الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الأسباب والسيناريوهات المحتملة.. الحرب الروسية الاوكرانية 

بواسطة azzaman

الأسباب والسيناريوهات المحتملة.. الحرب الروسية الاوكرانية 

خالد شياع الرفيعي

 

يعتبر مفهوم الأزمة من المفاهيم السائدة في المجتمع المعاصر ، فقد أصبح يؤثر بشكل أو بآخر على جميع مناحي الحياة ، بدءاً من الأزمات التي يواجهها الفرد مروراً بالأزمات التي تمر بها الحكومات والمؤسسات وانتهاءً بالأزمات الدولية. يعود مصطلح الأزمة إلى الفكر اليوناني القديم ، مما يعني نقطة تحول في الأمراض الخطيرة والمميتة التي تؤدي إلى موت محقق أو الشفاء التام .

       أما الأزمة اصطلاحا فهي حالة توتر ونقطة تحول تتطلب اتخاذ قرار ينتج عنه مواقف جديدة سواء كانت سلبية أو إيجابية تؤثر على مختلف الجهات ذات الصلة ، أصبح مصطلح الأزمات من المصطلحات المستخدمة على جميع المستويات ، حيث أن عالم الأزمات عالم حي وتفاعلي بمراحله وخصائصه وأسبابه التي تتأثر بالدولة والمجتمع .

لقد ظهر الاهتمام المتزايد بدراسة الأزمة الدولية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 كما زاد الاهتمام ، هناك العديد من أهمها اندلاع الحرب الباردة بين الشرق والغرب ، والتي أوجدت العديد من الأزمات التي هددت السلم والأمن الدوليين ، مثل أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 ? والتي جعلت العالم يتأرجح. الإشراف على حرب نووية. في الحرب النووية لا يوجد منتصر أو مهزوم ، بل تدمير كل الأطراف المتحاربة. لهذا السبب نجد أن القوى العظمى والكبرى تبحث عن طرق جديدة لإدارة أزماتها تعرف باسم إدارة الأزمات الدولية.

أصل المشكلة

إن أصل المشكلة الأوكرانية تعود الى فترة الاتحاد السوفيتي الذي اثبت قوته طوال الحرب العالمية الثانية ثم بدأ يضعف بالتدريج ليسقط سقطة مدوية ليشكل نقطة فاصلة في حياة روسيا .

      إنَّ تدهور الاتحاد السوفيتي جاء من جراء تأثيرات خارجية . حيث كانت أوكرانيا على راس الدول التي تبث السم تشجيعا لإضعافه وتفكيكه في اواخر الثمانينيات مما شكل جرحا ترك ندبة كبيرة في روسيا وقادتها .

تُشكّل عوامل التاريخ والدين كوابحاً أساسيةً في وجه أي محاولات للانفصال أو الانقسام السياسي بين الامم والدول ، وهو ما ينطبق بشكل كبير على العلاقات الروسية الأوكرانية بعد الحرب الباردة ، فبقدر ما حاولت النخبة الحاكمة في أوكرانيا صيانة استقلالها عن روسيا من خلال ترقية كل أبعاد الهوية الوطنية ، حاولت موسكو من جانبها إيجاد معالم جديدة لهويتها ما بعد السوفيتية تتناسب مع  موروثها التاريخي والحضاري في المنطقة ؛ وينتمي الروس والأوكرانيون من الناحية العرقية الى الفرع السلافي الشرقي ، كما أن الديانة السائدة فيهما هي المسيحية الارثوذكسية والتي تعتبر موسكو مركزها الأساسي وحاملة رسالتها بين الشعوب السلافية ، والوصية على الإرث البيزنطي منذ الانشقاق التاريخي الذي حصل بين روما والقسطنطينية في عام 1054م ، حيث ظهر المذهب الأرثودوكسي منفصلاً عن المذهب الكاثوليكي اللاتيني ، واصبح ينظر لموسكو من قبل الروس وأتباع الكنيسة الارثوذوكسية في شرق أوروبا على أنها روما الثالثة .

     من الملحوظ أن اختلاف المدركات التاريخية النابعة من التاريخ الطويل الممتد بين البلدين والمختلف عليه قد لعب دوراً في الصراع ، ومن الامثلة على ذلك معاهدة بيرياسلاف التي تم توقيعها عام 1654م ، والتي هدفت الى توحيد دولة هوتمان القوزاق (أوكرانيا ) مع روسيا القيصرية ، وهي الاتفاقية التي جعلت أوكرانيا جزءاً لا يتجزأ من روسيا القيصرية منذ القرن السابع عشر ، وعلى مدار 367 عاما ً، ويتم الاستناد لهذه الحقائق التاريخية كحجة للمطالبين بإعادة أوكرانيا إلى الهيمنة الروسية  .

    لقد شهدت العلاقة ما بين الكنيسة الارثوذكسية والسلطة السياسية في موسكو تحولات مهمة ، فمنذ القرن 17 م  اصبح لها أدوار سياسية داخلية وخارجية في خدمة سياسات التوسع الروسي على مرّ القرون ، فكييف هي أم المدن الروسية والعاصمة التاريخية لإمارة كيفان روس وحاضنة الأرثوذوكسية الأولى منذ أن تم تعميد الأمير فلاديمير على ضفاف نهر الدنيبر، وبالتالي ففقدانها هو فقدان لجزء من تاريخ روسيا الطويل ، كما أنّ أوكرانيا بعدد سكانها 48 مليون يسود فيها المذهب الأرثودوكسي الذي يحظى بأتباع كثر يشكلون قاعدة دينية مهمة للكنيسة الروسية التي تحرص على التواصل الدائم معهم وضمان ولائهم لها .

أهمية الموقع الأوكراني بالنسبة لروسيا ( جغرافياً)

تحتل أوكرانيا موقعاً حساساً بين روسيا وأعضاء حلف شمال الأطلسي ؛ إذ تعد حالياً الدولة الفاصلة الأكبر بينهما، كما تحتل أكثر من نصف مساحة "البوابة الشرقية" المؤدية إلى أوروبا، وهي تعدها بوابةً لعبور التهديدات تاريخياً . ويستهدف استمرارعمليات الإدماج والشراكة الأوروبية والأطلسية تقليصَ نفوذ روسيا في تلك المنطقة وإحكام السيطرة عليها ؛ أما روسيا التي بات يؤرقها وصول نفوذ الغرب إلى جوارها المباشر والواسع ، فلا تستطيع أن تترك أوكرانيا لتصبح جزءاً من منظومتها الأمنية والاقتصادية ؛ إذ فضلًا عن المشاعر القومية الروسية تجاهها، فإنها تعتبر ضمن منطقة المصالح المتميزة  والحصن الاستراتيجي الأخير الذي يعزلها عن الغرب وحلفائه .

أهمية الموقع الأوكراني بالنسبة للاقتصاد الروسي 

تمثل أوكرانيا البوابة الرئيسية لصادرات الغاز الروسي إلى أوربا ، والأقرب إلى روسيا من جميع جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ، وحيثُ التاريخ المشترك بين البلدين بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية التقليدية حيث سميت أوكرانيا بـ (سلة الخبز ) للاتحاد السوفيتي السابق .

إنَّ اوكرانيا لها تأثيرٌ لا يمكن تجاهله على المستوى الاقتصادي لروسيا فهي تملك من الاراضي الزراعية ما يمنحها افضلية كبرى وعدا ذلك فقد احتضنت من الصناعات ما يكفي إلى رفع اقتصادها الى أعلى اقتصاديات العالم اجمع والأهم والأكثر خطراً هو امتلاكها للغاز والثروات الباطنية الاخرى حيث جعلها هدفاً لحلف الناتو الذي يسعى بكل ما يستطيع للوصول الى الأراضي الأوكرانية .

أما بالنسبة للموارد الطبيعية ، تعد أوكرانيا من الجمهوريات المتطورة اقتصادياً وتقوم قاعدتها الاقتصادية المتينة على توافر الثروات الباطنية المهمة ، وعلى رأسها قامات الفحم الحجري ومصادر الطاقة من النفط والغاز والكهرباء  ، وهذا ما يساعد على تطور الكثير من الصناعات فيها،  ولاسيما الصناعات الثقيلة والاستخراجية والتعدينية وصناعة الآلات ؛ تعتمد الصناعة الثقيلة في أوكرانيا على المعادن الصناعية التي لا يمكن الاستغناء عنها وخاصة الفحم و الحديد والملح .

أهمية البحر الأسود لروسيا

   تمثل منطقة البحر الأسود "رئة" مهمة لروسيا تحقق بها العديد من المصالح الاقتصادية في مجالات الطاقة والتجارة والاقتصاد ، ويعد البحر الأسود المياه الوحيدة الدافئة التي تستطيع السفن العبور منها شتاءً ، وقد دفعت السياسات الروسية حلف الناتو إلى تبنى خطوات للتدخل في الإقليم .

   لقد تضاعفت القيمة العسكرية والامنية لأوكرانيا بالنسبة لروسيا بعد الحرب الباردة حيث ، تواجد أحد أهم القواعد العسكرية البحرية الروسية في شبه جزيرة القرم في مدينة سيفاستيبول تحديداً وهو ما يعزز الانتشار العسكري الروسي في أحد أهم البحار القريبة من المياه الدافئة . حيث يعود تاريخ التواجد العسكري الروسي في هذه المنطقة الى عام 1783 ميلادية حيث قامت كاثرين الثانية بتأسيس أول قاعدة بحرية روسية في شبه جزيرة القرم وذلك تجسيداً للاستراتيجية العسكرية الاقتصادية الروسية ، التي سعت منذ قرون للوصول الى المياه الدافئة .أسباب الأزمة

      يعتبر نهر دنيبرو الذي يقطع الاراضي الاوكرانية من الشمال إلى الجنوب واقع اوكرانيا المتمثل بانقسامها إلى نصفين ، حيث يتجه احدهما الى اوروبا ، والنصف الاخر إلى روسيا ، هذا الواقع بدا وكأن اوكرانيا مكونة من دولتين مختلفتين ، حيث يندر عبور السكان من غربها الكاثوليكي إلى شرقها الارثوذكسي الصناعي الذي يتحدث أهله باللغة الروسية اكثر من اللغة الاوكرانية في دونتكس الصناعية التي لايزال تمثال لينين منتصباً فيها بكل فخر، فيما جرى استبداله بآنية زهور في لفيف في الجانب الغربي منها . ومنذ خروج اوكرانيا من الاتحاد السوفيتي عقب تفككه نشأ فيها تياران الأول يؤيد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ، النأي عن روسيا والعمل على الخلاص من الماضي المرير الذي رافق الحكم الشيوعي آنذاك والتطلع الى نموذج حكم ديمقراطي  حقيقي على نمط الديمقراطيات العريقة في اوروبا والغرب بصورة عامه يدعمه حزب( بيوت )الذي تتزعمه رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو وحزب "أوكرانيا لنا" الذي يتزعمه) فياتشيسلاف كورولينكو) . أما التيار الثاني والذي ظل اغلبيته من الاوكرانيين من أصول روسية ، فأنه بقي متمسك بالعلاقة مع روسيا والتحالفات التي ربطت الجانبين ، ملقياً على الغرب الذي شهدته اوكرانيا من ازمات سياسية واقتصادية ، القت بظلالها على الحياة المعيشية القاسية التي يعاني منها المواطنين في اوكرانيا . هذا التيار دعم وايد رئيس الوزراء في حينه ورئيس حزب) الاقاليم ) فيكتور يانكوفيتش والحزب الشيوعي الأوكراني بقيادة بيوتر سيمونينكو.

الاحداث المتسارعة

 بعد اندلاع الاحتجاجات الواسعة والتظاهرات الكبيرة في أوكرانيا في نهاية عام 2013 م والتي أستمرت وبلغت ذروتها في شباط 2014 وتم خلالها عزل الرئيس الأوكراني )فيكتور يانوكوفيتش( لم يؤيد سكان جنوب وشرق أوكرانيا هذه الأحداث ، وجاء  إلغاء قانون اللغة للأقليات في23 شباط  2014 والذي يشمل اللغة الروسية وإعلان اللغة الأوكرانية فقط لغة رسمية في البلاد ليزيد من ذلك الرفض لتلك المناطق ، فبدأت التظاهرات المضادة بعد الإطاحة بالرئيس (فيكتور يانوكوفيتش ) وحكومته من قبل المحتجون الذين ينتمون إلى القومية الروسية مبدين اعتراضهم على الثورة الأوكرانية ومطالبين بالانضمام مع روسيا الاتحادية وبالحصول على حكم ذاتي أوسع أو استقلال القرم عن أوكرانيا ،  فكانت تلك الأحداث المضادة تمهيد بالتدريج إلى احتلال القرم .

      وفي 27 فبراير احتل مسلحون يرتدون ملابس عسكرية روسية البرلمان القرمي ومطارين ومنشآت اخرى مهمة في القرم . وقد وجهت كييف اصابع الاتهام الى موسكو متهمة اياها بالتدخل في شؤونها الداخلية ، في حين انكرت روسيا هذه الادعاءات ، اما الجانب الروسي فقد وجه اصابع الاتهام الى الغرب بالوقوف وراء ما أسماه الانقلاب على الشرعية الانتخابية ، وادارة التظاهرات الشعبية ضد نظام يانكوفيتش ؛ ثم في الاول من  مارس تمت موافقة مجلس الاتحاد الروسي بالإجماع على طلب الرئيس بوتين استخدام القوات الروسية في أوكرانيا . وفي 3 مارس 2014 كخطوة  على حسم النزاع والتوتر تم إجراء استفتاء في القرم للانفصال عن أوكرانيا والانضمام لروسيا الاتحادية  وجاءت نتيجة الاستفتاء بنسبة 95%  مؤيدة للانضمام إلى روسيا الاتحادية التي أعلنت ضم القرم إليها .

لقد ادى التدخل الروسي في الأزمة الأوكرانية إلى فرض عقوبات من قبل دول عديدة  ، ففي بادئ الأمر تم فرض عقوبات عليها من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ثم امتد الأمر ليشمل الدول الحليفة والصديقة للولايات المتحدة مثل كندا واليابان ؛ إنَّ فكرة استخدام القوة ليست هي الوسيلة  الأنجع لتحقيق المصالح الأمريكية وتأمينها في المعاملات الرسمية الأمريكية بالنظام الدولي .

  لقد اتخذت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عدداً من الخطوات لمحاولة تخفيف أوجه الضعف الحقيقة والملموسة مقارنة بالضغط العسكري الروسي واحتمالية الاعتداء على دول أوروبا. وفي أعقاب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم ، نشرت الولايات المتحدة 12 طائرة مقاتلة من نوع  أف (15/16 ) في بولندا للمساعدة في العمليات الجوية هناك كما ضاعفت الوجود البحري الأمريكي في بحر البلطيق ،  وبينما رحبت بولندا ودول البلطيق الثلاث بهذه التحركات، إلا أنها قد وُصفت بغير الكافية . ان العامل العسكري يؤثر في حاله السلم والحرب في السياسة الدولية ولذلك فان الدول تخصص حصة كبيرة من دخولها الوطنية للأغراض العسكرية كل ذلك نتيجة لمسألة غاية في الأهمية وهي ان استراتيجية الدولة تعتمد على قدراتها العسكرية الى جانب قدراتها في المجالات الاخرى .

تصاعدت حدة التوتر بين روسيا وكل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وحلف الناتو مؤخراً ، على نحو بدا جلياً في القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي، في 13 ديسمبر2021 ? بفرض عقوبات على شركة "فاجنر" الروسية خلال المباحثات التي تركزت حول سبل ردع روسيا عن أي تدخل عسكري في أوكرانيا، وذلك عقب حشد روسيا قواتها العسكرية على الحدود الأوكرانية ، حيث بدا موقفها التصعيدي حاداً غلّفته تصريحات بعدم غزو أوكرانيا على الرغم من اتهامات الولايات المتحدة الأمريكية والناتو لها بالترتيب لهذه الخطوة . ونتيجة لذلك و إزاء التهديدات الوجودية والاستراتيجية لأمن روسيا ، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين  فجر الـ24 من شباط/فبراير للعام 2022? في بيان بثه التلفزيون "اتخذت قراراً بعملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا ، ولكن  ليس من بين خططنا احتلال أراضٍ أوكرانية فـالقوات الروسية تدافع عن البلاد وتحارب النازيين الجدد واعداً باقتياد الذين ارتكبوا العديد من الجرائم ؛ والمسؤولين عن إراقة دماء مدنيين بمن فيهم مواطنون روس إلى المحاكم .

السيناريوهات المحتملة للحرب

      يتفق المحللون حول العالم على أن الدخول في الحرب أمر أسهل من الخروج منها ، ومن بين مختلف السيناريوهات المحتملة في الحرب الروسية على أوكرانيا، ثمة سيناريوهات تطرح نتيجة للاستقراء المنطقي للحرب  وهي:

1ـ سقوط بوتين أو زيلنسكي . إن سقوط احدهما او كلاهما قد يؤدي الى تقارب في وجهات النظر التي قد تفضي الى انهاء الحرب المشتعلة بين الطرفين ، وليس ببعيد المحاولة التي تمت في 14 سبتمبر 2022 لاغتيال الرئيسين الاوكراني والروسي في نفس اليوم .

2 . الحل الدبلوماسي . إن مواصلة الحرب تحمل تهديداً لسلطة بوتين أكبر مما تحمله مذلة إنهائها ، فالصين تتدخل وتضغط على موسكو من أجل قبولها بتنازلات ، وهذا يدفع بوتين إلى البحث عن مخرج ،  في الوقت نفسه يشاهد المسؤولون الأوكرانيون التدمير المتواصل لبلادهم ، ويقتنعون بأن التنازلات السياسية أفضل من الدمار وزهق الأرواح . فيتدخل الدبلوماسيون ويتوصلون إلى اتفاق  به الأوكرانيون مثلاً بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم ، وعلى أجزاء من إقليم الدونباس . وفي المقابل يقبل بوتين باستقلال أوكرانيا وتعميق روابطها بأوروبا وهذا لا يبدو مرجحاً، ولكن ليس من المستبعد أن يخرج مثل هذا الاتفاق من رحم الأنقاض التي تركها النزاع الدموي.

3 . حرب طويلة . من المحتمل أن يتطور هذا النزاع إلى حرب طويلة الأمد. فقد تجد القوات الروسية نفسها غارقة في الوحل بسبب تحطم معنوياتها أو ضعف معداتها أو فشل قياداتها. وقد تستغرق القوات الروسية وقتاً أطول في السيطرة على المدن في أقليم الدونباس وغيرها ، التي يقاتل المدافعون عنها من شارع لشارع ، فيؤدي ذلك إلى حصار طويل الأمد. ويعيد القتال إلى الأذهان الصراع الوحشي الطويل الذي خاضته روسيا في التسعينيات للسيطرة وتدمير غروزني عاصمة الشيشان.

وحتى إن تمكنت القوات الروسية من دخول المدن الأوكرانية، فإنها قد تجد صعوبة في إحكام السيطرة عليها. وقد لا تستطيع روسيا توفير العدد الكافي من القوات لفرض وجودها بهذه  البلاد الشاسعة ، حيث تتحول الدفاعات الأوكرانية إلى فرق تمرد فاعلة ، مسلحة بالعزيمة ودعم السكان ، ومواصلة الغرب إمداد الأوكرانيين بالأسلحة والذخيرة . وربما تتغير القيادة السياسية في موسكو بعد سنوات فتغادر القوات الروسية أوكرانيا، منهكة ومدحورة مثلما حدث لها في1989 في أفغانستان بعد عشرية كاملة من القتال ضد المتمردين الإسلاميين . وحتى لو سيطر الروس على مدن استراتيجية مثل أقليم الدونباس أو أوديسا الساحلية جنوب البلاد ، فسيواجه بوتين بعد ذلك تحديا في الاستمرار في احتلالها، لان أوكرانيا لها حدود مع أربع دول سوفياتية سابقة (بولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا ) الآن أعضاء في حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة ، والذي لا ينفك من دعم الاوكرانيين في محاولة لإضعاف الروس والتقليل من خطرها على القارة العجوز .

4 .  المواجهة النووية . أقدم بوتين على تصعيد كبير بإعلانه وضع قوات الردع النووي "في حال تأهب خاصة"، في موقف مقلق ، حيث إن روسيا قد تستخدم قنبلة قد تكون "تكتيكية"، محدودة الوطأة . وبالتالي أن تخطي العتبة النووية لن يعني بالضرورة حرباً نووية فورية ، حيث سيتذرع بوتين بمحاصرة الناتو والاتحاد الأوروبي له من خلال دعم أوكرانيا بالأسلحة وغيرها من الوسائل ، ويمكنه شن واحدة أو أكثر من الضربات النووية المحدودة بما يسمى بالرؤوس الحربية التكتيكية (أي منخفضة القوة)  ولن يبقى أمام أوكرانيا، كما كان الحال لليابان في عام 1945  ? خيار سوى الاستسلام . وسيراهن بوتين هذه المرة على أن الغرب لن ينتقم نيابة عن أوكرانيا ؛ لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تبادل إطلاق نار نووي بأسلحة «استراتيجية» أكبر، وينتهي بـ(التدمير المتبادل المؤكد) . حيث حذر وزير الخارجية الروسي لافروف من أن "الحرب العالمية الثالثة لا يمكن إلا أن تكون حربا نووية". ويقول محللون غربيون إن مثل هذه التحذيرات  يجب أن تعتبر بمثابة موقف لردع الولايات المتحدة وأوروبا عن التفكير في مقترحات الدخول للحرب بصورة رسمية ، وهذا هو أسوء السيناريوهات المحتملة .


مشاهدات 1012
أضيف 2022/11/26 - 12:24 AM
آخر تحديث 2024/07/17 - 6:41 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 325 الشهر 7893 الكلي 9369965
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير