ ‬يكنسن‭ ‬ويشطفن‭ ‬الشرفات‭ ‬الصائحات‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬يعلقن‭ ‬حافظات‭ ‬الأثداء‭ ‬على‭ ‬حبال‭ ‬راقصة‭ ‬مشاعة‭ ‬تسر‭ ‬الناظرين‭ ‬الأحرار‭ ‬،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬فسوف‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬ميعاد‭ ‬تالف‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬إشارات‭ ‬تزداد‭ ‬ريبة‭ ‬كلما‭ ‬ماءت‭ ‬قطة‭ ‬ونبح‭ ‬كلب‭ ‬في‭ ‬الجوار‭ .‬

كتبت‭ ‬ان‭ ‬اسمها‭ ‬الحقيقي‭ ‬هو‭ ‬سيدوري‭ ‬فرددت‭ ‬عليها‭ ‬بالتعجب‭ ‬والتكذيب‭ ‬واللهفة‭ ‬فردت‭ ‬عليّ‭ ‬بمسبحة‭ ‬من‭ ‬حرف‭ ‬هاء‭ ‬جعلني‭ ‬أفور‭ ‬من‭ ‬فرط‭ ‬ضحكه‭ ‬وسخريته‭ ‬المرة‭ ‬السخماء‭ .‬

على‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬بيبان‭ ‬العصر‭ ‬المغبر‭ ‬عاجلتها‭ ‬بمكتوب‭ ‬يفند‭ ‬زنديها‭ ‬وصدرها‭ ‬الهاطل‭ ‬المائع‭ ‬مثل‭ ‬أم‭ ‬أفريقية‭ ‬ضخمة‭ ‬مزروعة‭ ‬تحت‭ ‬شجرة‭ ‬صمغ‭ ‬،‭ ‬وإن‭ ‬خريطة‭ ‬جسمها‭ ‬المرتبك‭ ‬لا‭ ‬تشبه‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬سيدوري‭ ‬الأولى‭ ‬صاحبة‭ ‬جلجامش‭ ‬وأنكيدو‭ ‬والصبي‭ ‬الفذ‭ ‬خزعل‭ ‬الماجدي‭ .‬

في‭ ‬التكرار‭ ‬الممل‭ ‬الذي‭ ‬يشبه‭ ‬أغنية‭ ‬بائتة‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬الدرويش‭ ‬،‭ ‬مرت‭ ‬كل‭ ‬المواسم‭ ‬المشمسة‭ ‬الهادئة‭ ‬الهائجة‭ ‬الصفراء‭ ‬الحمراء‭ ‬البيضاء‭ ‬العاصفة‭ ‬الراعدة‭ ‬الساكتة‭ ‬،‭ ‬وظل‭ ‬الليل‭ ‬غامضاً‭ ‬ومبهماً‭ ‬،‭ ‬والنهار‭ ‬حبل‭ ‬غسيل‭ ‬يتصابى‭ ‬ويلوّح‭ ‬بتأويلاته‭ ‬لحكاية‭ ‬بدت‭ ‬غاطسة‭ ‬في‭ ‬لجة‭ ‬من‭ ‬أفخاخ‭ ‬المعنى‭ ‬،‭ ‬كأنها‭ ‬لطعة‭ ‬من‭ ‬حلاوة‭ ‬ليل‭ ‬يقلّيها‭ ‬المغني‭ ‬المرواتي‭ ‬التعيس‭ ‬،‭ ‬ويلحنها‭ ‬جوقٌ‭ ‬أخرق‭ ‬يمر‭ ‬بالزقاق‭ ‬ويضحك‭ ‬فقط‭ .‬

 

  


مشاهدات 739
الكاتب علي السوداني
أضيف 2023/08/29 - 3:48 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 7:00 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 404 الشهر 11528 الكلي 9362065
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير