الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من‭ ‬شمال‭ ‬الرفاهية الى‭ ‬جنوب‭ ‬الكرامة

بواسطة azzaman

من‭ ‬شمال‭ ‬الرفاهية الى‭ ‬جنوب‭ ‬الكرامة

نزار محمود

 

 

ظاهرياً،‭ ‬وفي‭ ‬الغالب،‭ ‬لم‭ ‬يجبرنا‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الغرباء‭ ‬على‭ ‬هجر‭ ‬أوطاننا‭ ‬واللجوء‭ ‬الى‭ ‬بلدان‭ ‬الشمال،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تفحص‭ ‬الأمر‭ ‬يجعلنا‭ ‬نقف‭ ‬على‭ ‬رأي‭ ‬آخر‭!‬

يتحدث‭ ‬المهتمون‭ ‬بقضايا‭ ‬الهجرة‭ ‬عن‭ ‬عوامل‭ ‬طاردة‭ ‬وأخرى‭ ‬جاذبة‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬عملية‭ ‬الهجرة،‭ ‬والمحفوفة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأوقات‭ ‬بمخاطر‭ ‬متنوعة‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وثقافية،‭ ‬وليس‭ ‬نادراً‭ ‬بخطر‭ ‬الموت‭! ‬فكم‭ ‬من‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬ابتلعهم‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬هجرتهم‭ ‬من‭ ‬أفريقيا‭ ‬السوداء‭ ‬وآسيا‭ ‬الصفراء‭ ‬الى‭ ‬أوروبا‭ ‬البيضاء‭!‬

بيد‭ ‬ان‭ ‬تلك‭ ‬العوامل‭ ‬الطاردة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لتتشكل‭ ‬دون‭ ‬تقصير‭ ‬ذاتي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬شعوبها‭ ‬وادارات‭ ‬حكمها،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ومشاركة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قوى‭ ‬خارجية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬هذه‭ ‬المشاركة‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬أشكال‭ ‬الاحتلال‭ ‬والنهب‭ ‬والحكم‭ ‬الاستعماري‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬دول‭ ‬الجنوب‭ ‬الضعيفة‭ ‬المتخلفة‭.‬

وعلى‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬تسارعنا‭ ‬في‭ ‬الهجرة‭ ‬جماعات‭ ‬وفرادى‭ ‬وتعللنا‭ ‬بشتى‭ ‬الأسباب‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬بصائب‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‭. ‬أحببنا‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬نعد‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬أوطاننا،‭ ‬واشتقنا‭ ‬الى‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والجسد‭ ‬والمعتقد‭!‬

لكن‭ ‬الشمال‭ ‬لا‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬تلك‭ ‬الحريات‭ ‬وانما‭ ‬يتعداها‭ ‬بعوامل‭ ‬جذبه‭ ‬الى‭ ‬تقدمه‭ ‬العلمي‭ ‬والتقني‭ ‬ورفاهيته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بالقياس‭ ‬إلى‭ ‬الأوضاع‭ ‬المزرية‭ ‬لأطياف‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬شعوبنا‭.‬

لكننا‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أشبعنا‭ ‬حاجاتنا‭ ‬الجسدية‭ ‬ورغباتنا‭ ‬المكبوتة،‭ ‬بدأت‭ ‬مكنونات‭ ‬رغباتنا‭ ‬الدفينة‭ ‬الأخرى‭ ‬وتوقنا‭ ‬الى‭ ‬الوقوف‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الأول‭ ‬وعلى‭ ‬ذات‭ ‬درجة‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬الاحترام‭ ‬والتقدير‭. ‬كما‭ ‬بدأنا‭ ‬نفهم‭ ‬كيف‭ ‬اغتنت‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬وكيف‭ ‬تنامت‭ ‬وتراكمت‭ ‬ثرواتها،‭ ‬وكيف‭ ‬تنظر‭ ‬شعوبها‭ ‬الى‭ ‬شعوبنا‭. ‬وهكذا‭ ‬ومع‭ ‬تقدم‭ ‬العمر،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬وعي‭ ‬وخبرة‭ ‬وتشكل‭ ‬مواقف،‭ ‬ازداد‭ ‬إحساسنا‭ ‬بالحاجة‭ ‬الى‭ ‬كرامة‭ ‬خصوصية‭ ‬الهوية‭ ‬والشوق‭ ‬الى‭ ‬الوطن‭ ‬الأم‭.‬

لكن‭ ‬قطار‭ ‬العودة‭ ‬الى‭ ‬الجنوب‭ ‬سيحمل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غصة‭!‬

غصة‭ ‬ان‭ ‬الوطن‭ ‬الذي‭ ‬تركوه‭ ‬وعاش‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬أحلامهم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ذلك‭ ‬الوطن‭!‬

وغصة‭ ‬أن‭ ‬وطن‭ ‬أبنائهم‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يحن‭ ‬اليه‭ ‬آباؤهم‭ ‬من‭ ‬وطن‭!‬

برلين،‭ ‬14‭.‬11‭.‬2023


مشاهدات 594
الكاتب نزار محمود
أضيف 2023/11/18 - 10:03 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 9:18 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 402 الشهر 11526 الكلي 9362063
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير