الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الضحك في زمن الحرب

بواسطة azzaman

الضحك في زمن الحرب

حسن النواب

 

‭(‬‮١‬‭)‬

في‭ ‬إحدى‭ ‬إجازاتي‭ ‬من‭ ‬جبهة‭ ‬الحرب؛‭ ‬طُرقتْ‭ ‬باب‭ ‬الغرفة‭ ‬التي‭ ‬نمضي‭ ‬فيها‭ ‬أيام‭ ‬الإجازة‭ ‬نحنُ‭ ‬الأخوة‭ ‬الثلاثة؛‭ ‬نحتسي‭ ‬دمع‭ ‬عذاباتنا‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الحرب؛‭ ‬كان‭ ‬الطارق‭ ‬أبي‭ ‬رحمهُ‭ ‬الله،‭ ‬سارعتُ‭ ‬لإخفاء‭ ‬قنينة‭ ‬ابنة‭ ‬الكروم‭ ‬تحت‭ ‬السرير‭ ‬مع‭ ‬الكأس‭ ‬احتراماً‭ ‬لحضورهِ؛‭ ‬عندما‭ ‬دخل‭ ‬الغرفة‭ ‬كانت‭ ‬رائحة‭ ‬ابنة‭ ‬الكروم‭ ‬طاغية‭ ‬ومن‭ ‬المؤكَّد‭ ‬استنشقها؛‭ ‬جلس‭ ‬بجواري‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬السرير‭ ‬وقال‭:‬

•أخوك‭ ‬علي‭ ‬في‭ ‬إجازته‭ ‬الأخيرة؛‭ ‬أحرجنا‭ ‬أمام‭ ‬الأقارب‭.‬

•ماذا‭ ‬فعل؟

•لقد‭ ‬حضروا‭ ‬لزيارة‭ ‬أمك‭ ‬المريضة؛‭ ‬وكان‭ ‬الرئيس‭ ‬يخطب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التلفاز؛‭ ‬وإذا‭ ‬بأخيكَ‭ ‬علي‭ ‬يرفع‭ ‬حذاءً‭ ‬ويضعهُ‭ ‬فوق‭ ‬التلفاز‭ ‬أمام‭ ‬أنظارهم‭.‬

صمتَ‭ ‬لحظةً‭ ‬يستردُّ‭ ‬أنفاسه‭ ‬وأردف‭ ‬قائلاً‭ ‬بحذر‭:‬

•ما‭ ‬أدرانا‭ ‬ماذا‭ ‬يضمر‭ ‬الأقارب‭ ‬في‭ ‬قلوبهم‭ ‬علينا؟

أجبتهُ‭ ‬منفعلاً‭:‬

•هذا‭ ‬تصرّف‭ ‬أحمق‭ ‬منهُ‭.‬

•أريدكَ‭ ‬أنْ‭ ‬تكتب‭ ‬رسالة‭ ‬تحذِّرهُ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬الخطيرة؛‭ ‬وعندما‭ ‬يعود‭ ‬بإجازة‭ ‬يقرأها‭.‬

•سأكتب‭ ‬يا‭ ‬أبتي؛‭ ‬لا‭ ‬تقلق

غادرني‭ ‬أبي‭ ‬مهمومًا؛‭ ‬بينما‭ ‬استأنفتُ‭ ‬احتساء‭ ‬ابنة‭ ‬الكروم؛‭ ‬بعد‭ ‬مضي‭ ‬ساعة‭ ‬ثملتُ،‭ ‬سمعتُ‭ ‬صوت‭ ‬الرئيس‭ ‬يخطب‭ ‬من‭ ‬التلفاز‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬المنزل؛‭ ‬نهضتُ‭ ‬منزعجاً،‭ ‬دخلتُ‭ ‬إلى‭ ‬الصالة؛‭ ‬كان‭ ‬أبي‭ ‬وأمي‭ ‬وأُخيَّاتي‭ ‬يتطلَّعون‭ ‬إلى‭ ‬شاشة‭ ‬التلفاز؛‭ ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬انتشلتُ‭”‬جزمتي‭ ‬العسكرية‭” ‬لأضعها‭ ‬فوق‭ ‬التلفاز

هزَّ‭ ‬يدهُ‭ ‬أبتي‭ ‬غاضباً‭ ‬وقال‭:‬

•لا‭ ‬ربحنه‭. ‬

‭(‬‮٢‬‭)‬

كان‭ ‬أحد‭ ‬جنود‭ ‬الكتيبة‭ ‬المنحدر‭ ‬من‭ ‬ريف‭ ‬السماوة،‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬ترديد‭ ‬أذان‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬حيث‭ ‬يصعد‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬دبابته‭ ‬وبصوته‭ ‬الجهوري‭ ‬يهتف‭ ‬الله‭ ‬اكبر‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬الأذان،‭ ‬كان‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬لكسب‭ ‬الأجر‭ ‬المضاعف‭ ‬من‭ ‬صيامه‭ ‬المضبوط‭ ‬كما‭ ‬يعتقد،‭ ‬ذات‭ ‬غروب‭ ‬وقبل‭ ‬موعد‭ ‬الإفطار‭ ‬بدقائق،‭ ‬ترك‭ ‬الملجأ‭ ‬كعادته‭ ‬استعداداً‭ ‬للصعود‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الدبابة‭ ‬لتأدية‭ ‬نداء‭ ‬الأذان،‭ ‬وقبل‭ ‬أنْ‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الدبابة‭ ‬اخترق‭ ‬صمت‭ ‬الجبهة‭ ‬صفير‭ ‬قذيفة‭ ‬مدفع‭ ‬‮١٠٦‬ملم‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬الإيرانيين،‭ ‬كان‭ ‬صوت‭ ‬القذيفة‭ ‬المرعب‭ ‬قد‭ ‬صمَّ‭ ‬الآذان‭ ‬لقربه‭ ‬من‭ ‬ملاجئنا،‭ ‬ثم‭ ‬سمعنا‭ ‬صوت‭ ‬الانفجار،‭ ‬ومن‭ ‬سوء‭ ‬الحظ‭ ‬انفلقت‭ ‬القذيفة‭ ‬بجوار‭ ‬دبابة‭ ‬الجندي‭ ‬المؤذن،‭ ‬خمَّنَّا‭ ‬أنَّ‭ ‬الشظايا‭ ‬مزقت‭ ‬جسده‭ ‬النحيف،‭ ‬ورأينا‭ ‬دخان‭ ‬القذيفة‭ ‬يغطي‭ ‬الدبابة‭ ‬بسواده‭ ‬الكثيف،‭ ‬نادينا‭ ‬بقلق‭ ‬عليه‭: ‬عبد‭ ‬الله‭.. ‬عبد‭ ‬الله‭.. ‬ولم‭ ‬نسمع‭ ‬جواباً‭ ‬منهُ،‭ ‬لمَّا‭ ‬انقشعتْ‭ ‬غمامة‭ ‬الدخان‭ ‬لاحَ‭ ‬أمام‭ ‬أنظارنا‭ ‬وهو‭ ‬يقف‭ ‬بطول‭ ‬قامته‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الدبابة‭ ‬ثم‭ ‬سمعنا‭ ‬صوته‭ ‬يشقُّ‭ ‬هواجس‭ ‬الخوف‭ ‬والقلق‭ ‬التي‭ ‬حاصرتنا‭:‬

‭- ‬اشتعلْ‭ ‬مذهبكِ؛‭ ‬كادتْ‭ ‬تمزقني‭ ‬أوصالًا؛‭ ‬وكان‭ ‬يقصد‭ ‬القذيفة‭.‬

‭ (‬‮٣‬‭)‬

كان‭ ‬سائق‭ ‬عجلة‭ ‬آمر‭ ‬سريتنا‭ ‬من‭ ‬قبائل‭ ‬البدو؛‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬إجازة‭ ‬يستحقها؛‭ ‬يعود‭ ‬مهمومًا؛‭ ‬لأنَّ‭ ‬أهلهُ‭ ‬لا‭ ‬يجدهم؛‭ ‬فهم‭ ‬ينتقلون‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬الكلأ‭ ‬للأباعر؛‭ ‬ويقتل‭ ‬أيام‭ ‬الأجازة‭ ‬السبع‭ ‬بالبحث‭ ‬عنهم؛‭ ‬أحياناً‭ ‬يجدهم‭ ‬وفي‭ ‬أحايين‭ ‬كثيرة‭ ‬يعود‭ ‬بدون‭ ‬اللقاء‭ ‬بهم؛‭ ‬ذات‭ ‬إجازة‭ ‬اشتدَّتْ‭ ‬أزمة‭ ‬النقل‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬نتيجة‭ ‬شحَّة‭ ‬الحافلات‭ ‬التي‭ ‬تقلُّ‭ ‬الجنود‭ ‬وقلَّة‭ ‬الوقود‭ ‬أيضاً؛‭ ‬وإذا‭ ‬بالسائق‭ “‬ريكان‭” ‬يدخل‭ ‬إلى‭ ‬السريَّة‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬جملٍ؛‭ ‬فعقدت‭ ‬ألسنتنا‭ ‬الدهشة؛‭ ‬هبط‭ ‬من‭ ‬الجمل‭ ‬برشاقة‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭:‬

‭- ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬سوى‭ ‬البعير‭ ‬حتى‭ ‬أصل‭ ‬لكم‭.‬

‭ (‬‮٤‬‭)‬

صادفتْ‭ ‬إجازتي‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬أخي‭ ‬علي‭ ‬النوَّاب‭ ‬ذات‭ ‬مرَّة؛‭ ‬كان‭ ‬حدثاً‭ ‬استثنائياً؛‭ ‬جلسنا‭ ‬نحتسي‭ ‬ابنة‭ ‬الكروم‭ ‬ونتجادل‭ ‬حول‭ ‬رواية‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭ ‬لعبد‭ ‬الرحمن‭ ‬منيف؛‭ ‬هو‭ ‬يقول‭:‬

‭- ‬رجب‭ ‬كان‭ ‬بوسعهِ‭ ‬أنْ‭ ‬يكون‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬العذابات‭ ‬الهائلة؛‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬إنساناً‭ ‬بلا‭ ‬فكرة‭.‬

أجيبهُ‭:‬

‭- ‬الأفكار‭ ‬الخطيرة‭ ‬تلاحق‭ ‬الإنسان‭ ‬الذكي‭.‬

حتى‭ ‬احتدم‭ ‬الجدال‭ ‬وثملنا؛‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬قررنا‭ ‬الذهاب‭ ‬على‭ ‬دراجة‭ ‬هوائية‭ ‬لتناول‭ ‬الطعام‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬المدينة؛‭ ‬كنتُ‭ ‬أقودُ‭ ‬الدرَّاجة‭ ‬وهو‭ ‬يجلس‭ ‬خلفي؛‭ ‬كان‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬المدينة‭ ‬يستغرق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬‮١٥‬‭ ‬دقيقة؛‭ ‬عندما‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬المطعم‭ ‬اكتشفتُ‭ ‬أنَّ‭ ‬أخي‭ ‬علي‭ ‬النوَّاب‭ ‬لم‭ ‬يكنْ‭ ‬معي؛‭ ‬لم‭ ‬أأبه‭ ‬بسبب‭ ‬ثمالتي؛‭ ‬تناولتُ‭ ‬ربع‭ ‬دجاجة‭ ‬مشويَّة‭ ‬وأخذت‭ ‬مثلها‭ ‬سفري‭ ‬لهُ؛‭ ‬خلال‭ ‬طريق‭ ‬العودة‭ ‬تبخَّرتْ‭ ‬ابنة‭ ‬الكروم‭ ‬من‭ ‬رأسي؛‭ ‬قلقتُ‭ ‬على‭ ‬أخي‭ ‬علي‭ ‬النوَّاب؛‭ ‬عندما‭ ‬دخلتُ‭ ‬المنزل‭ ‬وجدتهُ‭ ‬يقرأ‭ ‬برواية‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط؛‭ ‬سألتهُ‭: ‬

‭- ‬كيف‭ ‬عدت؟

‭- ‬لقد‭ ‬سقطتُ‭ ‬من‭ ‬الدراجة‭ ‬الهوائية‭ ‬خلال‭ ‬الطريق؛‭ ‬وصحتُ‭ ‬عليكَ‭ ‬لكنك‭ ‬لم‭ ‬تسمعني؛‭ ‬فعدتُ‭ ‬بأدراجي‭ ‬مشيَّاً‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬لتكملة‭ ‬أحداث‭ ‬الرواية‭.‬

‭*‬‭ ‬رجب‭ ‬بطل‭ ‬رواية‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط‭.‬

‭(‬‮٥‬‭)‬

ذات‭ ‬رمضان؛‭ ‬قرَّرتُ‭ ‬الصيام‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬الحرب؛‭ ‬أسوةً‭ ‬بباقي‭ ‬جنود‭ ‬الرعيل؛‭ ‬وقبل‭ ‬الفطور‭ ‬بساعة‭ ‬كنتُ‭ ‬مستغرقاً‭ ‬برواية‭ “‬عالم‭ ‬بلا‭ ‬خرائط‭” ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬صفحة‭ ‬من‭ ‬الرواية‭ ‬تبدأ‭ ‬نجوى‭ ‬العامري‭ ‬بطلة‭ ‬الرواية‭ ‬بخلع‭ ‬ملابسها‭ ‬قطعة‭ ‬قطعة‭ ‬وتذهب‭ ‬عارية‭ ‬لتغمر‭ ‬جسدها‭ ‬البلَّوري‭ ‬في‭ ‬البحر؛‭ ‬اهتاجتْ‭ ‬جميع‭ ‬الحواس‭ ‬عندي؛‭ ‬تركتُ‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬سريري؛‭ ‬ومثل‭ ‬معتوه‭ ‬ذهبتُ‭ ‬للعراء‭ ‬استحضرها‭ ‬أمامي‭ ‬حتى‭ ‬ارتجف‭ ‬كياني‭ ‬برعشةٍ‭ ‬لذيذة‭ ‬لم‭ ‬تكرر‭ ‬طيلة‭ ‬حياتي؛‭ ‬عندما‭ ‬حان‭ ‬موعد‭ ‬الفطور؛‭ ‬كنت‭ ‬أتناول‭ ‬الفطور‭ ‬ونجوى‭ ‬العامري‭ ‬تجلس‭ ‬بين‭ ‬أحضاني‭.‬


مشاهدات 647
أضيف 2022/10/24 - 5:44 PM
آخر تحديث 2024/09/26 - 5:03 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 213 الشهر 38770 الكلي 10027392
الوقت الآن
الجمعة 2024/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير