الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الكتابة من خارج الغابة

بواسطة azzaman

كلام أبيض
الكتابة من خارج الغابة

جليل وادي

لمن تكتب‮ ‬،‮ ‬فلا أحد‮ ‬يقرأ‮ ‬،‮ ‬ولا حكومة تسمع ؟‮ ‬،‮ ‬ومن الكتابة في‮ ‬هذا الزمان العراقي‮ ‬ما‮ ‬يعد انتحارا بحسب عنوان مقال زميلنا رباح آل جفر الذي‮ ‬استهل به رحلته الكتابية في‮ ‬جريدتنا الزمان‮ . ‬هكذا‮ ‬يقول أكثر الأصدقاء أينما جمعني‮ ‬بهم لقاء‮ ‬،‮ ‬وما‮ ‬يقولون صحيح‮ ‬،‮ ‬وليس بمقدوري‮ ‬نفيه‮ ‬،‮ ‬فالقراءة تراجعت عما كانت عليه قبل عقود‮ ‬،‮ ‬ولم‮ ‬يعد للأشخاص مزاج للقراءة‮ ‬،‮ ‬واذا قرأوا فما الجدوى ؟،‮ ‬فالثقافة التي‮ ‬كانت معيارا للتمييز بين الأشخاص فقدت بريقها‮ ‬،‮ ‬وتراجعت قيمتها‮ ‬،‮ ‬وتقدمت عليها معايير جديدة‮ ‬،‮ ‬يندى الجبين لذكر بعضها‮ ‬،‮ ‬والأخرى تعذر الناس لاعتمادها‮ ‬،‮ ‬لأن الواقع هكذا‮ ‬،‮ ‬وعليك ان تكيّف نفسك كيفما‮ ‬يكون‮ ‬،‮ ‬فلا خاسر‮ ‬غيرك عندما تسبح ضد التيار‮ ‬،‮ ‬لذا لا‮ ‬غرابة في‮ ‬مقولة الفيلسوف مدني‮ ‬صالح عندما نصح أحد طلبته أن‮ ‬يكون شرطيا عندما اشتكى له من صعوبة الحياة مع فوج للشرطة وضعه القدر معهم أثناء الحرب وهو الطالب الذي‮ ‬تخرج للتو من قسم الفلسفة‮ .‬
يستغرب كثيرون عندما تطالع كتابا في‮ ‬سيارة نقل عام‮ ‬،‮ ‬ويصوبون نحوك نظرات تنطوي‮ ‬على دهشة‮ ‬،‮ ‬وأظنهم‮ ‬يقولون مع أنفسهم‮ ( ‬كم بطران هذا الرجل ؟‮) . ‬الناس تبحث عن الجدوى الواقعية في‮ ‬كل شيء‮ ‬،‮  ‬وهذا من حقها‮ ‬،‮ ‬وعندما لا‮ ‬يجدونها‮ ‬،‮ ‬فما الداعي‮ ‬للقراءة ؟‮. ‬فالثقافة لا تبني‮ ‬بيتا‮ ‬،‮ ‬ولا تشتري‮ ‬سيارة‮ ‬،‮ ‬ولا تضعك في‮ ‬المنصب الذي‮ ‬تستحقه‮ ‬،‮ ‬بل كثير من أصحاب المناصب العليا ليس لهم منها شيء‮ ‬،‮ ‬وظنوا ان مهارات اللغو الفارغ‮ ‬تنويرا‮ ‬،‮ ‬يقولون أطنانا من الكلام‮ ‬،‮ ‬وليس فيه من معنى‮ ‬،‮ ‬فلا تُحبط من عدم اجادتهم التهميش على كتاب رسمي‮ ‬،‮ ‬او التداخل في‮ ‬ندوة‮ ‬،‮ ‬كما هو حال بعض الذين اطلقت عليهم الفضائيات تسمية المحللين الاستراتيجيين‮ ‬،‮ ‬وأرادت من وجودهم ليس التنبؤ بما سيحدث او الوقوف على أسباب ما حدث‮ ‬،‮ ‬او التعرف الى تداعياته‮ ‬،‮ ‬بل كل همها ملأ فراغ‮ ‬زمني‮ ‬بأي‮ ‬كلام‮ . ‬
كنا نتعلم من وسائل الاعلام اللغة وأساليب التعبير وطرق الالقاء والأفكار العميقة‮ ‬،‮ ‬ويتطلع القائمون عليها الى الارتقاء بثقافة الشارع الى ثقافة النخبة‮ ‬،‮ ‬واذا بثقافة الشارع هي‮ ‬السائدة‮ ‬،‮ ‬واذا بجل المقدمين وضيوفهم من الذين‮ ‬يشيعون السطحي‮ ‬من الثقافة بلغة ركيكة‮ ‬،‮ ‬وتشبه طبيعتها تلك التي‮ ‬تتداولها شرائح لا تحكمها معايير مجتمعية‮. ‬
وهل بإمكانك تغيير بيئة تبدو عصية على التغيير ؟،‮ ‬هكذا تُبادر بسؤال آخر قبل أن تنهي‮ ‬اجابتك على الأول‮ ‬،‮ ‬ويقترحون عليك في‮ ‬النهاية ترك الكتابة‮ ‬،‮ ‬والكف عن وجع الرأس‮ . ‬قد لا أكون الوحيد من بين الذين توجّه لهم هكذا أسئلة‮ ‬،‮ ‬وأظنهم في‮ ‬حيرة من أمرهم عند البحث عن اجابة‮ ‬،‮ ‬قال استاذ علم الاجتماع الزميل محمود محمد سلمان انه‮ ( ‬يجر أذنيه‮ ) ‬لصبري‮ ‬واصراري‮ ‬على التحدي‮ ‬،‮ ‬فقلت‮ : ‬يكفيني‮ ‬اطلاق الصرخات كما أطلقها صديقي‮ ‬الدكتور اللبناني‮ ‬اسامة كبارة في‮ ‬كتابه الشيق‮ ( ‬صرخات في‮ ‬البرية‮ ) ‬الذي‮ ‬ما أن أُنهي‮ ‬قراءة مقال منه حتى أجدني‮ ‬أكثر رغبة في‮ ‬قراءة الذي‮ ‬بعده‮ ‬،‮ ‬ومازالت صرخات كبارة تملأ وديان وسهول لبنان‮ ‬،‮ ‬وأردفها بصرخات اخرى في‮ ‬الفيس بوك‮ ‬،‮ ‬لكن أحدا من ولاة الأمر لم‮ ‬يشعر بما تحمله تلك الصرخات من مآس‮ ‬يكابدها اللبنانيون كل لحظة‮ . ‬
ومازال آل جعفر حذرا‮ ‬،‮ ‬وليس بمقدوره تسمية الأشياء بأسمائها‮ ‬،‮ ‬فليس بوسعك الافلات مما في‮ ‬الغابة من وحوش بمجرد قولك لأحدهم على‮ ( ‬عينك حاجب‮ ) . ‬ومع كل هذا الحذر قال لي‮ ‬الناقد الكبير الدكتور فاضل عبود التميمي‮ : ‬من حسن حظ كتاب المقالات في‮ ‬الصحافة العراقية ان السياسيين لا‮ ‬يقرأون‮ ‬،‮ ‬ثمة كنز‮ ‬يلهيهم عما نكتب‮ ‬،‮ ‬ويبدو ان التميمي‮ ‬يتوقع حدوث كوارث فيما لو كان السياسيون‮ ‬يقرأون‮ ‬،‮ ‬هذا ونحن لم نسم‮ ‬،‮ ‬فما بالك لو سمينا‮ . ‬يُراد الكتابة من خارج الغابة‮.‬
jwhj1963@yahoo.com


مشاهدات 697
أضيف 2021/08/29 - 12:44 AM
آخر تحديث 2024/07/18 - 7:21 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 332 الشهر 7900 الكلي 9369972
الوقت الآن
الخميس 2024/7/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير