كيف نشتري زمناً جديداً؟
ثامر مراد
كيف نشتري زمنًا بلا جروح؟ زمنًا لا يُطاردنا بخطواتِه الثقيلة، ولا يتكئُ على أنفاسِنا المُنهَكة؟ زمنًا يحملُنا إلى لحظةٍ نقية، لم تُبعثَرها الرياح، ولم تطرقها أبوابُ الفقد، ولم تخنقها أسئلةُ الرحيل.
أيمكنُ للزمنِ أن يبيعَ ماضيه؟ أيمكنُنا أن نشتري الحاضرَ قبلَ أن ينطفئَ نورُهُ الأخير؟ لكنَّ الوقتَ تاجرٌ عنيد، لا يساومُ، ولا يعترفُ بالنداءِ المستكين. فتَّشتُ عن زمنٍ في جيوبِ الغيم، بين صمتِ النجومِ الراحلة، وفي بريقِ عيونِ الأطفالِ الحالمين، لكنَّ الزمنَ مراوغٌ. يهربُ من بينِ أصابعي كسرابٍ في صحراءِ الأمنيات، يتركني أُطارِدُهُ بخطىً متعثرة، وكأنَّ اللقاءَ حلمٌ بعيدٌ يتلاشى مع أولِ خيطٍ من ضوء. يا عابرًا في طرقاتِ الفقد، هل رأيتَ زمنًا يحملُ دفءَ اللقاء، ويجمعُ شتاتَ الذكريات؟ زمنًا يُعيدُ لنا الحكاياتِ كما كانت، بلا دموعٍ ولا فراق. قالوا لي: الزمنُ لا يُشترى، إنما يُعاش. لكن كيف نعيشُ أيامًا شاخت، وأحلامًا تساقطت كأوراقِ خريفٍ مبكِّر؟ سأخبركَ سرًّا، إن وجدتَ بائعًا للزمن، أخبرهُ أنني أملكُ قلبًا متعبًا، وأيامًا ممزَّقة، وأمنياتٍ لا تنام. هل يقبلُها ثمنًا؟
يا زمنًا بلا هوية، اقتربْ. خذْ منّا الحزن، وأعطِنا لحظةَ ابتسام. خذْ منّا الأوجاع، وأعطِنا لحظةَ انتظار. خذْ منّا الرحيل، وأعطِنا ساعةَ لقاء. كيف نشتري زمنًا جديدًا؟
ربما السرُّ ليس في الشراء، بل في التعلُّم. أن نُحبَّ اللحظةَ الراهنة، أن نلملمَ شظايا الأمس، ونفتحَ قلوبَنا لنورِ النهارِ الجديد. حينها فقط، قد نكتشفُ أنَّ الزمنَ لا يُباع، لكنهُ يمنحُنا فرصةً أخرى… لنكون.