الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الرخاوة في زمن البداوة

بواسطة azzaman

الرخاوة في زمن البداوة

جبار فريح شريدة 

 

أن الغوغائية آفة من إنتاج الجهل والتخلف، حتى وان وجدنا بعض المتعلمين ومن يدعون الثقافة في قطيع الغوغائية، فهم ضمن قطيع المصالح والنفعية البراغماتية والديماغوجية السياسية، يتبعون القطيع، قطيع يقوده من لا يستطيع ان يقرأ المتغيرات السياسية، ولا يستطيع ان يدير عملية سياسية، ولا تحالفات سياسية، مجرد قائد مقاد من أطرف كبرى، مهمته السيطرة على القطيع حتى لا يتمرد على المخطط، قائد مرتهن وجد من اجل تنفيذ اجندات واطماع خارجية، أو مرتهن لفكر شاذ وماضي تعيس.

الغوغائية تعود إلى العصور القديمة. في أثينا القديمة، كان هناك من يُعرفون بـ»الديماغوجيين»، وهم زعماء سياسيون استخدموا الأساليب الخطابية المثيرة للتأثير على المواطنين وتحقيق أهدافهم الشخصية. هذه الظاهرة استمرت عبر التاريخ، حيث استغل القادة السياسيون في مختلف الحضارات مشاعر الجماهير لتحقيق مآربهم. في التاريخ العربي هناك رؤساء كثر استخدموا هذا الخطاب الغوغائي سواء في فترات من حكمهم

هذه الغوغائية يعيشها الشعب العربي على مر التاريخ وخاصة بعد ما ظهرت وسائل وشبكات التواصل الاجتماعي الحديثة ,فاصبح التعبير متاح للجميع حيث عبر عنه بأنه " غزو البلهاء" هذا تعبير أطلقه الروائي الإيطالي الراحل «امبرتو ايكو»،  حين وصف ما فعلته بنا وسائل التواصل الاجتماعي، إذ قال عن تلك الوسائط بأنها «منحت حق التعبير لجحافل من البلهاء كانوا سابقاً يتحدثون فقط في الحانات، دون أن يزعجوا البيئة الاجتماعية. اليوم لهؤلاء نفس الحق في التعبير تماماً كصاحب جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء»

إنه غزو البلهاء والحمقى فعلا، عندما يستسهل البعض، نخبا وغير نخب، التجرؤ على وحدة المجتمع والشعب ويمعن بكل بلاهة في التنظير والحديث بخطاب الكراهية والتجييش وبث الفرقة والفتن بين الناس، كالبحث عن الشعبوية أو كتعبير عن عقد نفسية أو مشاكل اجتماعية شخصية، أو عدم وعي بخطورة الكلمة والمس بالثوابت الوطنية

 وبعد أن انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي الحديث، فأمثال هؤلاء أصبحوا من مشاهير القوم وأثريائه , ذلك أن ما يتفوهون به يعرض على كل أفراد المجتمع ممن يقتني تلك الأجهزة، بل يتجاوز حدود الدولة التي تم فيها تسجيل التعليق للعالم أجمع,

وقد يكون التعليق شخصياً أو مغرضاً أو مغرقاً بالتفاهة، ولكن لا يهم ,لأن الآلاف سيقرؤونه, والناس يتفاوتون بالإدراك وعمق وسطحية التفكير, وهذا هو أساس المشكلة.

الرخاوة الفكرية هي السمة الغالبة التي تميز الشخصية العربية ,وهي من انتاج اللين الذي وثناه من التعامل الانساني الذي حث الدين الاسلامي على التعامل به فترك انطباعا وسمة ثابته في الشخصية العربية  , لذا ان التوازن في شخصية المسلم ليجمع الشدة والرحمة ، وإن من الحكمة مراعاة كل ظرف بما يناسبه، والتعامل مع كل حالة بما تقتضيه؛ من الأخذ بقوة أو الرفق واللين ، غير أنه يبقى أن الأصل في التعامل الاجتماعي اللين والرقة ، ما لم يقم ما يقتضي خلاف ذلك  فالبداوة هي الاسم الآخر للعروبة، وهي على عكس التصور السائد لا تعني التوحش والقسوة والجهل، وحتى ابن خلدون الذي تنسب إليه هذه الفكرة اعتبر أن البداوة هي أساس القيم العربية الأصيلة من كرم وشجاعة وجلَد، وبالتالي فهي القوة الدافعة لكل تحول نوعي إيجابي في التاريخ العربي


مشاهدات 107
الكاتب جبار فريح شريدة 
أضيف 2025/01/04 - 3:07 PM
آخر تحديث 2025/01/06 - 11:26 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 313 الشهر 2599 الكلي 10092564
الوقت الآن
الإثنين 2025/1/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير