الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ذهاب العراقيين للحرب في روسيا.. الجوانب القانونية وفق التشريعات الدولية

بواسطة azzaman

ذهاب العراقيين للحرب في روسيا.. الجوانب القانونية وفق التشريعات الدولية

علي التميمي

 

يُعدّ ذهاب بعض العراقيين، أو تجنيد بعضهم، للقتال في روسيا ضد أوكرانيا موضوعًا بالغ الحساسية والخطورة، لما ينطوي عليه من مساس مباشر بالأمن القومي الخارجي للعراق، بل وحتى بالأمن الداخلي، فضلًا عن كونه يثير إشكالات دستورية وقانونية ذات طابع دولي. فهذه المسألة لا يمكن التعامل معها بوصفها أفعالًا فردية معزولة، بل هي أفعال ذات أثر سيادي وقانوني ينعكس على الدولة العراقية ومكانتها الدولية.

إن الدستور العراقي كان واضحًا وصريحًا في هذا الجانب، إذ أوجبت المواد (7 و8 و9) منه التزام العراق بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وعدم السماح بأن يكون أراضيه ممرًا أو مقرًا لأي نشاط عدواني، فضلًا عن حظر الدخول في الحروب أو الاشتراك فيها مع دول أخرى. وهذه النصوص الدستورية تنسجم بصورة تامة مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة، الذي منع العدوان والحروب بين الدول، وأكد على تسوية النزاعات الدولية بالطرق السلمية والسياسية والدبلوماسية. كما عززت هذا الاتجاه اتفاقيات جنيف واتفاقيات لاهاي، التي قيّدت الأعمال الحربية وجرّمت الانخراط في النزاعات المسلحة خارج الإطار المشروع.

جيش روسي

أما فيما يتعلق بطبيعة وجود العراقيين في روسيا، فإن الأمر يستدعي التوقف عند كيفية السفر والغاية منه.

فإذا كان السفر قد تم بصورة اختيارية، وبموجب سمات دخول لأغراض السياحة، ثم انضمّ الأشخاص لاحقًا إلى صفوف الجيش الروسي، ولا سيما في ظل صدور قانون روسي عام 2023 يجيز التجنيد في الحرب مقابل منح الجنسية بعد مدة من القتال، فإن هذا الفعل يُعدّ مجرّمًا وفقًا لقانون العقوبات العراقي. فقد عالج قانون العقوبات العراقي هذه الأفعال من خلال المواد (6 و9 و13)، باعتبارها جرائم تمس أمن الدولة وترتكب خارج الإقليم العراقي. كما جاءت المادة (165) من قانون العقوبات بنص صريح وواضح، إذ قررت عقوبة السجن المؤقت لكل من قام، دون إذن من الحكومة، بحشد عسكري ضد دولة أجنبية أو رفع السلاح ضدها أو التحق بأي وجه من الوجوه بالقوات المسلحة لدولة أخرى في حالة حرب، متى كان من شأن ذلك التأثير في سمعة العراق أو الإضرار بموقفه وعلاقاته الدولية. وشدد المشرّع العقوبة إذا ترتب على هذا الفعل ضرر فعلي بالعلاقات الخارجية للدولة.

وبناءً عليه، فإن العراقيين الذين انخرطوا في القتال إلى جانب دولة أجنبية في حرب لا يكون العراق طرفًا فيها، يخضعون للمساءلة القانونية عند عودتهم إلى البلاد وفقًا لأحكام المادة (165) من قانون العقوبات.

أما إذا ثبت أن سفر هؤلاء الأشخاص لم يكن قائمًا على إرادة حرة، وإنما تم عبر أشخاص أو جهات قامت بتجنيدهم أو تضليلهم أو تسهيل سفرهم تحت ذريعة السياحة، ثم جرى إشراكهم في القتال، فإن الوصف القانوني ينتقل إلى إطار أشد خطورة، وهو إطار الاتجار بالبشر. ففي هذه الحالة تطبق أحكام قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم (28) لسنة 2012، ولا سيما المادة (6/ثالثًا) منه، التي قررت عقوبة السجن المؤبد إذا ارتكبت الجريمة من جماعة إجرامية منظمة أو كانت ذات طابع دولي، وهو ما ينطبق على حالات التجنيد للقتال خارج البلاد.

غرامة مالية

وقد صدر بالفعل حكم قضائي في العراق بالسجن المؤبد بحق أحد المتورطين في تجنيد أشخاص وإرسالهم للقتال في روسيا، فضلًا عن فرض غرامة مالية مقدارها خمسة عشر مليون دينار عراقي.

وفي هذا الإطار، تنسجم سياسة الحكومة العراقية الحالية، برئاسة السيد محمد شياع السوداني، مع النصوص الدستورية، إذ تقوم على مبدأ الحياد وعدم زجّ العراق في أي حرب أو صراع دولي، مهما كانت أطرافه. فالعراق لا يحتاج إلى أزمات إضافية أو الدخول في نزاعات مع روسيا أو أوكرانيا أو غيرهما، خاصة في ظل التحديات الداخلية التي يواجهها.

كما أن إلقاء القبض على أحد العراقيين من قبل الجانب الأوكراني، واعترافه بمشاركته في القتال إلى جانب روسيا، يثير إشكالات تتعلق بتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، فضلًا عن انعكاس ذلك على صورة العراق وموقفه الدولي. ومن هنا تبرز الحاجة إلى توضيح رسمي يؤكد أن الدولة العراقية غير عالمة بهذه الأفعال وغير موافقة عليها، ولا سيما أن وزارة الخارجية لا يمكن أن تكون بعيدة عن هذا الملف، مع التأكيد على أن بعض هؤلاء الأشخاص غادروا العراق لأغراض السياحة ثم انخرطوا في حرب لا علاقة للعراق بها، ولا ناقة له فيها ولا جمل.

 


مشاهدات 66
الكاتب علي التميمي
أضيف 2025/12/28 - 3:27 PM
آخر تحديث 2025/12/29 - 2:20 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 80 الشهر 21378 الكلي 13005283
الوقت الآن
الإثنين 2025/12/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير