الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قطعة‭ ‬منفلتة من‭ ‬دفتر‭ ‬الكبد

بواسطة azzaman

قطعة‭ ‬منفلتة من‭ ‬دفتر‭ ‬الكبد

علي السوداني

تحياتي‭ ‬مرة‭ ‬أُخرى‭ ‬لكنها‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬الأخيرة‭ ‬حتماً‭ ‬،‭ ‬فلقد‭ ‬تعايشت‭ ‬مع‭ ‬الأمر‭ ‬مثل‭ ‬قدَر‭ ‬معمول‭ ‬بمطبخ‭ ‬سوء‭ ‬الحظ‭ ‬وفوضى‭ ‬العاطفة‭ .‬

سأكون‭ ‬شحيحاً‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬لأن‭ ‬كمية‭ ‬الوهن‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تغزو‭ ‬جسمي‭ ‬لا‭ ‬تعينني‭ ‬كثيراً‭ ‬على‭ ‬المطاولة‭ ‬والمطاردة‭ ‬القصصية‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬تحبها‭ .‬

إنْ‭ ‬شعرتَ‭ ‬بذنب‭ ‬أو‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬وخز‭ ‬الضمير‭ ‬،‭ ‬فاعلم‭ ‬أنني‭ ‬أسامحك‭ ‬بنفس‭ ‬الدرجة‭ ‬التي‭ ‬قسوت‭ ‬فيها‭ ‬عليك‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬الخوالي‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬نتدبر‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬خبزنا‭ ‬الحافي‭ .‬

أما‭ ‬الآن‭ ‬فدعني‭ ‬أخبرك‭ ‬بصدق‭ ‬خالص‭ ‬،‭ ‬أنك‭ ‬إذا‭ ‬قررت‭ ‬العودة‭ ‬المؤقتة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬،‭ ‬فسوف‭ ‬أتفهم‭ ‬غيابك‭ ‬عن‭ ‬البيت‭ ‬وقد‭ ‬أحملك‭ ‬ثانيةً‭ ‬على‭ ‬ظهري‭ ‬إن‭ ‬شئت‭ .‬

يكفيني‭ ‬أن‭ ‬أعرف‭ ‬أنك‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬،‭ ‬وسيكون‭ ‬بمقدوري‭ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬طولك‭ ‬البهي‭ ‬وأنت‭ ‬تدلف‭ ‬إلى‭ ‬دكان‭ ‬الألعاب‭ ‬والضجيج‭ ‬المحبب‭ ‬لديك‭ .‬

سأسامحك‭ ‬وأضحك‭ ‬بقوة‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬أرك‭ ‬في‭ ‬الدار‭ ‬وما‭ ‬حولها‭ ‬،‭ ‬لأنني‭ ‬أعلم‭ ‬مدى‭ ‬كراهيتك‭ ‬لروائح‭ ‬المطهرات‭ ‬وأغلفة‭ ‬الدواء‭ ‬المبعثرة‭ ‬فوق‭ ‬الطاولة‭ ‬القديمة‭ ‬وربما‭ ‬تحت‭ ‬السرير‭ .‬

لا‭ ‬أريدك‭ ‬أن‭ ‬تسمع‭ ‬صوت‭ ‬سعالي‭ ‬اليابس‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬قطيرات‭ ‬الدم‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬لعبتي‭ ‬المفضلة‭ ‬حقاً‭ ‬،‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬سعلة‭ ‬فوق‭ ‬منديل‭ ‬الورق‭ ‬الناعم‭ ‬سأكون‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬زخة‭ ‬متفرقة‭ ‬أعود‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬استذكار‭ ‬درب‭ ‬التبانة‭ ‬والنجمة‭ ‬العرجاء‭ ‬وأخواتها‭ ‬اللاتي‭ ‬كن‭ ‬يغطين‭ ‬سطح‭ ‬المنزل‭ ‬البعيد‭ .‬

لم‭ ‬أعد‭ ‬أكلف‭ ‬العائلة‭ ‬حتى‭ ‬وسعها‭ .‬

سريري‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬صامداً‭ ‬راسخاً‭ ‬على‭ ‬أربع‭ ‬مع‭ ‬أزيز‭ ‬قليل‭ ‬كأنه‭ ‬سرب‭ ‬جراد‭ ‬قبل‭ ‬النفوق‭ .‬

لم‭ ‬أعد‭ ‬أدخن‭ ‬كثيراً‭ ‬كما‭ ‬تركتني‭ ‬آخر‭ ‬مرة‭ ‬،‭ ‬وليتك‭ ‬تفعل‭ ‬نفس‭ ‬ما‭ ‬أفعل‭ .‬

ماما‭ ‬الجميلة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تعشق‭ ‬صوتي‭ ‬،‭ ‬لكنها‭ ‬صارت‭ ‬تبرر‭ ‬سقطاتي‭ ‬القليلة‭ ‬على‭ ‬سلّم‭ ‬الأغنيات‭ ‬بطريقة‭ ‬نضحك‭ ‬عليها‭ ‬حتى‭ ‬نكاد‭ ‬نسبح‭ ‬بزخيخ‭ ‬الدمعات‭ ‬السواخن‭ .‬

لا‭ ‬تحزن‭ ‬رجاءً‭ .‬

أنت‭ ‬سبب‭ ‬بقائي‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ .‬

روزنامة‭ ‬الحائط‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الورق‭ ‬،‭ ‬والساعة‭ ‬لم‭ ‬تحن‭ ‬بعد‭ .‬

سأراك‭ ‬يوماً‭ .‬

كن‭ ‬بخير‭ .‬


مشاهدات 671
أضيف 2023/06/20 - 11:46 PM
آخر تحديث 2024/07/15 - 6:11 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 325 الشهر 7893 الكلي 9369965
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير