الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الضحك‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭ (‬2‭)‬

بواسطة azzaman

الضحك‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭ (‬2‭)‬

حسن النواب

 

‭(‬‮١‬‭)‬

ذات‭ ‬ظهيرة‭ ‬ممطرة‭ ‬زارني‭ ‬أخي‭ ‬زهير‭ ‬الأصغر‭ ‬مني‭ ‬عمراً‭ ‬الى‭ ‬كتيبة‭ ‬دبابات‭ ‬أشبيلية‭ ‬في‭ ‬قاطع‭ ‬الفكَّة،‭ ‬كان‭ ‬أخي‭ ‬مخابراً‭ ‬في‭ ‬مدفعية‭ ‬ذاتية‭ ‬الحركة‭ ‬تابعة‭ ‬إلى‭ ‬الفرقة‭ ‬الثالثة؛‭ ‬شاءتْ‭ ‬المصادفة‭ ‬وما‭ ‬أكثرها‭ ‬في‭ ‬الحرب؛‭ ‬أنْ‭ ‬تكون‭ ‬وحدته‭ ‬قريبة‭ ‬مني‭ ‬فجاءَ‭ ‬يتفقَّدني؛‭ ‬استقبلتهُ‭ ‬بالأحضان؛‭ ‬لكني‭ ‬هجستُ‭ ‬أنَّ‭ ‬احتضانهُ‭ ‬لي‭ ‬كان‭ ‬فاتراً؛‭ ‬فاستغربت؛‭ ‬بعد‭ ‬أنْ‭ ‬شرب‭ ‬الشاي‭ ‬مُستاءً؛‭ ‬أخبرني‭ ‬وقدُ‭ ‬أطرق‭ ‬برأسهِ‭ ‬إلى‭ ‬أرضية‭ ‬الملجأ‭ ‬الخضلة‭:‬

‭- ‬لم‭ ‬أتوَّقع‭ ‬منكَ‭ ‬أنْ‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك؟

‭- ‬خير؛‭ ‬لقدْ‭ ‬أقلقتني؛‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬فعلتهُ‭ ‬وأزعجك؟

بصعوبةٍ‭ ‬نطقَ‭ ‬العبارة‭:‬

‭- ‬مو‭ “‬عيب‭” ‬تشتغل‭ ‬مراسلاً؟

‭- ‬أنا‭!!‬

قال‭ ‬بنبرةٍ‭ ‬جريحةٍ‭:‬

‭- ‬عندما‭ ‬سألت‭ ‬عن‭ ‬اسمك‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬سيطرة‭ ‬الكتيبة؛‭ ‬أخبرني‭ ‬أحد‭ ‬الحراس‭ ‬تقصد‭ ‬المراسل‭ ‬حسن؟‭ ‬فصمتتُ‭ ‬مرتبكاً؛‭ ‬وإذا‭ ‬بالحارس‭ ‬يسألني‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬أخوك؛‭ ‬أجبتهُ‭ ‬مرتبكاً‭ ‬نعم‭ ‬هو‭ ‬أخي؛‭ ‬قال‭ ‬بنبرةٍ‭ ‬هازئةٍ‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬جندي‭ ‬بالكتيبة‭ ‬لا‭ ‬يطلبهُ‭ ‬النقود‭.‬

ثار‭ ‬غضبي‭ ‬كأنَّ‭ ‬معركة‭ ‬دامية‭ ‬راحتْ‭ ‬تدور‭ ‬برأسي؛‭ ‬صرختُ‭ ‬بهِ‭ ‬انهض‭ ‬معي؛‭ ‬أخذته‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬الكتيبة‭ ‬وهتفت‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬الجنود‭:‬

‭- ‬تعال‭ ‬إلى‭ ‬هتا‭.‬

أقبل‭ ‬الجندي‭ ‬يركض‭ ‬نحوي‭ ‬مثل‭ ‬فأرٍ‭ ‬مفزوعٍ‭.‬

سألتهُ‭: ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أسمك؟

أجاب‭ ‬مندهشاً‭:‬

‭- ‬حسن‭ ‬

سألته‭: ‬كم‭ ‬أطلبك؟

أجاب‭: ‬عشرين‭ ‬ديناراً

‭- ‬ومتى‭ ‬ترد‭ ‬الدين؟

‭- ‬وروح‭ ‬أبي‭ ‬على‭ ‬الراتب‭ ‬القادم‭.‬

‭- ‬ماهو‭ ‬عملك‭ ‬في‭ ‬الكتيبة؟

ضحك‭ ‬وأجاب‭:‬

‭- ‬أنا‭ ‬مراسل‭ ‬من‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬دخلت‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬الجيش‭.‬

هنا‭ ‬هزَّ‭ ‬أخي‭ ‬رأسهُ‭ ‬وسألهُ‭ ‬ساخطاً‭:‬

‭- ‬ألم‭ ‬يجدوا‭ ‬أهلك‭ ‬غير‭ ‬اسم‭ “‬حسن‭” ‬يسمونكَ‭ ‬بهِ‭.‬

وانفجرَ‭ ‬أخي‭ ‬زهير‭ ‬يضحك‭ ‬بضراوةٍ‭..‬

‭* ‬المراسل‭: ‬جندي‭ ‬يقوم‭ ‬بالخدمة‭ ‬للآمر‭ ‬والضبَّاط‭.‬

‭(‬‮٢‬‭)‬

بعدَ‭ ‬أنْ‭ ‬صمتتْ‭ ‬المدافع،‭ ‬وحُسمتْ‭ ‬معركة‭ “‬الفكَّه‭” ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬العمارة‭ ‬لصالحنا،‭ ‬توجَّبَ‭ ‬علينا‭ ‬إرسال‭ ‬موقف‭ ‬المعركة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬عدد‭ ‬الشهداء‭ ‬والجرحى‭ ‬وما‭ ‬نحتاجه‭ ‬من‭ ‬عتاد‭ ‬ووقود‭ ‬وأرزاق،‭ ‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬جنود‭ ‬مشاة‭ ‬يستريحون‭ ‬بظلال‭ ‬دبابتي،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬آمر‭ ‬الدبابة‭ ‬يرسل‭ ‬الموقف‭ ‬عبر‭ ‬جهاز‭ ‬لاسلكي‭:‬

‭- ‬سيدي‭ ‬لا‭ ‬خسائر‭ ‬في‭ ‬دبابتي،‭ ‬لكننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الموز؟؟

عندما‭ ‬سمع‭ ‬جنود‭ ‬المشاة‭ ‬كلمة‭ “‬موز‭” ‬قفزوا‭ ‬من‭ ‬رقدتهم‭ ‬مُبتهجين،

‭ ‬قال‭ ‬أحدهم‭ ‬لرفاقهِ‭:‬

‭- “‬راح‭ ‬يوصل‭ ‬موز‭ ‬إلينا‭ ‬بمناسبة‭ ‬نصرنا‭ ‬في‭ ‬المعركة‭”.‬

المساكين‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬أنَّ‭ “‬الموز‭” ‬هي‭ ‬مفردة‭ ‬مُشفَّرة‭ ‬تعني‭ ‬العتاد‭!! ‬

‭(‬‮٣‬‭)‬

‭ ‬ذات‭ ‬ليلة‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬الحرب،‭ ‬دخل‭ ‬إلى‭ ‬ملجئنا‭ ‬المسؤول‭ ‬الحزبي‭ ‬لكتيبة‭ ‬دبابات‭ ‬أشبيلية؛‭ ‬ليجرد‭ ‬البعثيين‭ ‬من‭ ‬المستقلين‭ ‬من‭ ‬جنود‭ ‬الرعيل،‭ ‬جلس‭ ‬قرب‭ ‬الفانوس‭ ‬وفتح‭ ‬دفتراً‭ ‬مستطيلاً‭ ‬وأخذ‭ ‬يردد‭ ‬بأسماء‭ ‬الرعيل‭ ‬المؤلف‭ ‬من‭ ‬‮١٢‬‭ ‬جنديَّاً؛‭ ‬كان‭ ‬الجنود‭ ‬يجيبون‭ ‬تباعاً‭ ‬حين‭ ‬ينطقُ‭ ‬بأسمائهم‭ ‬بعثي‭ ‬مؤيد؛‭ ‬أو‭ ‬بعثي‭ ‬نصير؛‭ ‬وعندما‭ ‬نطق‭ ‬اسمي‭ ‬قلتُ‭ ‬بهدوء‭:‬

‭- ‬مستقل؛‭ ‬

فسألني‭ ‬مرتاباً‭: ‬

‭- ‬لماذا؟

أجبتهُ‭ ‬بمكر‭:‬

‭- ‬لم‭ ‬أجدْ‭ ‬منْ‭ ‬يكسبني‭ ‬لحزب‭ ‬البعث‭.‬

تساءلَ‭ ‬بريبةٍ‭:‬

‭- ‬معقولة؛‭ ‬وأنت‭ ‬خريج‭ ‬معهد؟

أجبتهُ‭ ‬بإصرارٍ‭:‬

‭- ‬كنتُ‭ ‬مريضاً‭ ‬طيلة‭ ‬دراستي‭.‬

‭- ‬ماهو‭ ‬مرضك؟

‭- ‬فوبيا

‭- ‬ماذا؟

شعر‭ ‬بالحرج‭ ‬لأنه‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬بهذا‭ ‬المرض‭ ‬من‭ ‬قبل؛‭ ‬فأهملني،‭ ‬وحين‭ ‬ردَّدَ‭ ‬اسم‭ ‬ظلال‭ ‬وهو‭ ‬جندي‭ ‬متطوع‭ ‬من‭ ‬أهالي‭ ‬الناصرية؛‭ ‬أجابهُ‭ ‬ظلال‭ ‬بحماس‭:‬

‭- ‬رفيقي‭ ‬أنا‭ ‬بعثي‭.‬

سألهُ‭ ‬المسؤول‭ ‬الحزبي‭:‬

‭- ‬ماهي‭ ‬درجتكَ‭ ‬الحزبية؟

فأجاب‭ ‬الجندي‭ ‬ظلال‭ ‬بثقةٍ‭ ‬مطلقة‭:‬

‭- ‬مؤيد‭ ‬متقدِّم‭!! ‬

انفجر‭ ‬جنود‭ ‬الرعيل‭ ‬بالضحك‭ ‬ومعنا‭ ‬المسؤول‭ ‬الحزبي‭ ‬البليد‭.‬

‭(‬‮٤‬‭)‬

في‭ ‬آخر‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬إجازتي،‭ ‬تحرصُ‭ ‬أمي‭ ‬أنْ‭ ‬تضع‭ ‬في‭ ‬حقيبتي‭ “‬الكليچه‭”‬؛‭ ‬ذات‭ ‬إجازة‭ ‬ملأتُ‭ ‬حقيبتي‭ ‬بالكتب‭ ‬التي‭ ‬أقرأها‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬الحرب؛‭ ‬فلمْ‭ ‬تجدْ‭ ‬مُتَّسعاً‭ ‬فيها؛‭ ‬سارعت‭ ‬إلى‭ ‬خياطة‭ ‬كيس‭ ‬قماش‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السرعة‭ ‬لتضع‭ ‬فيه‭”‬الكليچة‭” ‬وحملتهُ‭ ‬بيدي‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬الحقيبة‭ ‬محمولة‭ ‬على‭ ‬كتفي؛‭ ‬كنتُ‭ ‬ثملاً‭ ‬للغاية‭ ‬حين‭ ‬صعدتُ‭ ‬إلى‭ ‬القطار‭ ‬الموغل‭ ‬بأحزانهِ‭ ‬نحو‭ ‬البصرة؛‭ ‬لم‭ ‬أجدْ‭ ‬مقعداً‭ ‬للجلوس‭ ‬لزحمة‭ ‬الجنود‭ ‬الذاهبين‭ ‬إلى‭ ‬الموت؛‭ ‬فصعدتُ‭ ‬على‭ ‬مسند‭ ‬أحد‭ ‬مقاعد‭ ‬الجنود‭ ‬لأثب‭ ‬إلى‭ ‬موضع‭ ‬الحقائب‭ ‬المشيَّد‭ ‬من‭ ‬قضبان‭ ‬الفولاذ،‭ ‬واستلقيتُ‭ ‬عليه،‭ ‬وضعتُ‭ ‬الحقيبة‭ ‬مع‭ ‬كيس‭ ” ‬الكليچة‭ ” ‬على‭ ‬صدري؛‭ ‬عندما‭ ‬وصل‭ ‬القطار‭ ‬إلى‭ ‬محطة‭ ‬المعقل،‭ ‬سارعتُ‭ ‬بالنزول‭ ‬للالتحاق‭ ‬بعجلة‭ ” ‬الإيڤا‭” ‬العائدة‭ ‬لكتيبة‭ ‬دبابات‭ ‬إشبيلية؛‭ ‬عندما‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬الملجأ‭ ‬عند‭ ‬التاسعة‭  ‬صباحاً؛‭ ‬كنتُ‭ ‬قد‭ ‬ْ‭ ‬استعدتُ‭ ‬رشدي،‭ ‬وشعرتُ‭ ‬بجوع‭ ‬قاسٍ،‭ ‬فانتشلتُ‭ ‬كيس‭ ” ‬الكليچة‭ ” ‬لالتهم‭ ‬قطعة‭ ‬منهُ؛‭ ‬مددت‭ ‬يدي‭ ‬فخرجت‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬الأخرى‭ ‬للكيس؛‭ ‬كان‭ ‬الكيس‭ ‬فارغاً‭ ‬وقد‭ ‬انفرطت‭ ‬الكليچة‭ ‬إلى‭ ‬بطون‭ ‬آخرين؛‭ ‬المسكينة‭ ‬أمي‭ ‬أخاطت‭ ‬حواف‭ ‬الكيس‭ ‬على‭ ‬عجل‭ ‬ويبدو‭ ‬خلال‭ ‬تنقلي‭ ‬العسير‭ ‬تسرَّبت‭ ” ‬الكليچة‭ ” ‬إلى‭ ‬جنود‭ ‬جوعى‭ ‬مثلي؛‭ ‬هنيئاً‭ ‬لهم‭.‬

حسن‭ ‬النواب


مشاهدات 744
أضيف 2022/10/31 - 7:22 PM
آخر تحديث 2024/07/17 - 7:11 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 324 الشهر 7892 الكلي 9369964
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير