الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مجيد حطم مساءاتي الجميلة

بواسطة azzaman

مجيد حطم مساءاتي الجميلة

علي السوداني

 

ثمة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأوجاع‭ ‬النابتة‭ ‬والقليل‭ ‬من‭ ‬السعادات‭ ‬وعكرة‭ ‬المزاج‭ ‬التي‭ ‬تشبه‭ ‬وجه‭ ‬جار‭ ‬الحارة‭ ‬مجيد‭ ‬السباك‭ . ‬عرفته‭ ‬منذ‭ ‬ازيد‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬عشرة‭ ‬سنة‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬صنف‭ ‬سابع‭ ‬جار‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬يبعد‭ ‬مسكنه‭ ‬الغاطس‭ ‬خمسة‭ ‬أمتار‭ ‬عن‭ ‬صفحة‭ ‬الأسفلت‭ ‬،‭ ‬مسافة‭ ‬عشر‭ ‬عمارات‭ ‬وقطعة‭ ‬أرض‭ ‬موحشة‭ ‬ومطعم‭ ‬فلافل‭ ‬صغير‭ ‬جداً‭ ‬وهو‭ ‬بحجم‭ ‬دكانه‭ ‬الذي‭ ‬يستقبل‭ ‬فيه‭ ‬الزبائن‭ ‬وسياراتهم‭ ‬العليلة‭ ‬التي‭ ‬تسعل‭ ‬دخاناً‭ ‬أسود‭ ‬كأن‭ ‬ببطونها‭ ‬صديد‭ ‬وصدأ‭ ‬قديم‭ . ‬كان‭ ‬مشاءً‭ ‬وحيوياً‭ ‬ولا‭ ‬يبدو‭ ‬عليه‭ ‬أنه‭ ‬يؤدي‭ ‬رقصة‭ ‬عرجاء‭ ‬بخاصرة‭ ‬عقد‭ ‬الستين‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬بذلت‭ ‬جهداً‭ ‬رائعاً‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬أراه‭ ‬كثيراً‭ ‬وأتحمل‭ ‬آلام‭ ‬لغته‭ ‬وقصصه‭ ‬المكرورة‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬المتصلة‭ ‬بسيارة‭ ‬أبيه‭ ‬الملكية‭ ‬البائدة‭ ‬،‭ ‬ومما‭ ‬يفاقم‭ ‬مصيبتي‭ ‬أن‭ ‬أبا‭ ‬الأمجاد‭ ‬كان‭ ‬يحدثني‭ ‬وهو‭ ‬مبتسم‭ ‬بطريقة‭ ‬منفرة‭ ‬كأنه‭ ‬رجل‭ ‬دين‭ ‬غني‭ ‬يدوس‭ ‬بيده‭ ‬الثقيلة‭ ‬بطون‭ ‬الجياع‭ ‬وخيالاتهم‭ ‬غير‭ ‬المكلفة‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬عليَّ‭ ‬أن‭ ‬أوافقه‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬التفاصيل‭ ‬المملة‭ ‬والأكاذيب‭ ‬البائتة‭ ‬على‭ ‬جسد‭ ‬الحكايات‭ .‬

أسوأ‭ ‬المصادفات‭ ‬وأقساها‭ ‬على‭ ‬قلبي‭ ‬هي‭ ‬لحظة‭ ‬نزولي‭ ‬الى‭ ‬الشارع‭ ‬ومفتتح‭ ‬طقس‭ ‬مشية‭ ‬العوافي‭ ‬وكشف‭ ‬ثنيات‭ ‬المساء‭ ‬الغامضة‭ ‬،‭ ‬فيأتيني‭ ‬صوت‭ ‬السباك‭ ‬من‭ ‬الخلف‭ ‬كأنه‭ ‬طعنة‭ ‬مباغتة‭ ‬،‭ ‬ليسألني‭ ‬عن‭ ‬وجهتي‭ ‬فأكذب‭ ‬وأقول‭ ‬له‭ ‬أنني‭ ‬ذاهب‭ ‬لشراء‭ ‬الخبز‭ ‬والطماطة‭ ‬والباذنجان‭ ‬الضخم‭ ‬من‭ ‬دكان‭ ‬بعيد‭ ‬بآخر‭ ‬المدينة‭ ‬،‭ ‬فيعرض‭ ‬عليَّ‭ ‬الرفقة‭ ‬فأقبلها‭ ‬بغضب‭ ‬مغلي‭ ‬فائر‭ ‬وابتسامة‭ ‬هائلة‭ ‬تشبه‭ ‬طلعة‭ ‬صاحبي‭ ‬كاظم‭ ‬الجماسي‭ .‬

قبل‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬الدكان‭ ‬الافتراضي‭ ‬اللعين‭ ‬،‭ ‬سأخبر‭ ‬مجيد‭ ‬وجه‭ ‬البعير‭ ‬الغليظ‭ ‬بأنني‭ ‬بدلت‭ ‬رأيي‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬شراء‭ ‬الخبز‭ ‬وملحقات‭ ‬اللذة‭ ‬،‭ ‬فيفرح‭ ‬ويعيدني‭ ‬ثانية‭ ‬الى‭ ‬باب‭ ‬الدار‭ ‬مشياً‭ ‬وقصاً‭ ‬ونغزاً‭ ‬بمنطقة‭ ‬المثانة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬يراني‭ ‬فيها‭ ‬غير‭ ‬مكترث‭ ‬بما‭ ‬يحكي‭ ‬ويريد‭ .‬

مرة‭ ‬جرجرني‭ ‬حظي‭ ‬المسخم‭ ‬الأسود‭ ‬الى‭ ‬المرور‭ ‬بباب‭ ‬دكانه‭ ‬فلوحت‭ ‬له‭ ‬بيدي‭ ‬تلويحة‭ ‬يابسة‭ ‬فقام‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬كرسيه‭ ‬المائل‭ ‬وقطع‭ ‬الشارع‭ ‬واستوقفني‭ ‬وصفعني‭ ‬بسؤال‭ ‬الوجهة‭ ‬اليوم‭ ‬،‭ ‬فأخبرته‭ ‬بنيتي‭ ‬زيارة‭ ‬طبيب‭ ‬الكلى‭ ‬وعيادته‭ ‬المعلقة‭ ‬بقدم‭ ‬جبل‭ ‬القلعة‭ ‬من‭ ‬صوب‭ ‬المدرج‭ ‬الروماني‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬أملي‭ ‬بالله‭ ‬عظيماً‭ ‬بأن‭ ‬يهدي‭ ‬هذا‭ ‬الكائن‭ ‬فيعود‭ ‬الى‭ ‬باب‭ ‬رزقه‭ ‬وكده‭ ‬الحلال‭ .‬

لم‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬بالطبع‭ ‬لأن‭ ‬مجيداً‭ ‬قد‭ ‬ذهب‭ ‬الآن‭ ‬مذهب‭ ‬الاحتمال‭ ‬الميت‭ ‬وقال‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬حرقة‭ ‬بول‭ ‬وعطب‭ ‬كلوي‭ ‬غير‭ ‬مفهوم‭ ‬وأنه‭ ‬سيغلق‭ ‬الدكان‭ ‬ويصحبني‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬الاستشفاء‭ ‬وإعمال‭ ‬الرأس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تدبر‭ ‬كذبة‭ ‬جديدة‭ ‬قبل‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬غرفة‭ ‬الطبيب‭ ‬المتخيل‭ .‬

الحق‭ ‬الحق‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكره‭ ‬هذا‭ ‬الجار‭ ‬أبداً‭ ‬ولم‭ ‬اصعد‭ ‬الى‭ ‬سطح‭ ‬العمارة‭ ‬بليلة‭ ‬مباركة‭ ‬مقمرة‭ ‬وأدعو‭ ‬من‭ ‬الرب‭ ‬القدير‭ ‬أن‭ ‬يقبض‭ ‬روحه‭ ‬،‭ ‬لكنني‭ ‬كنت‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬تنمو‭ ‬بباطن‭ ‬قدمه‭ ‬وبين‭ ‬أصابعه‭ ‬الطويلة‭ ‬كمية‭ ‬جيدة‭ ‬من‭ ‬المسامير‭ ‬اللحمية‭ ‬الخشنة‭ ‬،‭ ‬وبهذه‭ ‬الختمة‭ ‬الحسنة‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬عليه‭ ‬مكاتفتي‭ ‬برحلة‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬الوجهة‭ ‬،‭ ‬حاوية‭ ‬الزبل‭ ‬القائمة‭ ‬بأول‭ ‬الزقاق‭ ‬وهي‭ ‬تفتح‭ ‬فمها‭ ‬العملاق‭ ‬للقطط‭ ‬وللأكف‭ ‬الغضة‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬علب‭ ‬الألمنيوم‭ ‬العزيزة‭ .‬


مشاهدات 604
أضيف 2022/09/27 - 6:19 PM
آخر تحديث 2024/07/18 - 8:23 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 381 الشهر 7949 الكلي 9370021
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير