سوريا النازفة .. أكبر ضحايا حروب الطاقة العالمية
قتيبة آل غصيبة
بدأت الثورة السورية في عام 2011 كجزء من موجة «الربيع العربي» التي اجتاحت المنطقة؛ بمطالب شعبية بالحرية والعدالة والديمقراطية؛ من خلال إحتجاجات سلمية؛ مالبثت ان تحولت إلى نزاع مسلح مدمر؛ وكان خلف هذه الأحداث؛ تعقيدات أعمق ترتبط من جانب بواقع سوريا السياسي و تراكماته؛ تضمنت أبرزها، القمع السياسي واستمرار نظام الأسد لعقود في استخدام القوة لقمع أي أصوات معارضة؛ مما خلق مناخًا من الاحتقان السياسي،بالاضافة الى الأوضاع الاقتصادية المتدهورة؛ وارتفاع معدلات الفقر والبطالة والفساد؛ التي لعبت دورا كبيرا في دفع الناس إلى الشوارع، خاصة في المناطق الريفية والمهمشة ، وكذلك الانقسام الطائفي؛
تنافس جيوسياسي
فقد اعتمدت هيكلية النظام على المجموعة العلوية؛ ساهم هذا بالانقسام بين الطوائف في المجتمع السوري ، ومن جانب آخر فقد ساهم التنافس الجيوسياسي وصراعات القوى العالمية والإقليمية؛ والتدخلات الإقليمية بتأجيج الصراع في سوريا؛ فموقع سوريا الاستراتيجي جعلها محور تنافس بين الولايات المتحدة وروسيا؛ وحلفائهما في المنطقة؛ (الكيان الصهيوني؛ وإيران؛ وتركيا؛ ودول الخليج)؛ من خلال دعم بعض الدول للمعارضة المسلحة، بينما دعمت دول أخرى النظام، ما أدى إلى تعقيد النزاع. ومن خلال تتبع الأحداث يمكن أن نكتشف، ان أحد الاسباب الحقيقية في هذا الصراع الدامي والحرب التي استمرت لمدة أحد عشر سنة؛ تمحور فيما يطلق عليه؛ (حروب الطاقة؛ وهي صراعات سياسية واقتصادية وعسكرية تتمحور حول السيطرة على مصادر الطاقة؛ مثل النفط والغاز الطبيعي والفحم؛ أو الطاقة المتجددة؛ كالطاقة الشمسية والرياح؛ يمكن أن تشمل هذه الحروب مجموعة واسعة من الأساليب؛ بما في ذلك؛ السيطرة على مصادر الطاقة الاستراتيجية؛ وضمان أمن الطاقة من خلال الحفاظ على استمرارية الإمداد دون انقطاع؛ والحفاظ على هيمنة اقتصادية؛ وأخيرا تعزيز النفوذ السياسي، ولضمان تحقيق أهداف حروب الطاقة؛ تكون الحروب العسكرية المباشرة أو الحروب بالوكالة هي أهم وسيلة لتحقيق النجاح في ذلك.) ؛ وهذا ما جرى فعلا في سوريا ؛ فقد انتقل فيها الصراع بين الشعب السوري ونظامه؛ إلى حرب داخلية بين النظام وشعبه ؛ والتي كان بإمكان نظام بشار الأسد الذي ظل حتى لحظاته الاخيرة رهينة حلفائه؛ محور المقاومة (إيران وحزب الله والمليشيات المرتبطة بهما) من جهة؛ وروسيا من جهة أخرى؛ أن يتحاشى تلك الحرب المدمرة التي راح ضحيتها بحدود (ستة ملايين ) سوري بين قتيل ونازح ومفقود؛ بإجراء إصلاحات سريعة تضمن حرية وكرامة المواطن السوري ؛ مما أدى ذلك لتفاقم هذا الصراع والتدخلات الخارجية؛ التي تمثل أمريكا وحلفائها (تركيا ودول الخليج ) التي كانت تدعم فصائل المعارضة السورية من جهة ؛ وروسيا وايران وحزب الله والمليشيات المسلحة الموالية لإيران التي كانت تدعم نظام الاسد.
وكان لكل الذي جرى في سوريا أهدافا جيوسياسية. في عام 2009 ؛ اقترحت قطر إنشاء خط أنابيب غاز طبيعي يمر عبر أراضيها إلى السعودية؛ ثم الأردن وسوريا وصولاً إلى تركيا وأوروبا؛ وكان الهدف الأساسي للمشروع نقل الغاز القطري من حقل الشمال في الخليج العربي (المشترك مع إيران) إلى الأسواق الأوروبية؛ مما يوفر بديلاً استراتيجياً للغاز الروسي الذي تعتمد عليه أوروبا بشكل كبير؛ وهذا بالتأكيد ما كانت تريده الولايات المتحدة الأمريكية ؛ لكبح جماح روسيا وإضعاف سيطرتها على اوربا من خلال اللعب على ورقة الغاز؛ بالإضافة إلى إضعاف الاقتصاد الروسي؛ كما أن هذا الخط كان يُنظر إليه باعتباره مشروعاً جيوسياسياً بامتياز؛ حيث كان بإمكانه أن يعزز نفوذ قطر الحليفة لواشنطن في سوق الطاقة الأوروبي ويُضعف هيمنة شركة غازبروم الروسية، التي تعتبر أحد أعمدة الاقتصاد الروسي وأداة رئيسية للنفوذ السياسي لموسكو؛ إلا أن هذا المشروع جابهه الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد بالرفض وبدلاً منه؛ أبدى اهتمامه في عام2010؛ بمشروع منافس تدعمه إيران، يُعرف بـ»خط الأنابيب الإسلامي». كان هذا المشروع يهدف إلى نقل الغاز الإيراني عبر العراق وسوريا إلى البحر المتوسط، ليكون منافساً مباشراً للمشروع القطري ويعزز من النفوذ الإيراني في المنطقة.لقد أثار هذا الرفض السوري لمشروع أنبوب الغاز القطري استياء الدول الداعمة للمشروع؛ وفي المقدمة قطر وتركيا ومن ورائهما الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الاخرين بالمنطقة؛ واعتُبِر ذلك خطوة سياسية تعكس انحياز النظام السوري للمحور الإيراني-الروسي، مما جعل سوريا موقعاً حساساً للصراعات الدولية والإقليمية، فكانت قطر وتركيا أبرز داعمي المعارضة السورية؛ إذ استغلتا الصراع لتعزيز موقفيهما الإقليميين؛ وأن دعمهما للمعارضة المسلحة كان مدفوعاً جزئياً برغبتهما في إسقاط الأسد لإحياء مشروع أنبوب الغاز القطري.
نظام سوري
في حين كانت إيران تعتبر سوريا شريكاً استراتيجياً في محور المقاومة؛ وأحد أهم الحلفاء في الشرق الأوسط؛ فقد دعمت النظام السوري سياسياً وعسكرياً منذ الأيام الأولى للثورة؛ وأرسلت قوات من الحرس الثوري وفصائل تابعة لها؛ مثل حزب الله اللبناني؛ والمليشيات التابعة لها في العراق ودول أخرى؛ لمنع سقوط النظام السوري؛ يحدوها ألامل في إحياء مشروع أنبوب الغاز الإسلامي؛ الذي يمثل جزءاً من المصالح الاقتصادية الإيرانية.
أما روسيا فإنها ترى في سوريا مركزاً استراتيجياً لحماية مصالحها في الشرق الأوسط؛ بما في ذلك قاعدتها البحرية في طرطوس؛ وقد تدخلت عسكرياً في سوريا عام 2015 بحملة جوية لدعم قوات الأسد؛ وحقيقة فإن أهم ما في التدخل الروسي؛ هو إطالة أمد الحرب في سوريا؛ ومنع سقوط بشار الأسد؛ وإلابقاء على حالة الفوضى في سوريا؛ لضمان عدم إنشاء خطي الغاز القطري؛ أو الإيراني؛ والذي يعني تعزيز نفوذ قطر وتركيا في سوق الغاز الأوروبي من جهة ؛ والسماح لإيران للدخول في سوق الغاز الاوربي بقوة مستقبلا بعد رفع العقوبات عنها من جهة أخرى ؛ لأن إنشاء أي من هذين الانبوبين عبر سوريا ؛ يُضعف النفوذ الروسي ويهدد اقتصادها القائم بشكل كبير على صادرات الغاز ؛ فهي إذن ساهمت في إطالة أمد الحرب لتعطيل إنشاء أنبوبي الغاز القطري والايراني ؛ عبر الأراضي السورية؛ لحين حسم وإنهاء حربها في أوكرانيا على أقل تقدير.
ومن المؤكد بعد كل ذلك؛ فإن كلا أنبوبي الغاز القطري والايراني لم يكونا مجرد مشروع اقتصادي؛ بل أداة سياسية تهدف إلى إعادة تشكيل ميزان القوى في المنطقة؛ وان رفض الأسد له ودعمه لمشروع الغاز الإيراني؛ جعله في محور الصراع الدولي.
وإن السقوط المدوي لنظام بشار الأسد في سوريا ؛ والدعم السياسي والدبلوماسي والتطمينات التي تتلقاها قوى الثورة السورية وزعيمها احمد الشرع ؛ لا يعني أن اللعبة قد انتهت ؛ فلايزال الطريق طويل؛ أمام الثورة السورية ؛ وسيحاول خصومها الذين كانوا يدعمون نظام بشار الأسد ؛ إلى خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار ؛ بوسائل شتى..والله المستعان.