الأسدي يدرك مبكّراً أن المسرح هو العلاج الوحيد لآهاته
مبدع يوظّف طاقة الممثل في إشتغالات أخّاذة لجمالية العرض
كافي لازم
وان توفرت فسحة من الحرية فالجرح دفين عند جواد الاسدي وقد توطن ونما بين ظلوعه. منذ خمسون عاما عرفت هذا الكائن الذي يحمل ألم الفقد والآهات التي لاتغادره وان كان يحلم بالأمل ويعيش لأجله . الا ان الحلم هو الاخر قد منع عليه وبأمر السلطه.. مع انه يبدو هكذا بالصيرورة والتكوين عندما سقط رأسه اولا استثمر حياتة حالما رغم جبروت السلطة.. وعندما شب عن الطوق اصبحت جدلية الحياة حاضرة بين يديه وتلقى اول طعنة في خاصرتة عندما نادى بالحرية حينها هاجر في هذا الكون الرحيب لكي لايقع مضرجا في دمائه..ادرك مبكرا ان المسرح هو العلاج الوحيد . واقولها للتاريخ انه لَولا المسرح لهلك هذا الرجل.. . اتكأ على المسرح لكي يكون واقفا وهي فرصة له ليؤكد جروحه النازفة واهمها (جرح الوطن) الذي يصل عنده لحد الخرافة فعندما عاد صرخ في وجهي (كيف هي الاحوال) قلت له (وآه.. كما كثر اليتامى وابتسموا بمرارة ) قال (واحسرتاه.... ثم انهمر باكيا على كتفي) ولم يجد اي طريقة اخرى للتعبير..
لا احد يختلف ان المخرج جواد الاسدي شكل ظاهره مختلفة في الوطن العربي من خلال سفره الفني الطويل باعمال متدفقة في الجمال والحس العالي وبالاخص في مسرحية (السيرك) التي هي من تأليفه واخراجه و تمثيل شذى سالم ،احمد شرجي وعلاء قحطان والتي عرضت الاسبوع الماضي على باحة منتدى المسرح ببغداد ،فقد وصل اعلى درجات السمو المسرحي (ان جاز التعبير) في توظيب طاقة الممثل المحترف في اشتغالات مختلفة فلسفية وتعبيرية ورمزية كانت آخاذه في جمالية العرض بل انهم لم يعتادوا عليها.. بمعنى ان الكثير من المخرجين يضع احماله على اكتاف الممثل المحترف في امكانياته الادائية المعروفة ليحمله وزر العمل كله دون اكتشاف مبتكرات جديدة.
نعم لاشك ان القدرة الفائقة المتمثلة في ثلاثة ممثلين هم شذى سالم /احمد شرجي/وعلاء قحطان ساعدت المخرج ان يطبق مافي مخيلته من افكار التي تبدو غامضة للوهلة الاولى الا انه سرعان ما قاد الممثلون وانتزع منهم قدراتهم المكنونه واخذ الجمهور معا الى شواطئ العمل وتدريجيا ذهبنا لنبحر في خضمه واصبحنا نحن ملزمون بهذا الدرس الطقسي والدخول لمشاهدة (السيرك) الذي هو داخل مخيلتة مستخدما فكره الاخراجي في ادواتة المتقدمة.والمعروف ان مجرد كلمة - سيرك.. تعني حضورا كبيرا من المؤدين.. الا انه اختصر هذا السيرك في مهمة دقيقة جدا في اسعاد الجمهور في لعبة سيرك آخر ( سيرك جواد الاسدي) الذي هو الحياة ومايجري فيها.
حالة سردية
انهم ثلاث وكلب. مع ان الكلب لم يظهر الا انه كان بطلا في حالة سردية اخبارية لما جرى له وكيف تعرض لأضطهاد هائل مع انه نجما محبوبا لدى الجماهير وبلحظة تم قتلة بجبن ونذالة اتقنها الممثل (علاء قحطان باداء تفصيلي جميل) هذا الى جانب صديقه الروائي الممثل ( احمد شرجي) ومعاناتة في وحدته وكتاباته ورؤياه التشائمية ويأسه وتساؤلاته الوجودية من خلال التحكم بشخصياته بل دائما يؤكد هل الحياة تستحق ان تعاش ام لا.
واجد ان هذه الشخصية فيها الكثير من شخصية المؤلف نفسه وهي قريبة منه. ادى هذه باقتدار عال الممثل احمد شرجي.واجد في اداء الممثلة المقتدره (شذى سالم) شيئا مختلفا بل اضافة نوعية لمسيرتها الفنية الطويلة فقد خرجت تماما من نمطية الشخصيات التي حصرها فيها بعض المخرجين سابقا.. وهنا اعطتنا درسا لمقولة هاملت الكبيرة عند شكبير (الممثلون خلاصة العصر) نعم نجمتنا المبدعة في المنتهى الطقسي للتمثيل بل كانت تؤدي وكأن قلبها سيخرج من بين الظلوع بطبقة صوتية غير معتادة بأطاره التعليمي البرشتي وهي بمثابة هيلينا فايگل عند برشت او زينب في المسرح الحديث اذ اهتزت كراسي الجمهور حتى وكأنهم في عالم آخر... هذا فضلا عن وجود مجموعة من الممثلين الشباب المتفانون في العمل وهم ذو حظ عظيم بالاستفاده من دروس هذا العمل لمستقبلهم القادم .اما الجدران السوداء المتهالكة التي ساد بها الدمار والخراب دليل لأحتراق البلد ونهايته بموسيقى مرعبة صاخبة كان لها تأثيرها الخاص ياتي متسقا مع فكرة المخرج.
كما اليباس الحاد في اشجار كانت يوما مورقة مخضرة ترمز لنهاية الحياة، مع ان المخرج دائما يؤكد في اعماله بان هناك امل.
ندعو دائرة السينما والمسرح نقل هذا العمل المهم الى مسرح كبير للسماح لكثير من الجمهور الذي حرم من رؤية العرض في هذا المكان الضيق جدا.مؤسف جدا هذه الجهود الكبيره من قبل المخرج والممثلين ان يكون الجمهور محدَودا في حضوره.. وهم اساس العرض والهدف المنشود.