الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
المثلية الجنسية:هل دخلنا حرب الثقافات؟(1)

بواسطة azzaman

المثلية الجنسية:هل دخلنا حرب الثقافات؟(1)

 

منقذ داغر

 

عدتُ لفندقي في احدى المدن الاوربية بعد دعوة عائلية من أصدقاء أبنتي الذين حُشروا وأطفالهم في شقة صغيرة ضاقت بنا. بحثتُ في غرفتي عن ورقة وقلم لأدون ملاحظاتي عن تلك الدعوة فلم أجد سوى تابلت(كومبيوتر لوحي) أخبرني موظف الفندق أنه يمكن أن أدون ملاحظاتي عليه. لم أعرف كيف أفعل ذلك فأستعنت بمجموعة قصاصات ورقية دونت عليها ملاحظاتي. دخلت بعدها للحمام الذي لم أجد فيه حنفيات مياه أعتيادية بل لوحات رقمية أتعبتني الى أن عرفت كيفية استخدامها! ثلاثة تغيرات كبرى،لم أنتبه لها سابقاً في خضم التطور التكنولوجي والاجتماعي السريع ،مرّت بي خلال ذلك المساء(الشقة والعوائل الصغيرة،أختفاء الاقلام والورق،واستبدال الحنفيات بمقابض رقمية) جعلتني أفكر عميقاً بحجم التغيرات التي نعيشها،بخاصة المجتمعات الغربية، وتأثير ذلك على ثقافتنا الأجتماعية.

وعدت القراء بعد نشر مقالي السابق(المثلية الجنسية،حرية أم أستبداد)أني سأحاول تفسير ظاهرة الترويج لما يسمى بالمثلية (أو الشذوذ)الجنسية وهل هي مؤامرة على المجتمعات المعاصرة وثقافتها المعتبرة. وعلى الرغم من أني من أشد المعادين لنظرية المؤامرة،الا أنني وجدتُ نفسي منقاداً لفكرة المؤامرة على مجتمعاتنا الشرقية كتفسير لما تحاول بعض الدول الغربية الترويج له في بطولة العالم المقامة في قطر حالياً بخصوص المثلية الجنسية ومجتمع الميم. لكني وجدت أن هذه المشكلة موجودة وبشكل أكثر حدة حتى في المجتمعات الغربية التي تشهد انقساماً ونقاشاً حاداً حول هذا الموضوع كجزء من نقاش واستقطاب عميق قاد الى ما يسمى بحرب الثقافة culture war داخل هذه المجتمعات. أجل، فمن يعيش في الغرب يستطيع بسهولة تمييز تلك الحرب وشدة الاستقطاب والذي كان من أحد أهم نتائجه صعود الحركات الشعبوية في أوربا والترامبية في أميركا والبريكزت في بريطانيا، كرد فعل لهذه الظاهرة الاقتصادية-الاجتماعية التي شقت تلك المجتمعات الى قطبين متصارعين وقلقَين على مستقبلهما. المثلية الجنسية ليست مؤامرة إذاً بقدر ما هي جزء من صراع أكبر في مجالات الآيدلوجيا ،والاقتصا د، والأجتماع .

 إنها جزء من عملية تشكّل إجتماعي جديد يرفض كل قيم الماضي،ويريد صنع مجتمعه الخاص المعولم والمستند الى معايير أجتماعية جديدة تشمل نسفاً لكثير من المعايير القديمة وأستبدالها بقيم فردية ومعايير أجتماعية تنتمي لعصر ما بعد الصناعة (عصر الرقمنة). عصر بدأت تتشكل ملامحه،سواء رضينا بها أم لم نرضَ، لتتواءم مع التغييرات السريعة في حياتنا الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية والتي عبّرتُ عنها في بداية المقال. أن من الصعوبة بمكان شرح تفاصيل ما يحصل لكني سأحاول قدر ما أمكنني أن أشرح بتلخيص غير مخلّ بالمضمون،ماهية حرب الثقافة التي يخوضها الغرب حالياً وأنعكاساتها على مجتمعاتنا والأجيال التي تعيش في الغرب حالياً،والأجيال التي ستعيش في منطقتنا في المستقبل القريب.

 وعلى الرغم من صعوبة الوقوف على الحياد في مثل هذا الصراع الايدلوجي المحتدم،لكني سأحاول قدر الإمكان الحفاظ على الحيادية العلمية.

تتداخل في حرب الثقافات  ثلاث مجالات رئيسة هي: المجال الآيديولوجي،والمجال الأقتصادي،والمجال الإجتماعي.

وتمتاز هذه الحرب بثنائية قطبية يتصارع فيها قطبان رئيسان هما الليبرالية التقدمية الجديدة progressive new liberalism? واليمين المتطرف far right?وغياب ملحوظ لأي أرض وسطى أو مجال توفيقي بين هذين القطبين. فالليبرالية التقدمية الجديدة تريد الأنتقال بنا الى مجال أجتماعي جديد يتناسب(حسب رؤيتها) مع التطور التكنولوجي والأقتصادي وعصر العولمة، في حين يصر أنصار اليمين المتطرف على العودة للماضي (الجميل) الذي أمتاز بعلاقات أجتماعية عاشها وأحبها وتعودت عليها أجيال ما بعد الحرب العالمية الثانية. ولكي لا يسيء القارىء فهم هذا الصراع،فأن هذا الوصف العام له لا ينفي وجود أجنحة وتيارات تتباين في توجهاتها الاجتماعية داخل هذين التيارين المتصارعَين. دعونا نبدأ بالقطب الذي يقود الحرب على كثير من القيم والمعايير الاجتماعية التي يعتقد أنها باتت غير ملائمة ويطالب بتغييرها،مثل الموقف مما يسمى بمجتمع الميم وهو اصطلاح يشير إلى مثليي الجنس ومزدوجي التوجه الجنسي وللمتحولين جنسيًا. وسبب اختيار هذا الاسم هو لأن المصطلحات «مثلي، مزدوج، متحول ومتحير» كلها تبدأ بحرف الميم. هذا الطرف ليس معنياً فقط بهذا الموضوع بل هو يدعو الى عدم التمييز بين الناس على أساس أصولهم أو ديانتهم أو بلدانهم..الخ. أنه القطب الذي يقود حملة التغيير المفاهيمي في كثير من المجالات الإجتماعية والإقتصادية،فمن هم الليبراليون التقدميون الجدد وما قصتهم؟

 

 

 


مشاهدات 841
أضيف 2022/11/29 - 4:35 PM
آخر تحديث 2024/11/20 - 8:05 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 34 الشهر 9505 الكلي 10052649
الوقت الآن
السبت 2024/11/23 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير