الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إقتصاد المسكّنات .. معركة الخدمة سردية جديدة

بواسطة azzaman

ذاكرة الظلال.. ديمقراطية الرافدين (6)

إقتصاد المسكّنات .. معركة الخدمة سردية جديدة

كاظم نزار الركابي 

 

يشكل النفط “قلب” السياسة، لأنه الدم الذي يضخ الحياة في أةصالها المتهالكة.

فهم متغيرات حركة هذا الدم يكشف كيفية نجاح الكارتل السياسي للبقاء رغم كل الأزمات.

في انتخابات 2025، وما سبقها من تحولات، شهدنا تغييراً جوهرياً في “توظيف” المال العام، ففي العقد الأول (2003-2014)، كان المال أُستغل المال لشراء “الولاءات” عبر التوظيف العشوائي، في العقد الثاني (2014-2022)، أُستُنزف المال في “تمويل الحرب ضد داعش” وترميم ما تهدم من جرائها. وأما اليوم، في “عقد الظلال”، بات المال يُستغل لشراء سلعة أندر وأغلى: “الشرعية”.

أدرك “الكارتل السياسي” حقيقة مرعبة بعد احتجاجات تشرين: “الأيديولوجيا ماتت”.

 لم يعد الناخب يكترث لـ “حماية المذهب” أو “مظلومية المكون”. وصار سؤاله وجودياً ومادياً: “أين تذهب أموالي؟”.

تشريع خدمات

أمام هذا السقوط المريع لـ “الشرعية الثورية” أو “الطائفية”، كان لا بد من اختراع “شرعية” بديلة لضمان بقاء القلعة. وهنا ولدت فكرة “تشريع الخدمات”.

“المقايضة الكبرى”: الإسفلت مقابل الصمت

حكومة السوداني لم تكن “تدير” الدولة، أنما كانت “مختبراً” لجس نبض الشارع لتصنيع شرعية جديدة تلعب على عقل الجمهور “بنحوٍ غير معلن” عبر إيهامه بمنحة ما يطلب: نظام الحكم سيمنحكم جسورًا وطرقًا معبدةً، وأنفاقاً، وساعات كهرباء إضافية، على أن تمنحونا: الصمت، والقبول بـ (ديمقراطية الظلال) كما هي، دون المطالبة بإصلاحات سياسية جذرية.

إنها سياسة “اقتصاد المسكنات”، فالمشاريع التي نُفذت في بغداد والمحافظات- رغم أهميتها القصوى- ليست “تنمية” مستدامة بالمعنى الاقتصادي الدقيق (فهي لا تخلق دورة إنتاج حقيقية)، بل هي “إبر تخدير” ضرورية لتسكين “الألم” الاجتماعي، ومنع “انفجار” الشارع مجدداً.

“طريق التنمية”: حلم الدولة أم “لافتة” الكارتل؟

في قلب هذه السردية، يتخذ مشروع “طريق التنمية” العملاق مكانه، وهذا المشروع هو “التاج” الذي يضعه “الكارتل” على رأسه. لأنه يقدم للعراقيين “حلماً” يوازي “حلم النفط” في السبعينيات، ونافذة للأمل بمستقبل غير نفطي.

لكن، بعين التشريح الاستقصائي، نرى الصورة المزدوجة لهذا المشروع:

في الضوء (للدولة): هو مشروع ستراتيجي لربط الشرق بالغرب، وتنويع الاقتصاد، وخلق فرص عمل.

في ظل (الكارتل): هو “أكبر كعكة” يمكن إستغلالها في تاريخ العراق. مئات المليارات ستُنفق على مدى سنوات، والشركات التابعة لـ “اللجان الاقتصادية” للأحزاب مهيئة للوقوف طابور تقاسم العقود.

هنا تحول “طريق التنمية” من “مشروع اقتصادي” إلى “وسيلة بقاء”. إنه يمنح الحكومة “بريقاً” دولياً، ويؤمن “للكارتل” تدفقاً مالياً هائلاً يضمن تمويل شبكاته لسنوات عدة مقبلة.

الصراع المخفي: “اقتصاد الدولة” ضد “اقتصاد الظل”

نعود إلى “التنافس الإداري” الذي ذكرناه سابقاً. صحيح أن السوداني و”الكارتل” يحتاجون “الشرعية الخدمية”، لكنهم يختلفون جذرياً في “إدارتها”.

السوداني يريد توجيه الأموال لـ “مشاريع مرئية” للمواطن، وبما يعزز شعبيته ويثبت زعامته.

موازنة ثلاثية

“الكارتل” يريد توجيه الأموال لـ “القنوات غير المرئية” التي اعتاد التعامل معها: عقود باطن، كوميشنات، وتمويل شبكات الزبائنية الحزبية التي تضمن الأصوات.

الموازنة الثلاثية (2023-2025) كانت ساحة معركة بين الأثنين، إذ كانت أكبر موازنة في تاريخ البلاد، لكنها لم تكن موازنة “انفجارية” إستثمارية، وأنما كانت “تشغيلية” (رواتب).

أُضطر السوداني لـ “دفع الجزية” لـ “الكارتل” (عبر التعيينات المفتوحة التي تضخم نزيف الرواتب) من أجل أن يسمحوا له بتمرير ما أراد “مشاريع الإعمار”.

هذه هي “الكلفة الحقيقية” للخدمات التي يراها المواطن. كل جسر يُبنى في بغداد، يقابله “نزيف” مالي في دهاليز الوزارات لتمويل “الدولة العميقة”.

إن “سردية الخدمة” نجحت مرحلياً (كما رأينا في نتائج الانتخابات). إذ أشترى “السوداني” وقتاً إضافياً بفضل “الإسفلت”.

لكن هذا الأنموذج يواجه خطراً وجودياً دائمًا يتمثل: “سعر برميل النفط”، فـ “ديمقراطية الظلال” مبنية بالكامل على “الريع”.

إنها نظام يوزع الثروة ولا ينتجها. إذا انخفض النفط، تنهار “المقايضة الكبرى” فوراً. حينها، لن يجد “الكارتل” مالاً لشراء “الصمت”، وسيقع كل رؤوساء الحكومات المقبلة تحت طائلة هذا الخطر الوجودي. 

ديمقراطية الظلال لا تبني “اقتصاداً”، وأنما تُدير “مهرجانًا” مكلفاً، يمول من “صكوك” نفطية قد تنهار قيمتها في أية لحظة.  مع إستمرارية هذا الخطر الوجودي، تستمر “اللعبة”: خدمات في “الواجهة”، ونهب منظم في “الظل”.

 

 

 


مشاهدات 55
الكاتب كاظم نزار الركابي 
أضيف 2025/12/28 - 3:25 PM
آخر تحديث 2025/12/29 - 2:08 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 79 الشهر 21377 الكلي 13005282
الوقت الآن
الإثنين 2025/12/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير